اعتقال الأمن الفلسطيني للناشط إسلامبولي بدير يثير استنكاراً واسعاً ويعيد للأذهان ما جرى مع نزار بنات

30 نوفمبر 2021
الناشط الفلسطيني إسلامبولي بدير (فيسبوك)
+ الخط -

دقائق كانت صعبة جداً، مرت بها الفلسطينية منى النوري، وهي تشاهد عناصر أمنية تابعة لجهاز المخابرات العامة الفلسطيني ومعظمهم كان مسلحاً وملثماً، يهاجمون زوجها المعتقل السياسي إسلامبولي بدير، خلال وجودهما معاً برفقة طفلتهم تالا ابنة الأعوام الأربعة، ويعتدون عليه ويخطفونه ويعتقلونه على مرأى ومسمع المارة، وسط مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة.

الحادثة التي وقعت أمس الإثنين، وثّقتها كاميرا مراقبة لمحل تجاري قريب من مكان الحدث، وانتشر الفيديو كالنّار في الهشيم عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، إذ لقي تفاعلاً كبيراً، واستنكارًا واسعاً لطريقة اعتقال بدير. وقد أُفرج عن بدير اليوم الثلاثاء.

الناشطون استذكر بعضهم ما جرى معه من حوادث مشابهة عندما تم اختطافه بطريقة مشابهة، لكن آخرين وجدوا رابطاً بينها وبين ما جرى مع المعارض السياسي نزار بنات الذي قتل بعد اعتقاله من قبل الأمن الفلسطيني قبل نحو أربعة أشهر، فيما ذهب طرف ثالث للتركيز أكثر على الحالة النفسية التي أصابت طفلته "تالا" التي كانت إلى جانبه لحظة تعرضه للهجوم.
وكتبت منى النوري "اليوم لما صارت الميمعة (الحادثة) قدامي، ما أجا ببالي (لم يخطر في بالي) غير نزار، إسلامبولي انضرب وانخنق وارتمى على الأرض ورجله تشنجت وصار يصيح من الوجع، ولا أنسى كيف لحشوه لحش (قذفوه بقوة) بالشتل (الحافلة الأمنية!)". وتابعت "عندما ذهبنا إلى مقر الجهاز الذي اعتقله، قال لنا مديره: (لا تخافوا عليه، نحن نهتم به). فقلت له: (أريد أن اطمئن عليه حتى لا يحدث معه ما حدث مع غيره، والإشارة مرة أخرى لنزار بنات)".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

واليوم، غردت النوري من جديد، قائلة: "صباح الخير لاسلامبولي الجدع، اليوم الثلاثاء وكل ثلاثاء كان إسلامبولي يترك محله ويذهب لباب مقر الصليب الأحمر ويعتصم مع أهالي الأسرى". وتابعت، "الصغير قبل الكبير في هذه البلد يشهد لإسلامبولي بأخلاقه وأدبه ومساعدته للغير وتقديم مصلحة الغير على مصلحته، إسلامبولي الوحدوي ويلي همه ع البلد الضائعة! احنا بنستاهلش يلي بصير فينا، حقنا نعيش معززين مكرمين في البلد!".

وقالت زوجته: إنها قد تستوعب أن يقتحم جيش الاحتلال بيتها، لكنها لا تستوعب مطلقاً ما جرى مع زوجها من أبناء جلدته".

ما جرى مع إسلامبولي، عاد بذاكرة الناشط صهيب زاهدة من مدينة الخليل إلى ما جرى معه قبل عدة سنوات، ونشر زاهدة على صفحته قائلاً: "هذا المشهد يذكرني بما حصل معي عندما تم اعتقالي من الأمن الفلسطيني وكان ابني الصغير معي، وبالرغم من رفعي شكوى للنيابة العسكرية إلا أن النيابة العسكرية الفلسطينية أسوأ نيابة ومؤسسة فلسطينية، وهي التي تعطي الضوء الأخضر للعساكر بالتعدي على الناس". وأضاف زاهدة، "لو كانت النيابة العسكرية الفاسدة -نعم الفاسدة وخاصة نيابة الخليل- تعمل ضمن القانون وتحمي الناس من فساد الأجهزة الأمنية لما تجرأ 14 رجل أمن على قتل الشهيد نزار بنات".

وأيضاً الصحافي سامح مناصرة من طولكرم، ذكرته حادثة خطف إسلامبولي، بما جرى قبل 4 سنوات تقريباً، عندما كان بدير معتقلاً لدى السلطة أيضاً، وقد حرمه الاعتقال السياسي حينها من أن يشهد ميلاد طفلته "تالا" التي شهدت أمس، حادثة الاعتداء عليه واعتقاله من عناصر الأمن الفلسطيني. وحينها كتبت له زوجته: "بس تروّح بالسلامة تكذبش على بنتك، مش مضطر تحكيلها كنت مسافر، احكيلها مقدرتش أكون معك وجنب أمّك بالمستشفى، لإني كنت معتقل عند السلطة". يقول مناصرة: "اليوم شاهدت تالا جانباً من القهر والعذاب الذي تعرّض له والدها طوال سنوات، سيبقى في ذاكرتها مشهد والدها وهو يتعرّض للاعتداء والضرب لا ذنب سوى أنه طاهر ونقي ومن نسل شيخ مجاهد باع الدنيا من أجل الدين والوطن".

أما المستشار القانوني والمحامي بلال البرغوثي، فقد قال: "عندما شاهدت لحظة اعتقال الأمن الفلسطيني للمواطن في طولكرم تذكرت أحد الأفلام (الأكشن) التي يعتقل فيها الأمن الأميركي رجلاً كان يريد تفجير قنبلة بيولوجية ستقضي على مدينة بأكملها، فدققت النظر فوجدت صورة طفلة صغيرة وبريئة تحمل ألعابها بكيس بيدها الرقيقة كانت ترافق ابيها لحظة اعتقاله وتعرضه للضرب المبرح ثم هربت إلى المحل المجاور من هول ما شاهدت، وبدا لي أن أحلام هذه الطفلة وبراءتها واطمئنانها بيد أبيها، وكرامة وحقوق المواطن هي القنبلة التي يخشاها من أمر ونفذ هذه الجريمة البشعة، لمن أمر ونفذ، دماء المرحوم نزار بنات لا تزال حاضرة، (..)، اتعظوا".

رئيس لجنة الحريات العامة في الضفة الغربية خليل عساف، أكد أن اعتقال بدير بهذه الطريقة لا تقوم به سلطة تحترم القانون والإنسان، (..)، "هذه الطريقة بحد ذاتها جريمة يجب فوراً على النائب العام فتح تحقيق عاجل واعتقال ومحاسبة من قام بهذا العمل، (..) هذا السلوك المعيب للأجهزة الأمنية، (...) أصبح إهانة للنظام والأمان ولسيادة القانون".

الإعلامي كرم زكارنة، أكد أنه لو تم إرسال استدعاء لبدير، سيلبي الطلب فوراً. وقال: "أرسلوا له استدعاء سيأتي على الموعد، (..)، لكن من فعل هذا لا يريد أن تسير الأمور وفق القانون. (..)، لإرسال رسالة للاحتلال مفادها: (انظروا ماذا فعلنا بابن رياض بدير (الشهيد رياض بدير الذي ارتقى في معركة جنين الشهيرة عام 2002).

والد إسلامبولي، كان حاضرا في المنشور الذي كتبه الناشط مهند أبو غوش، حيث قال: "حين كان الناس يسألون الشيخ رياض بدير عمّا سيتركه لأبنائه حين يرحل، كان يجيب: (الله ورسوله)"، فيما استذكر أبو غوش سيرة الشهيد رياض بدير والد إسلامبولي وما عاناه من الاحتلال والسلطة الفلسطينية.

وأكدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم الفلسطيني"، اليوم الثلاثاء، أنها تتابع حادثة اعتقال المواطن إسلامبولي رياض بدير (36 عاماً) من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، من أمام محل عمله في الشارع العام بمدينة طولكرم وأمام طفلته، فيما طالبت الهيئة النيابة العسكرية التحقيق في الحادث ومحاسبة المسؤولين عن تنفيذ عملية الاعتقال بهذه الطريقة.

وقالت الهيئة في بيان صحافي، "إن اعتقال المواطن بدير دون مراعاة سلامة الإجراءات في عملية القبض والتوقيف، بما في ذلك إبراز مذكرة توقيف صادرة عن جهات الاختصاص ممثلة بالنيابة العامة ودون مراعاة لمدونة سلوك رجال الأمن، وبشكل يخالف القانون الأساسي الفلسطيني، فعل يستوجب المساءلة والمحاسبة، خاصة وأن عملية الاعتقال تمت من قبل أفراد الأمن وهم يرتدون ملابس عسكرية وبعضهم مقنع الوجه، الأمر الذي أحدث حالة من الخوف والإرباك في الشارع العام، وروّع الطفلة ابنة المواطن بدير".

وطالبت الهيئة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية الفلسطينية بعمل مراجعة شاملة للإجراءات المتبعة في التوقيف والقبض، بما يضمن سلامة الإجراءات ومراعاة حقوق المواطنين وكرامتهم وحسن معاملتهم.

من جانبها، أكدت مجموعة "محامون من أجل العدالة" في بيان لها اليوم الثلاثاء، أن محاميها في طولكرم أحمد برهم أفاد بأن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني أفرج عن الناشط إسلامبولي بدير، والذي اعتقله أمس، من أمام مكان عمله في طولكرم.

المساهمون