إيلون ماسك وحرب أوكرانيا: آخر عقلاء أميركا الشمالية؟

16 سبتمبر 2023
أكد ماسك أنه منع هجوماً أوكرانياً على قاعدة بحرية روسية (ستيفاني رينولدز/فرانس برس)
+ الخط -

"حين يقنع الأثرياء أنفسهم بأنهم أثرياء لأنهم أذكياء، لا لأنهم محظوظين وقساة، فإنهم يسيئون استخدام مواهبهم في مجالات تتجاوز خبراتهم (...) طالما أننا نسمح بالاستعانة بمصادر خارجية للأنظمة العامة والاستخبارية والعسكرية الأساسية، وبالسيطرة عليها من قبل جهات فاعلة خاصة، فإننا نخاطر بتدمير الأرواح وتبدد الآمال بمستقبل أفضل بسبب أهواء شخص مهووس بنفسه وغير مستقر. يمكن أن يكون هذا الشخص ماسك (إيلون). ويمكن أن يكون شخصًا أكثر كفاءة وقدرة في المرة المقبلة".

هكذا علقت البروفيسورة في الدراسات الإعلامية في جامعة فيرجينيا ومؤلفة كتاب "مواقع التواصل المعادية للمجتمع: هكذا يشرذمنا فيسبوك ويقوّض الديمقراطية" (2018) شيفا فيديانيثان، على تصريحات الملياردير الأميركي إيلون ماسك الأخيرة حول حرب أوكرانيا، وذلك في مقال نشرته صحيفة ذا غارديان.

في 8 سبتمبر/ أيلول الحالي، أكد ماسك أنه منع العام الماضي هجوماً أوكرانياً على قاعدة بحرية روسية، من خلال رفض طلب لكييف بتفعيل الوصول إلى الإنترنت عبر نظام ستارلينك للأقمار الاصطناعية في البحر الأسود، قرب شبه جزيرة القرم.

وكتب ماسك في منشور على منصة إكس (تويتر سابقاً) التي يمتلكها: "تلقينا طلباً عاجلاً من السلطات الحكومية لتفعيل ستارلينك حتى سيفاستوبول. كانت النية الواضحة، وهي إغراق معظم الأسطول الروسي الراسي" هناك. وأضاف ماسك في منشوره: "لو وافقت على طلبهم، لكانت سبايس إكس متواطئة في عمل من أعمال الحرب وتصعيد للصراع".

نُشرت خدمة الإنترنت عبر شبكة نظام ستارلينك للأقمار الاصطناعية التي طورّتها شركة سبايس إكس، التابعة لماسك، في أوكرانيا، بعد وقت قصير من غزوها في فبراير/ شباط 2022. وتعد مدينة سيفاستوبول مركزاً لقاعدة الأسطول الروسي في البحر الأسود في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014.

كان ماسك يتحدث رداً على مقتطف من كتاب سيرة حياته الذي ألفه والتر آيزاكسون، قبل صدوره في 12 سبتمبر. في المقتطف الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست، كتب آيزاكسون أنه في سبتمبر 2022 "حاول الجيش الأوكراني شن هجوم سري على الأسطول البحري الروسي المتمركز في سيفاستوبول، عبر إرسال ست مسيّرات صغيرة تحت الماء محملة بمتفجرات، باستخدام ستارلينك" لإرشاد الطائرات نحو الهدف. وأضاف الكاتب أن ماسك "تحدّث بعد ذلك إلى السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، الذي أخبره صراحة بأن هجوماً أوكرانياً على شبه جزيرة القرم سيؤدي إلى رد نووي". وتابع آيزاكسون أن ماسك "طلب من مهندسيه تعطيل التغطية داخل دائرة قطرها مائة كيلومتر من ساحل القرم. وعندما اقتربت المسيّرات الأوكرانية من الأسطول الروسي في سيفاستوبول، فقدت الاتصال، وسقطت من دون تعرّضها لأضرار".

في هذه الأثناء، شكّك ماسك عبر منصّة "إكس" ببعض النقاط في نسخة كاتب سيرته الذاتية، موضحاً أنّ أقمار ستارلينك "لم تُفعّل" في المناطق المعنيّة، وبالتالي، فإن "سبايس إكس لم تعطّل أيّ شيء".

ودان مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك تصريحات ماسك بشدة، وقال إنّه "من خلال عدم السماح للمسيّرات الأوكرانية بتدمير جزء من الأسطول العسكري الروسي"، سمح إيلون ماسك لهذا الأسطول بإطلاق الصواريخ باتجاه المدن الأوكرانية، والتي "قتلت مدنيين وأطفالاً". واعتبر أنّ "هذا هو ثمن مزيج من الجهل والغرور الكبير".

ولم توضح وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) ما إذا كانت تصرّفات ماسك مقبولة بالنسبة إلى مقاول يقدم خدمات للحكومة الأميركية، أو ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها رداً على ذلك. غير أن متحدثاً باسم وزارة الدفاع اكتفى بالقول إنّ الوزارة "على علم بهذا الموضوع ومهتمة به"، رافضاً الكشف عن أيّ "تفاصيل تشغيلية" بشأن "ستارلينك"، لأسباب أمنية.

أما وزير الخارجية أنتوني بلينكن فرفض التعليق على هذه الحادثة تحديداً، لكنه قال لشبكة سي أن أن، الأحد الماضي: "شكلت ستارلينك أداة حيوية للأوكرانيين ليتمكنوا من التواصل بعضهم مع بعض، وخاصة بالنسبة للجيش، للتواصل بشأن جهودهم للدفاع عن جميع أراضي أوكرانيا. لا يزال الأمر على حاله...".

في الوقت نفسه، دعت السيناتور إليزابيث وارن إلى فتح تحقيق بشأن تصريحات ماسك، وفقاً لما كشفته وكالة بلومبيرغ. وأفادت الوكالة نفسها، أمس الجمعة، بأن لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ تحقق في قضايا الأمن القومي التي أثارها قرار ماسك بشأن الهجوم الأوكراني على السفن الحربية الروسية بالقرب من ساحل القرم. وقال رئيس اللجنة جاك ريد، في بيان، إن التقارير المتعلقة باستخدام "ستارلينك" كشفت عن "قضايا خطيرة تتعلق بالمسؤولية الأمنية الوطنية، واللجنة منخرطة في هذه القضية".

من جهة ثانية، رحّب الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف بقرار رجل الأعمال الأميركي الذي "خشي من ردّ نووي"، وقال إنه إذا كانت هذه القصة "حقيقية"، فإنه "يبدو أنّ ماسك هو آخر شخص عاقل في أميركا الشمالية".

وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء الماضي، بماسك، ووصفه بأنه "شخص متميز" ورجل أعمال أصبحت شركته سبايس إكس لاعباً رئيسياً في قطاع النقل الفضائي.

ولم يشر بوتين، الذي كان يتحدث في منتدى اقتصادي أقصى شرقي روسيا، إلى مسألة "ستارلينك". لكن عندما سئل عن نجاح سبايس إكس التابعة لماسك في إطلاق صواريخ في الفضاء، قال: "في ما يتعلق بالأعمال التجارية الخاصة وإيلون ماسك، فهو بلا شك شخص متميز. يجب الاعتراف بهذا، وأعتقد أنه معترف به في أنحاء العالم كافة". وأضاف أن ماسك "رجل أعمال نشط وموهوب ويحقق نجاحات كبيرة، منها نجاحات بدعم من الدولة الأميركية".

والخميس أيضاً، دعا ماسك إلى هدنة في الحرب الدائرة في أوكرانيا حيث تشنّ قوات كييف منذ يونيو/ حزيران هجوماً مضادّاً، لم يمكّنها حتى اليوم سوى من استعادة مساحات قليلة من أراضيها المحتلّة. وقال الملياردير المثير للجدل إنّه "يجب على الجانبين الاتّفاق على هدنة. مع كل يوم يمرّ، يموت مزيد من الشباب الأوكرانيين والروس من أجل خسارة مساحات صغيرة من الأرض أو كسبها، والحدود بالكاد تتغيّر. هذا الأمر لا يستحق حياتهم".

وعكس كير جايز، في مقال نشرته "ذا غارديان" أيضاً، المخاوف التي أثارتها شيفا فيديانيثان. لكنه نبّه، في مقاله المنشور في 12 سبتمبر، إلى أن "سبيس إكس"، الشركة الأم لـ"ستارلينك"، "ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تلعب دوراً حيوياً في مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي. وكانت الأسماء المعروفة، مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت وغيرها، ضرورية أيضاً للدفاع عن أوكرانيا".

وأضاف جايز الذي عمل مع برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، وهو مؤلف كتاب "حرب روسيا على الجميع"، أن "الدور الرئيسي الذي تلعبه شركات التكنولوجيا والأشخاص الذين يعملون معها في هذه الحرب يثير تساؤلات جديدة حول وضع الصناعة الخاصة ودور المدنيين في زمن الحرب".

وذكر الدور الذي لعبته "أمازون" وخدماتها السحابية في إخلاء بيانات الحكومة الأوكرانية قبل الغزو، وكيف لعبت شركات تكنولوجيا المعلومات مثل "مايكروسوفت" في حماية الحكومة الأوكرانية والشبكات المدنية من الهجمات الإلكترونية الروسية. كما توفر "غوغل" خدمات الدعم لوظائف الحكومة الأوكرانية والحماية للمواقع الإلكترونية الحكومية والسفارات في أنحاء العالم كافة. غير أن "كل هذه الشركات، وكتلة من القطاع الخاص الأصغر حجماً ومنظمات المجتمع المدني، قدمت خدماتها إما مجاناً، أو بتمويل من الحكومات الغربية التي تدعم أوكرانيا"، أشار جايز.

لكن السبب الذي منع ظهور هذه الشركات في العناوين العريضة للأخبار، كما حصل مع "ستارلينك"، ليس فقط لأنها "تقدم دعمها بهدوء في الكواليس"، بل لأنها أيضاً "على عكس ستارلينك، اتخذت خياراً واضحاً بشأن الجانب الذي تقف فيه، وخلصت إلى أن قيمها الخاصة وواجبها تجاه عملائها الآخرين تعني أنها يجب أن تدعم أوكرانيا". وفقاً لرئيس "مايكروسوفت" براد سميث، فإن عملية الانخراط في الشؤون الجيوسياسية "كانت غير عادية وحتى غير مريحة، ولكنها أصبحت لا غنى عنها لحماية عملائنا".

لكن حالة "ستارلينك" سلطت الضوء على تبعات الاعتماد على "حسن نية" هذه الشركات الخاصة التي تتمتع بنفوذ واسع ولا تخضع للمساءلة كما يجب، فقرارات ماسك مثلاً يمكن أن تساهم بسهولة في إنقاذ الأرواح أو فقدانها.

والغارة البحرية الفاشلة على سيفاستوبول ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها أوكرانيا على "ستارلينك" وتتعرض للخذلان. في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، اكتشفت القوات الأوكرانية أن "ستارلينك" توقفت عن العمل عندما دخلت المناطق المحررة حديثاً، ما حرمها من القدرة على الاتصالات الحيوية. وفي فبراير/ شباط 2023، فرضت "ستارلينك" مزيداً من القيود على الاستخدام، قائلة إنه لا ينبغي استخدام الشبكة لأغراض هجومية، مثل توفير الاتصالات للتحكم في الطائرات من دون طيار التي تنفذ هجمات على القوات الروسية.

وحذر جايز من أنه "في صراع مستقبلي أكثر غموضاً، يمكن لولاءات الشركات الخاصة أن تعبر الحدود، ويمكن أن تجد نفسها تقدم الخدمات للجانبين المتصارعين".

المساهمون