إمينيم في السوبر بول: ركوع المغنّي بين الشوطين

23 فبراير 2022
يرى بعضهم أن إمينيم يريد لفت الأنظار فقط (كيفين سي. كوكس/Getty )
+ الخط -

يتصدر مغني الراب الأميركي، إمينيم، أخبار العالم اليوم، بعد ظهوره الأول في استعراض ما بين الشوطين، في حفل سوبر بول الذي أقيم مساء يوم الثالث عشر من فبراير/شباط الحالي، وذلك بسبب انحنائه على ركبته، في نهاية العرض الذي امتد لمدة خمس عشرة دقيقة، واحتوى كل من دكتور دري، وسنوب دوغ، وكندريك لامار، وماري جاي. بلايدج، في المرة الأولى التي يكون فيها فنانو الهيب هوب، المؤدين الرئيسيين لأضخم حدث في اتحاد كرة القدم الأميركي.
وقد عُرفت الإيماءة، التي نفذها المغني الأميركي آخر عرضه، كفعل احتجاجي ضد وحشية الشرطة والتمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية، درّجها لاعب الوسط السابق في اتحاد كرة القدم الأميركي، كولن كابيرنيك، أثناء عزف النشيد الوطني للغايات المذكورة ذاتها. أدّى قيام كابيرنيك بهذه الانحناءة، إلى إلغاء عقده مع فريق "سان فرانسيكسو 49"، لكنه لم ينضم بعدها أبدًا إلى الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، مرجعًا سبب ذلك إلى إدراجه في القائمة السوداء من قبل مالكي اتحاد كرة القدم الأميركي الذين عارضوا احتجاجه بشدة. بهذا، تحوّل الرجل إلى ناشط حقوقي.
في هذا السياق، يُشار إلى أن الدوري الإنكليزي لكرة القدم، على سبيل المثال، لا يزال يرفع شعارات مناهضة للعنصرية حتى يومنا هذا، منذ حادثة مقتل جورج فلويد. وأكثر من ذلك، الحركة التي قام بها إمينيم، ما زالت، أيضاً، حتى اليوم، بمثابة طقسٍ إجباري؛ إذ قبل إطلاق الحكم صافرة البداية، في الدوري الإنكليزي، ينحني جميع اللاعبين ويجلسون على ركبة واحدة، كاستعادة مستمرة لتلك الحادثة، وتوكيد على نبذ العنصرية بكل أشكالها.
أثارت حركة إمينيم، التي أعادت إحياء حادثة كابيرنيك، جدلًا واسعًا، خاصة بعد انتشار العديد من الإشاعات والتقارير، التي تشير إلى أن اتحاد كرة القدم الأميركي، طلب من المغني عدم القيام بتلك الإيماءة، وهو أمر نفته الإدارة المسؤولة، عبر بيان رسمي لها، إذ أوضح اتحاد الكرة الأميركي، أن لا مشكلة لديه في انحناءة إمينيم، بل إنه كان على علم بها خلال البروفات السابقة للعرض المباشر. وكذلك، أكدت تصريحات دكتور دري مزاعم الاتحاد، إذ أشار عراب صناعة الهيب هوب الأميركية، وأحد أشهر منتجيها، أن اتحاد كرة القدم الأميركي لم يجرِ إلا بعض التغييرات الطفيفة على الاستعراض، ومنها إزالة إرجاعات العصابات في إحدى أغاني لامار. تعديلات وصفها دري بأنها "ليست بالمشكلة الكبيرة".


ليس من المستغرب على إمينيم، أو على غيره من مغنّي الراب، تناولهم مواضيع السياسة والشأن العام، خاصة مع تفاقم الأزمات الجديدة التي عصفت بالولايات المتحدة الأميركية والعالم بأسره، ما يضعف من الاعتقاد السائد بأن حركة إمينيم ليست ذات صلة بحادثة كابيرنيك، وأنها مجرد جزء من استعراض المؤدي؛ فاحتجاج مغني الراب الذي شارف الخمسين من عمره، جاء منسجمًا مع مواقفه السياسية في الفترة الأخيرة، خاصة انتقاده المتكرر والحاد للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وأسرته وداعميه، وذلك عندما رفع إصبعه الوسطى لجمهوره المؤيد لترامب، مقللًا من شعبيته لدى شريحة المحافظين، ومتسببًا لنفسه بمخاطر أمنية، أدت إلى استجوابه من قبل الخدمة السرية على خلفية "تهديدات" وجهها الرابر الديترويتي لترامب.. أمر جابهه إمينيم وممثلوه الرسميون بالصمت الإعلامي المطلق، تمامًا كما يفعل اليوم حين يمتنع عن تأكيد أفعال الاتحاد أو نفيها، أو حتى تقديم تفسير للإيماءة التي باتت الحدث الأهم في سوبر بول عام 2022.

وعلى الرغم من الاحتفاء الشديد الذي حازه إمينيم من جمهوره القديم، إلا أن أصواتًا عدة علت لتتهمه بالادعاء والمبالغة، ولتصف موقفه السياسي على أنه محاولة بائسة للفت الأنظار، أو ربما وسيلة لإنقاذ شعبية النجم المتهالكة في الآونة الأخيرة، بفعل عوامل سياسية وفنية. لكن إمينيم يجد نفسه أمام أكبر مما هو مجرد سخط عام يتشاركه متابعو الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يبدو واضحًا أن مفهوم "الرأي السياسي" يعاني اليوم من ضغوط ممنهجة، تدعو في كل فرصة سانحة إلى فصل مختلف جوانب الحياة عن السياسة، واعتبار هذه الأخيرة بنية مغلقة؛ عالم يوجد في حد ذاته، مستقلًا عن عوالم الفن والبيئة والصحة، ويقع في حيز "المجال الشائك"، أو "المصيدة"، التي ينصحك الجميع بالابتعاد عنها، خاصة مع نمو نزعة تعصبية جديدة في العالم، تثير مزيدًا من الشقاق الذي اعتادت السياسة أن تتسبب به أصلًا؛ إذ ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها فنان لشتى أنواع التشكيك والتقريع، تصل إلى حد الجلد، لإبدائه رأيه السياسي في قضية ما.

هكذا، يصبح حال ما يُمارسه الفنان بوصفه حقاً طبيعياً، لا بل واجبه أيضًا، في التعبير عن رأيه، عرضةً لـ "ثقافة الغضب" القادرة على إخراج أي تعليق أو موقف من سياقه، ثم الإفراط في تأويله، حتى يتحول إلى كارثة غير متوقعة. انتهت فورة الموسيقى السياسية التي بلغت أشدها في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، وتطرقت بجرأة عالية إلى الحروب والمجاعات والجماعات المهمشة، وحتى فيروس الإيدز، لتحل محلها موجة استضافة حفلات التبرع الخيرية والغناء في المناسبات السياسية الرسمية، وربما إلقاء تغريدة معتدلة على إحدى المنصات الإعلامية بوصفها فعلًا سياسيًا.

اليوم، "يركع" إمينيم لأسباب محقة ودوافع مجهولة، لا يبدو أنه من العدل الحكم عليها، ويختار فنانون غيره الصمت على أن يقدموا أنفسهم قرابين رخيصة في معركة "اللاتسييس" الجائرة، فيفضلون التركيز على التجارب الشخصية أو المشاركة على نطاق ضيق، أملًا أن تكون هذه المجالات كافية لإحداث تغيير على المستوى الشخصي، بدلًا من مجابهة القضايا الكبرى التي تتطلب موقفًا "ربحيًا"، يقتضي الاصطفاف الخطِر أو الصمت، الذي ربما يغدو مع كل يوم أخطر.

المساهمون