بعد "الحديدية" وكُنس يهودية... أول كنيسة للسريان الأرثوذكس في تاريخ تركيا

08 أكتوبر 2023
دشّن أردوغان كنيسة مار أفرام (الأناضول)
+ الخط -

دشّن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الأحد في إسطنبول، كنيسة للسريان الأرثوذكس، هي الأولى التي شيّدت في الجمهورية العلمانية ذات الغالبية المسلمة، والتي تأسّست في عام 1923، مرحّباً بالتعايش بين المجتمعات.

وقال الرئيس التركي أمام حشد من الشخصيات الدينية والرسمية: "نحن سعداء بالتعايش بين كل مجتمعات بلدنا"، في خضم العنف المستعر في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وأشار الرئيس التركي إلى "مشكلات كثيرة يشهدها العالم حالياً"، وشدّد على أن تركيا "بلد تعيش فيه مجتمعات عدة بسلام منذ قرون".

وبعد افتتاح كنيس يهودي "حانوكا" بمدينة كيليس عام 2021، وحفل ترميم ثالث أكبر كنيس بأوروبا في ولاية أدرنة التركية عام 2015، تلاه افتتاح الكنيسة الحديدية بإسطنبول، عام 2018، يأتي اليوم افتتاح كنيسة مار أفرام السريانية الأرثوذكسية بمنطقة "يشيل كوي" بإسطنبول، كأول كنيسة لهذه الطائفة بتاريخ الجمهورية التركية.

وبنيت الكنيسة بجانب المقبرة الكاثوليكية اللاتينية القديمة في منطقة يشيل كوي، التي يقطنها جل السريان الأرثوذكس، المقدر عددهم بإسطنبول بنحو 17 ألف مواطن، وتبلغ مساحة الكنيسة 700 متر مربع، فيما استوحي هيكل برج جرس الكنيسة من الأديرة السريانية الموجودة في ولاية ماردين جنوب شرقي تركيا.

وخُصّص أحد طوابق الكنيسة الخمسة قاعة ثقافية تجمع المصلين بعد القداس، وكذلك للاحتفالات التي ستُعقد في الكنيسة كطقوس المعمودية والتعازي وحفلات الزفاف، إلى جانب الاجتماعات والمؤتمرات، في حين تقام الطقوس الدينية في الطابق الأرضي الذي يحوي مكان إقامة المطرانية.

وتضاف مار أفرام اليوم إلى نحو 350 كنيسة بتركيا، لم تزل على قيد البناء واحتضان المصلين والزائرين، بعد التحولات التي تراجعت خلالها نسبة المسيحيين بتركيا، من 33 في المائة مطلع القرن العشرين، إلى نحو 300 ألف مسيحي اليوم.

فالأحداث التاريخية، وبعد الحرب العالمية الثانية، تحديداً، تقول إن الأتراك، هم أكثر من واجه التغيّر الديموغرافي الذي لحق بالمسيحيين، إن في آفسس التي تحوي آخر بيت سكنته مريم العذراء، وبات محجاً للمسيحيين حتى اليوم، أو إسطنبول التي شهدت مركز المسيحية الشرقية، أو حتى أنطاكية، التي تحظى بأهمية كبيرة لدى مسيحيي الشرق، كونها أحد الكراسي الرسولية، بالإضافة إلى روما والقسطنطينية والقدس وفيها أطلق على المسيحيين لقب مسيحيين أول مرة.

وأنتج الأتراك عن التهجير القسري الذي لحق بالمسلمين باليونان، قبل عملية التبادل، أفلاماً سينمائية ومسلسلات، لكنها حقبة تاريخية، مرت أو مررت بإرادة دولية عام 1955، تحوّل المسيحيون إثرها إلى أقلية بتركيا، كما المسلمين باليونان.

لكن دور عبادتهم بقيت، أو معظمها على الأقل، شاهدةً على تاريخ يوصف بالطويل والحافل، في الأناضول خاصة، والتي كانت جغرافيا للرسائل ومسقط رأس لقديسين عدة، أمثال بولس الطرسوسي، وتيموثي، والقديس نقولا، وبوليكاربوس.

ويقول التاريخ أن ما عزّز مركزية إسطنبول على نحو خاص، لتكون مركزاً للمسيحيين، ما قام به الإمبراطور قسطنطين عام 330 للميلاد، بنقل العاصمة من روما إلى القسطنطينية، والتي أصبحت مركز المسيحية الشرقية لتمتد على الأراضي التركية الحاليّة الإمبراطورية البيزنطية، لتلعب دوراً مهماً في تاريخ المسيحية، وتترك أثراً على الحضارة المسيحية الأرثوذكسية، إلى أن سقطت القسطنطينية على يد الدولة العثمانية في القرن الخامس عشر.

ويقول التاريخ أيضاً إن العثمانيين سمحوا للمسيحيين بأن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تحت حماية الدولة، وفقاً لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، لكن ظروفاً شتى وحروباً أخذ بعضها الطابع الروحي، أدت مجتمعةً إلى تقليل عدد المسيحيين، الذي توّج باتفاق التبادل بينهم وبين مسلمي اليونان خاصة، لتبقى جل المعالم ودور العبادة قائمة، رغم هجرة أصحابها.

ويقول القائم على الكنيسة الحديدية بإسطنبول، التي دشنها الرئيس أردوغان عام 2019 بالتشارك مع بلغاريا، يوسف زيتونة، لـ"العربي الجديد" إن تركيا تضمن حقوق وحريات كل مواطنيها.

ويعتبر زيتونة أن افتتاح كنيسة للسريان أمر مهم، ومن حقهم، لأن "جل الإخوة يقطنون منطقة يشيل كوي، ولا يوجد كنيسة للطائفة السريانية في إسطنبول عدا كنيسة تارلا باشي في منطقة بي أوغلو وسط إسطنبول".

وحول الكنيسة الحديدية (سانت ستيفان) يضيف زيتونة أنها خاصة بصلوات عيد الميلاد، وصلاة عيد الغطاس (الظهور الإلهي للثالوث المقدس)، وهو ذكرى عمادة المسيح على يد يوحنا المعمدان بنهر الأردن.

والكنيسة الحديدية اليوم هي دار عبادة تاريخية ومقصد للسياح والزائرين على مدار العام. رُمّمت على مدى سبع سنوات، وتحوي 500 طن من الحديد، وفيها قطع وآثار تاريخية، مع زخرفة القبب الثلاث، وجرسين من روسيا، أُحضر قبل مئتي سنة.

وتحدث "العربي الجديد" مع الخوري إبراهيم فرح المقيم بكندا، الذي اعتبر أن طائفة السريان الأرثوذكس "من أكثر الطوائف اضطهاداً وتهجيراً"، خاصة من منطقة الشام (الحسكة والقامشلي وعين العرب بسورية) ومعظمهم يقطن بالسويد اليوم.

ويضيف فرح أن تركيا، وخاصة خلال حكم الرئيس أردوغان، فتحت الباب للعبادات جميعها "لأغراض سياسية وتسامح ديني" معتبراً أن افتتاح الكنيسة اليوم، هو حق ومتأخر، ولا يمكن اعتباره إنجازاً، لأن الحي فيه أكثر من 17 ألف مسيحي وأبسط حقوقهم وجود كنيسة، إذ "لطالما يوجد شعب لا بد من دار للعبادة".

وفعلاً، من يراقب أداء تركيا، خلال السنوات الأخيرة، يلحظ إعادة فتح وترميم دور العبادة التي أغلقت أو تهدمت لأسباب متعددة، إذ تحرص تركيا، بحسب مراقبين، ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، على إعادة حقوق الأقليات الدينية، وترميم أماكن عبادتها.

وسبق للرئيس أردوغان أن قال، خلال مشاركته افتتاح الكنيسة الحديدية، إن "حرية العبادة ولأي دين، هي مسؤولية الدولة"، مؤكداً على ضرورة توفير دور عبادة ولجميع الأديان، حتى بالمطارات والملاعب التركية.

وأضاف أردوغان "أقول دائماً إنه يجب تخصيص مسجد للمسلمين في المطارات، إضافة لأماكن عبادة للمسافرين المسيحيين واليهود. ولا يهمنا إن كانوا سيؤدون العبادة أم لا، بل أنا أقتدي في هذا الشأن بالسلطان عبد الحميد (1842-1918)، فعلى سبيل المثال عندما تزورون دار العجزة تشاهدون المسجد وبجانبه مصلى كنسي صغير وكنيس يهودي، ما يعني أن السلطان عبد الحميد عندما أمر بإنشاء دار العجزة بمنطقة أوك ميداني بإسطنبول لم يهتم بالمسنين المسلمين فقط، وإنما اهتم أيضاً بمسني الأديان الأخرى الذين يقصدون المكان". 

وفي ما يلي أشهر الكنائس القائمة حتى اليوم في تركيا، عدا الكنيسة الحديدية وكنيسة مار أفرام التي افتتحت اليوم: 

  • كنيسة سانت نيكولاس، تأسست في الوقت الذي توفي فيه القديس نيكولاس، المعروف ببابا نويل، وتقع في مدينة أنطاليا.
  • كنيسة وبئر القديس بولس التي تقع في طرسوس في محافظة مرسين، وقد بنيت في القرن الثاني عشر الميلادي، وهي مسقط رأس القديس بولس، واحد من 12 من رسل يسوع.
  • مدينة أفسس التي كانت مركزاً للمسيحية غرب الأناضول، ومن أهم معالم المدينة معبدها الرئيسي الذي أقيم على ضريح متهدم، ومجمع أفسس الذي يعد واحداً من سبع كنائس ذُكرت في سفر الرؤيا.
  • كنيسة مريم العذراء، تقع قرب قمة جبل بلبل، بالقرب من بلدة سلجوق في محافظة أزمير، ويعتقد أنها المكان الذي قضت فيه مريم العذراء السنوات الأخيرة من حياتها قبل وفاتها.
  • كنيسة القديس يوحنا، تقع في كاتدرائية ضخمة في المدينة القديمة أفسس، ولها ست قبب، وقد بُنيت في القرن السادس. 
  • كنيسة سانت بيتر أو القديس بطرس، تقع في سفوح جبل الحج في ولاية هاتاي، وفيها كهف يقال إنه المكان الذي ألقى فيه القديس بطرس أول خطبة له.
  • كنيسة سانت جورج، وهي كاتدرائية رئيسية للروم الأرثوذكس، وكانت مقراً للبطريركية في القسطنطينية، تقع في الشمال الغربي من وسط مدينة القسطنطينية التاريخية القديمة.
  • كنيسة سانت أنطونيو، تقع الكنيسة في شارع الاستقلال، بمنطقة بي أوغلو في إسطنبول، وتُعد من أكبر كنائس الكاثوليك في المدينة.

هذا وحُوّلت كنائس عدة في تركيا إلى متاحف، مثل كنيسة تشورا الشهيرة بحي الفاتح بإسطنبول، أو تحول بعضها إلى جوامع، وأشهرها آيا صوفيا التي بنيت في عهد الإمبراطور جستنيان عام 532م، وأستغرق بناؤها حوالي خمس سنوات، وافتتحت رسمياً عام 537م، واستمر مبنى آيا صوفيا على مدار 916 عاماً كاتدرائية، ولمدة 481 عاماً مسجداً، ومنذ عام 1935 أصبح متحفاً، وهو من أهم التحف المعمارية في تاريخ الشرق الأوسط، قبل أن تعاد منتصف عام 2020 إلى جامع.

المساهمون