أنْ تكون أفلامٌ عربية مرآة صادقة لواقع

23 اغسطس 2024
"إن شاء الله ولد": امرأة تكافح من أجل حقّ تستحقّه من دون كفاح (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مهرجان طرابلس للأفلام**: الدورة الـ11 ستعرض خمسة أفلام عربية من أصل عشرة، مما يعكس توازناً جغرافياً وإنتاجاً سينمائياً عربياً يستحق المشاهدة رغم التحديات المالية والانهيار الداخلي في لبنان.

- **أفلام مميزة**: "إن شاء الله ولد" و"وداعاً جوليا" يقدمان جماليات سينمائية ممتعة وتفاصيل تستدعي النقاش، مع حضور طاغٍ للمرأة في سياق اجتماعي معقد، مما يعكس نضالها في مجتمعات ذكورية.

- **الواقع والموروث**: الفيلمان يعكسان واقعاً يومياً مليئاً بالعنف المبطّن والسلطة الذكورية، مما يستدعي نقاشاً أوسع حول العلاقات والموروثات في البيئتين المصورتين.

خمسة أفلام عربية من أصل عشرة، ستُعرض في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، في الدورة الـ11 (19 ـ 25 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" (شماليّ لبنان). أيكون هذا توازناً جغرافياً، أمْ أنّ السينما العربية تُنتج ما يستحقّ الاختيار والمشاهدة؟ إنْ يكن هناك توازنٌ بين المسألتين، فهذه إضافة إلى مهرجان، يواجِه تحدّيات شتّى (لعلّ أبرزها التمويل)، كمهرجانات لبنانية أخرى، في ظلّ انهيار داخلي (متنوّع الجوانب) يزداد قسوة، ودمار في المحيط (حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة) يُنذر بحربٍ أوسع وأعنف.

فيلمان اثنان عربيان مُشاهَدان قبل بدء الدورة الجديدة: "إن شاء الله ولد" للأردني أمجد الرشيد، و"وداعاً جوليا" للسوداني محمد كردفاني. منذ عروضٍ دولية (أولى وثانية وغيرهما) في العام الفائت (2023، تاريخ إنتاجهما)، يستمرّ نقاشٌ إيجابيّ عنهما، والمُشاهدة، وإنْ تتأخّر، تقول إنّ فيهما تفاصيل كثيرة تستدعي النقاش، وجمالياتهما السينمائية ممتعةٌ رغم كلّ الخراب المنبثق من أهوال فردٍ في بيئة مُعادية له. أمّا كونهما "أول فيلم" للمُخرِجَين، فلن يحول دون إنجازٍ متين الصُّنعة السينمائية، نصّاً ومعالجة وإخراجاً وتصويراً وتمثيلاً، مع ما يحتمله "أول فيلم" من هناتٍ، يُمكن التغاضي عنها، مع أنّ التغاضي خطأ، لكنّ ما فيهما من جماليات كافٍ لتغاضٍ كهذا.

 

 

مشتركٌ آخر بينهما، يتمثّل بحضور طاغٍ للمرأة، أمّاً وزوجةً، وامرأة أساساً. وهذا غير مرتبطٍ بنسويةِ نضالٍ وتفكير، بل بوقائع عيش وانفعالات وعلاقات، في مجتمَعَين عربيّين، يعانيان أهوالاً في الاجتماع والحبّ والجسد، وفي ذكورية وحربٍ طائفية وتفاوتٍ طبقي، فيه شيءٌ من عنصرية وتَعَالٍ. مع أنّ المرأة فيهما مكافحةٌ فعلياً من أجل حقوقٍ لها، يُفترض بها (الحقوق) أنْ تكون لها أساساً، من دون كفاح. لكنّ المجتمع قاهِرٌ، والحرب حاقدةٌ، وفعل التحدّي، الذي تمارسه المرأة، واقعٌ.

هذا غير لاغٍ حضور الرجل أيضاً، فحضوره طاغٍ بدوره، مباشرةً (إنْ شاء الله ولد) أو مواربةً مع بعض ظهور وتأثير (وداعاً جوليا). لكنّ الفيلمين يبتعدان عن إدانةٍ وأحكامٍ، فالواقع والراهن واليومي والمُعاش كافية كلّها، إنْ تُصوَّر بواقعية وشفافية ومن دون مبالغات، لإدانةٍ وأحكامٍ. عنفه المبطّن، وسطوته الواضحة، واعتماده موروثاتٍ تتلاءم ومكانته السلطوية، مسائل حاضرةٌ في واقع، ينقل أمجد الرشيد بعضاً منها. تواريه خلف واجهة المشهد غير مانعٍ حضور تأثيراته، وغالبيتها سلبية، في حياة المرأة ومشاعرها ورغباتها وموقعها، وهذا ينقله محمد كردفاني بسلاسة وعمق، ومن دون تصنّع وخطابية.

فيلمان يقولان أشياء كثيرة عن بيئتين ومجتمعين، وعن أناسٍ وعلاقات، وعن موروثٍ وحربٍ غير ظاهرة (فعلٌ مباشر وآخر يُمارسه الرجل ضد المرأة). هذا يقول إنّ كلّ فيلمٍ منهما يستحقّ نقاشاً أوسع.

المساهمون