أقنعة التجميل... وجوه مأخوذة بتكنولوجيا الضوء

31 اغسطس 2024
أقنعة التجميل بتقنية الضوء تعمل بسطحية ومخاطرها منخفضة (Getty)
+ الخط -

مع تزايد تأثير التكنولوجيا على حياتنا اليومية، أضحت أقنعة التجميل بتقنية الضوء (LED) من الأدوات البارزة التي تجمع بين التقنية الحديثة وتطلعات المستخدمين. هذه الأقنعة التي لاقت رواجاً واسعاً بين المشاهير، مثل فيكتوريا بيكهام ومارغو روبي، تُباع بأسعار مرتفعة تصل إلى مئات الجنيهات، ما يثير تساؤلات حول جدواها الحقيقية: هل تستحق هذه التقنية الاستثمار فيها؟ وهل تقدم الفوائد المزعومة التي تروج لها الشركات المصنعة؟

يفاقم تقرير نشرته صحيفة ذا تايمز البريطانية في 26 أغسطس/آب الحالي المخاوف بشأن فعالية أقنعة التجميل بتقنية الضوء، مركّزاً على دراسة جديدة أجرتها إمبريال كوليدج لندن، تشكّك في نتائجها المزعومة. تشير الدراسة إلى أن الضوء الناتج عن هذه الأقنعة يصل فقط إلى الطبقة الخارجية من الجلد، بينما التغير الحقيقي يحدث في عمق الجلد. ويرى العلماء أن العلاج بالليزر منخفض المستوى (LLLT) هو التقنية الوحيدة القادرة على إحداث تغييرات جوهرية في الجلد، بفضل قدرته على اختراق الطبقات العميقة بعمق يصل إلى 12 سم. تطرح هذه الدراسة تساؤلات مهمة عن الفوائد الفعلية لأقنعة التجميل بتقنية الضوء، مقارنة بالتقنيات الأخرى، وكذلك عن معايير السلامة التي تخضع لها، قبل وصولها إلى المستهلكين الذين يجب أن يدركوا حدودها ويوازنوا بين فوائدها وتكلفتها العالية قبل اتخاذ القرار بالاستثمار فيها.

يجيب أمين المجلس المشترك لممارسي التجميل في المملكة المتحدة (JCCP) أندرو رانكين على استفسارات "العربي الجديد" حول هذه القضية. يوضح أن أقنعة التجميل بتقنية الضوء تعمل بسطحية ومخاطرها منخفضة. بيد أنّه يشدّد على أهمية إبلاغ المستخدم النهائي بجميع الفوائد والمخاطر المحتملة، مع الحفاظ على توقّعات واقعية: "يجب على جميع المسجلين في JCCP، بما في ذلك الذين يستخدمون أجهزة التجميل بتقنية الضوء مع عملائهم، توفير هذه المعلومات باعتبارها جزءاً من عملية الموافقة. كما يتعين عليهم شراء المنتجات من موردين موثوقين لضمان توافق الأجهزة مع اللوائح البريطانية". ويؤكد أن المسجلين يجب أن يكونوا مؤهلين في الإجراءات التي يقدمونها ويعملون وفق معايير JCCP، مع الالتزام بمتطلبات هيئة معايير ممارسات التجميل في ما يتعلق بالليزر والعلاجات الضوئية. ويعرب رانكين عن قلق المجلس من الإعلانات الكاذبة والمضللة، مشيراً إلى جهودهم في التنسيق مع وكالة معايير الإعلان لمواجهة هذه المشكلة، خاصة عندما تستهدف الفئات الضعيفة مثل الشباب.

بدورها، تقول استشارية الأمراض الجلدية في لندن إيما ويدغورث، في حديثها إلى "العربي الجديد": "شخصياً، لا أعتقد أن أقنعة التجميل بتقنية الضوء تحدث فرقاً كبيراً في تقليل علامات الشيخوخة. حتى عند استخدامها في العيادات، فإن تأثيرها يكون محدوداً. أما الأجهزة المنزلية فهي أقل فعالية بكثير، نظراً إلى اختلاف قوة الإضاءة وطريقة الاستخدام. وبينما قد يكون للاستخدام المنتظم لجهاز عالي الجودة بعض الفوائد، إلا أنني أرى أن استثمار الوقت والمال في هذه الأقنعة لن يحدث تغييرات كبيرة في البشرة. قد تكون العلاجات بالليزر في العيادات فعالة جداً، لكن يبقى تأثير الأجهزة المنزلية غير مؤكد". تضيف ويدغورث: "من الضروري أن نتذكر أن الدراسة التي قيّمت هذه الأجهزة استندت إلى استخدامها مدة قصيرة لا تتجاوز خمسة أيام، وركّزت على التعبير الجيني بدلاً من التحسينات المرئية في الجلد. وهذا يدعم وجهة نظري بأن فائدة أقنعة التجميل بتقنية الضوء محدودة مقارنة بالعلاج بالليزر الذي يخترق الجلد بعمق أكبر. ومع ذلك، يصعب تحديد مدى تأثير نتائج هذه الدراسة على سوق الجمال، خصوصاً أن الكثير من الاتجاهات الحالية في العناية بالبشرة يعتمد أكثر على تأييد المشاهير والمؤثرين أكثر من اعتمادها على أدلة علمية".

وعندما سُئلت عن أفضل تقنية لتقليل علامات الشيخوخة، أجابت ويدغورث: "في الواقع، لا توجد كريمات سحرية أو أجهزة معجزة. الأمر يتطلب مزيجاً من الوقاية والتدخل المستهدف. الوقاية تشمل حماية البشرة من الأضرار البيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية، وتجنّب الأطعمة المصنّعة والامتناع عن التدخين والكحول. أما العلاجات، فتشمل استخدام روتين للعناية بالبشرة مبني على أدلة علمية، مثل واقي الشمس ومضادات الأكسدة والريتينويدات. بعدها تأتي التدخلات الموجّهة لتحقيق النتائج المرجوة، مثل حقن البوتوكس لتقليص التجاعيد وحشو الجلد لتعويض فقدان الحجم والليزر لعلاج التصبغات".

تجدر الإشارة إلى أنّ أقنعة التجميل بتقنية الضوء ظهرت لأول مرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بديلاً آمناً وقابلاً للتطبيق تجارياً للعلاج بالليزر منخفض المستوى الذي استُخدم أول مرة في المستشفيات في الستينيات لعلاج الغضاريف المتدهورة والأوتار الممزقة. وفي منتصف الستينيات، اكتشف الطبيب المجري إندري ميستر بالصدفة قدرة الضوء الأحمر على تحفيز تجديد الأنسجة، وذلك أثناء تجاربه باستخدام ليزر منخفض الطاقة على جلد الفئران. كانت ملاحظاته بداية لعصر جديد من العلاج بالضوء الذي امتد اليوم ليشمل سوقاً مزدهرةً من الأجهزة التي تستخدم الثنائيات الباعثة للضوء (LED)، من أقنعة الوجه إلى الأجهزة المحمولة، التي تعد بتحقيق فوائد متعددة مثل مكافحة الشيخوخة وتجديد البشرة وتسريع شفاء الجروح.

على مدار العقود الماضية، حقق البحث والتطوير في هذا المجال تقدمًا ملحوظًا. اليوم، يعرف هذا العلاج باسم "التعديل الحيوي الضوئي" (PBM)، الذي يعتمد على استخدام الضوء المنخفض ضمن الطيف المرئي لتحفيز العمليات الفسيولوجية الطبيعية. يُستخدم الضوء الأزرق لعلاج حب الشباب عن طريق تقليل الالتهابات، بينما يمكن للضوء الأحمر والأشعة تحت الحمراء اختراق الجلد والوصول إلى خلايا أعمق لتحفيز سلسلة من التفاعلات الحيوية في الميتوكوندريا، ما يعزز إنتاج الطاقة وتدفق الدم الصحي. مع التقدم المستمر في الأبحاث والتطوير، يبدو أن صناعة التجميل ستستمر في استكشاف إمكانيات جديدة لتكنولوجيا الضوء.

وفقاً لتقديرات منصة "ستاتيستا"، من المتوقع أن تنمو سوق تكنولوجيا التجميل لمنتجات مستحضرات التجميل في المملكة المتحدة بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 16.7% بين عامي 2021 و2026. وفي سياق أوسع، من المتوقع أن تصل قيمة صناعة التجميل العالمية إلى 445.98 مليار دولار بحلول عام 2030.

هذا النمو الملحوظ سيعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي ستلعب دوراً محورياً في تبسيط البحث والتطوير وتحسين التركيبات وتعزيز الممارسات المستدامة. على سبيل المثال، تعتمد بعض التطبيقات والمواقع الإلكترونية على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور البشرة التي يلتقطها المستخدمون، إذ يفحص الذكاء الاصطناعي مستويات الرطوبة ووجود التجاعيد والبقع الداكنة والمسام الواسعة، ثمّ يقدم توصيات مخصصة للعناية بالبشرة بناءً على النتائج.

يبقى السؤال حول الجدوى الفعلية وحجم الفوائد التي تقدمها أجهزة التكنولوجيا. ومع وجود دراسات تشكك في مدى فعالية العديد منها، تبرز الحاجة إلى توعية المستهلكين بمحدودية تأثيرها مقارنة بالتوقعات التي تروج لها الشركات. وينبغي أن يستند المستهلكون في قراراتهم إلى المعلومات الموثوقة والأدلة العلمية، وليس فقط على الإعلانات أو تشبّهًا بالمشاهير.

المساهمون