أغاني سواحل الخليج... إيقاعات القلوب والطبول

الدوحة

محمد هديب

محمد هديب
محمد هديب
كاتب وصحافي أردني
09 ديسمبر 2022
+ الخط -

على الواجهة البحرية للحي الثقافي كتارا في الدوحة، لا تنقطع عند المساءات أصوات الغناء البحري الجماعي. فهذه المناسبة في أيام مهرجان المحامل الثاني عشر تحتفي بفنون رافقت تراث العمل على السفن كما على السواحل، وعبر قرون استطاعت ترسيخ هُويّتها.

بين زحمة الآلاف من الزوار العرب والأجانب، يعلن المنادي عبر الميكروفون عن اقتراب موعد "دشّة البحر"، فيتوافد الناس إلى الشاطئ الذي يسمى في الخليج "السِيف"، ليعاينوا مشهداً تنزل فيه السفينة إلى البحر، كما كانت في الزمن القديم لتحمّل بالبضائع.

وداع واستقبال

أمامنا على أسطوانات خشبية سفينة من نوع "البدن"، ويستعد النوخذة (الربّان) لركوبها مع رجاله، بينما يمسك 15 شخصاً بالسفينة من ثلاث جهات لدفعها إلى البحر، وما إن تستقر على الماء، حتى يبدأ الغناء الوداعي مشتملاً على التمنيات بالعودة سالمين غانمين بالرزق.
تبحر السفينة بضع مئات من الأمتار في عمق الماء، رافعة العلم القطري، تواكبها قوارب "الشاشة" الصغيرة، ثم تعود والغناء يزيد حماسة المستقبلين، مع القِربة وإيقاعات طبلي الرحماني والكاسر.
يخبرنا مشعل العلوي، نائب رئيس فرقة الأجيال العمانية التي تأسست عام 1984، أن القربة حديثة على فرق الغناء التراثي. أما الآلات التقليدية، فسيّدتها الإيقاعية المسِندو الضخم إلى الأوسط الرحماني والأصغر الكاسر. ويتميز المسِندو بشكله الأسطواني الواقف عمودياً، بينما الجلد الذي يضرب عليه بالكفّين من جهة واحدة في الأعلى عكس الاثنين الآخرين مزدوجي الجلد.

طبول وصِرناي

إذا استبعدنا القِربة، سنجد بديلها من عهود طويلة المزمار الذي يسمى "الصِرناي". ومع طبل المسِندو، سيكونان معاً نموذجيين لمرافقة فن الليوا، الرقصة ومعها الطبل والصِرناي ذات أصل أفريقي.
وأقدم من الصِرناي هناك آلة نفخية، لا تعرف أنها مخصصة للموسيقى، فهي صدَفة بحرية، إلا أنها ستصبح كذلك حين تُثقب من أحد جوانبها، وهي أصيلة في سلطنة عمان منذ آلاف السنين، وسيصبح اسمها "الجِمّ".
وبالطبع، فإن مهرجان المحامل يضم تشكيلة من الفنون الغنائية والأداء التمثيلي لمشاهد من مجتمعات بحر ذات خصوصيات مختلفة، تجتمع هنا لتقديم لوحة مشتركة لما يعتبره المشاركون التمثيل الأفضل لبلادهم.

أبو الزلف

أغلب ما تؤديه فرقة الأجيال ينتمي إلى فن أبو الزلف المعروف في المنطقة الشرقية الساحلية وجبالها. يقول العلوي إنه فن عماني صِرف، وأصله نسائي يغنى في الأعراس وأعياد الميلاد، لافتاً إلى أن سلطنة عمان تتوافر على فنون نسائية أكثر من باقي مناطق الخليج.
ويضيف أن مرور الأيام أوصل فن أبو الزلف إلى تشكيل رجالي ونسائي في صفّين، مع وجود شاعر يلقي شعره في المدح والغزل ويغنيه المرددون في نفس اللحظة.


وإضافة إلى ذلك، يتحدث العلوي عن إيقاعات لا تخطئ الأذن عمانيتها مثل البَرعة المدرجة على لائحة التراث الثقافي غير المادي بمنظمة يونسكو، والربوبة، اللتين تنتسبان لمحافظة ظفار وبعض المناطق المجاورة، والرزحة التي تشبه العرضة أو الرزيف المشهورة في الخليج، لكنها هنا في السلطنة تتفرد بإضافة المطارحات الشعرية.

أهازيج

أثناء حديثنا، مر بضعة شباب من دون آلات إيقاعية، يؤدون مشهداً تمثيلياً كأنهم ذاهبون إلى الصيد، والجُمل التي يرددونها أهازيج لرفع الهمة، وتتكون من الدعاء والصلاة على النبي، ومنها "هو يا الله، يا كريم، موادعين مسافرين بحفظ الله".
وهذه الجُمل الموقّعة الرابطة مصير السفر والرزق بالإيمان، موجودة في كل البحار التي تحيط شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، حتى أنه لا يبدو غريباً بلوغها بعض مناطق جنوب أوروبا. فما زالت عبارة "مدد يا مولانا" يرددها صيادو التونة في صقلية لبذل جهد أكبر لرفع الشباك من البحر.
غير أن الغناء للتغلب على وهن أرواح وأبدان البحارة مفتوح على تعبيرات كثيرة، نسمع منها "اسحب حبالك يا بحري (الباء ساكنة والحاء مفتوحة) الزين طالب بنجَري". والبحري، أي البحّار، عليه أن يسحب بقوة حبال السفينة لأن الزين (المرأة الجميلة) تطلب "بنجري" وهو السوار الذي تنتظره هديةً لها، بعد جلب الرزق وبيعه.

فرقة دارين

توفر المشاركة العمانية لجهة فنون البحر الحصة الكبرى من الفعاليات، عبر فرقة الأجيال، تليها فرقة دارين التي تنتسب إلى جزيرة صغيرة بالاسم نفسه تابعة لمحافظة القطيف السعودية على ساحل الخليج العربي.
تؤدي الفرقة، بحسب مسؤول الجناح السعودي خليفة راشد العميري، الغناء الشعبي وفن رقصة العرضة، ونتحدث هنا عن العرضة السيفية التي تختص بها المنطقة الشرقية. ومن اسمها فإنها تشير مباشرة إلى "السِيف" أي الساحل الذي سيمنحنا أيضاً فن الفجري (أو الفجيري) ويضفي على هذه المنطقة خصوصية فنية تختلف عن مناطق الداخل في نجد، وتتشابه مع مناطق خليجية تشاركها نفس الساحل.
ومن هذه الفنون المشهورة الخماري والسامري، وهما من إيقاعات تسمى "اللعبونيات"، نسبة إلى الشاعر محمد بن لعبون الذي ولد في مطلع القرن التاسع عشر في نج، واشتهر بشعر الغزل وابتداعه هذا الفن المنتشر في بلاد أخرى أهمها البحرين والكويت حيث توفي.
كانت فرقة دارين في أثناء لقائنا تغني من فن "الحضرة" بصحبة الصرناي والطبول بمختلف أحجامها، ولكن سبق أن أدت فنوناً أخرى على شاطئ كتارا مثل أهازيج "الخطفة" التي ترافق رفع شراع السفينة، والليوا ودزّة المعرس، والأخيرة تشبه زفة العريس في بلاد عربية مختلفة، حيث يذهب الموكب مشياً إلى بيت العروس يردد الأهازيج.

فرقة دارين السعودية، كما فرقة الأجيال العمانية، لم توجدا من الصفر بل ورثتا فنون الأجداد، وهم كانوا من قبل أصحاب مهن وحرف يؤدون الغناء ضمن عملهم، فيرحل جيل مورثاً جيلاً بعده. ومن ذلك -كما يضيف العميري- عائلات كانت تمارس هذه الفنون البحرية على هامش عملها مثل "دار القلاليف"، أي عائلة نجاري السفن الذين يشتغلون ويغنون، وهؤلاء رحلوا بعد عقود طويلة من انقراض حرفتهم. ولأن البيئة الحاضنة لهذه الفنون قبل النفط تعرضت لتحولات كبرى، أصبحت الفرق مسؤولية مؤسسات الثقافة والفنون، وعليه يشير العميري إلى جهود بلاده في تقنين أوضاع الفرق وإعطائها صفة رسمية.

ذات صلة

الصورة
الجزائرية سارهودا ستيتي أكبر الحجاج سنا، 10 يونيو (إكس)

مجتمع

وصلت إلى السعودية، الثلاثاء، الجزائرية صرهودة ستيتي، التي تعد أكبر الحجاج سنّاً في هذا العام، بعمر 130 عاماً. وحظيت باستقبال حافل لدى وصولها على كرسي متحرك.
الصورة
آلاف الحجاج يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الحرام حول الكعبة، 7 يونيو 2024(عصام الريماوي/ الأناضول)

مجتمع

 يتدفّق الحجّاج المسلمون على مكة المكرمة قبل بدء موسم الحج في وقت لاحق من هذا الأسبوع، مع عودة المناسك السنوية إلى حجمها الضخم.
الصورة
بلينكن يلتقي بن سلمان في الرياض

سياسة

قال أنتوني بلينكن، إنه لا يعلم موقف إسرائيل من خطة التطبيع مع السعودية التي تتضمن خريطة طريق لإنشاء دولة فلسطينية، بالإضافة إلى الهدوء في قطاع غزة.
الصورة
الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والدكتور عزمي بشارة يشاركان بحفل التخريج (العربي الجديد)

مجتمع

احتفل معهد الدوحة للدراسات العليا بتخريج الفوج الثامن من طلبة الماجستير بحضور رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
المساهمون