"مهرجان السينما الأوروبية": عودة مُنتظرة تطرح تساؤلات نقدية

31 أكتوبر 2022
ماريون كوتيار وليوس كراكس وآدم درايفر: تقديم "آنيت" (ستيفان كاردينالي/كوربيس/Getty)
+ الخط -

 

لـ"مهرجان السينما الأوروبية" في بيروت تاريخٌ وذاكرة. أعوامٌ/دورات عدّة ـ تُقام في جونية (20 كلم شمالي بيروت)، أولاً، لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى الأشرفية (العاصمة اللبنانية) ـ تُشكِّل سيرة بلدٍ وثقافة وانشغالات واجتماع، وتروي حكايات أناسٍ يسعون إلى السينما، ويتابعون أفلامها واشتغالاتها وتساؤلاتها وجمالياتها. تُرافق بشرى شاهين، المسؤولة الإعلامية السابقة في "الاتحاد الأوروبي"، مساراً طويلاً للمهرجان، قبل مغادرتها إياه منذ أعوام قليلة. كتابة سيرة المهرجان تبقى ناقصةً من دون كتابة سيرة بشرى شاهين معه وله. هذه حكايةٌ يتمنّى البعض أنْ تُروى وتوثَّق، كتابةً أو تصويراً.

بين 4 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، يستعيد المهرجان حضوره اللبناني، في دورته الـ27. أعوامٌ قليلة يغيب فيها، والأسباب معروفة: بدء الانهيار الاقتصادي ـ الاجتماعي عشية "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019)؛ تفشي كورونا (إعلان أول إصابة في لبنان بهذا الوباء حاصلٌ في 21 فبراير/شباط 2020)؛ التفجير المزدوج لمرفأ بيروت (4 أغسطس/آب 2020). تنظيم دورة جديدة يترافق ومحاولات مختلفة لاستعادة نبض المدينة سينمائياً، عبر مهرجانات وعروض أفلامٍ غير تجارية ـ استهلاكية. هذا مطلوب وضروري، وإنْ تكن هناك قناعة بعدم تمكّن نشاطات سينمائية (وغير سينمائية) من استعادة المدينة حياتها كمدينة "طبيعية".

هذا سؤال أساسي، لن يحول طرحه دون اهتمامٍ بنشاطات سينمائية تشهدها المدينة، وأخرى تُقام في مدنٍ وبلدات لبنانية مختلفة. الأولوية - في لحظةِ انهيار وعفن وفساد وترهيب وقتل متنوّع الأساليب، يصنعها نظامٌ حاكمٌ ضد بلد وشعبٍ - تكمن في إيجاد مُتنفّس، تكون السينما أداة بارزة له. "مهرجان السينما الأوروبية" صانع مشهدٍ سينمائي لبناني، مفتوح على ثقافات وسينمات وأساليب قول ومعاينة واشتغال. قبل الأعوام الـ3 القاسية، يُثبِتُ المهرجان قدرته على تواصلٍ فعّال بين مهتمّين/مهتمّات وصناعات سينمائية في دول أوروبية، يندر - وأحياناً يستحيل - مشاهدتها في صالاتٍ تجارية لبنانية. هذا غير عابر. هذا جزءٌ من وعي معرفي، يريده كثيرون/كثيرات، ويتوقون إليه. المهرجان الأوروبي يمنحهم هذا، كما تمنحهم إياه مهرجانات ونشاطات واحتفالات سينمائية أخرى.

هناك من يُصرّ على التذكير، بين حينٍ وآخر، بأهمية المهرجان الأوروبي في منحه مُتنفّساً، معرفياً وتأمّلياً وبصرياً، وترفيهياً أيضاً، من دون تناسي مهرجانات سينمائية أخرى، كـ"أيام بيروت السينمائية" و"شاشات الواقع" و"كرامة بيروت، مهرجان أفلام حقوق الإنسان". خارج العاصمة اللبنانية، هناك "مهرجان طرابلس للأفلام" (شمالي لبنان)، الذي يُحاول تثبيت مكانة مطلوبة للسينما، في مدينة تمتلك تاريخاً وذاكرة ثقافيين وسينمائيين، غير موجُودَين نهائياً الآن، بسبب حروبٍ ونزاعات وإهمالٍ وعدم اكتراث رسمي وغير رسمي بالمدينة وضواحيها، وبناسهما. أيام سينمائية متفرّقة، تُقام في مدن وبلدات ريفية خارج بيروت، أبرزها "مهرجان ريف ـ أيام بيئية وسينمائية" في قضاء عكار (شمالي لبنان أيضاً).

 

 

هذا كلّه يحتاج إلى قراءة نقدية، تبدأ بمدى تمكّن السينما من التواصل المعرفي والانفعالي مع الناس، وتبلغ جوانب متفرّقة، كالاجتماع والاقتصاد، وككيفية صُنع المهرجان، وتمويله وبرمجته واستمراريته وتأثيراته. "مهرجان السينما الأوروبية" تُنظّمه "بعثة الاتحاد الأوروبي"، بالشراكة مع "سينما متروبوليس" وسفارات الدول الأوروبية الأعضاء في البعثة. البرنامج المُفصَّل لدورته الـ27 غير مُعلن رسمياً بعد، لكنّ لائحة بالأفلام المختارة وأماكن عرضها (والأمكنة محتاجةٌ، بدورها، إلى نقاشٍ نقدي) تشي، كالعادة، باختيار بعض ما تسبقه كتابات وتعليقات نقدية أيجابية، ذات مصداقية. أبرزها فيلم الافتتاح، "آنيت"، للفرنسي لِيُوس كَرَاكْس، المعروض في افتتاح الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي، والمُشارك في مسابقتها الرسمية، والفائز بـ5 جوائز "سيزار"، المُعادل الفرنسي لـ"أوسكار" هوليوود، منها أفضل إخراج.

مناقشة أمكنة العروض الخاصة بمهرجانات ونشاطات واحتفالات سينمائية، تُقام في بيروت، منبثقة من انعدام وجود صالة سينمائية واحدة، تنشغل بأفلامٍ غير تجارية وغير استهلاكية، كـ"صالة سينما متروبوليس" في "أمبير صوفيل" (الأشرفية) سابقاً. الصالات السينمائية، المؤهّلة لعروضٍ تجارية ـ استهلاكية، وفيرةٌ في المدينة، وبعض ضواحيها. غير أنّ غالبيتها الساحقة موجودة في مجمّعات تجارية، لعلّها تساهم في تنشيط الصالات، لكنّها تتناقض، بقوّة، مع المفهوم الثقافي لمهرجان غير تجاري. المأزق أنْ لا مفرّ من التعاون مع صالاتٍ كهذه. البديل متمثّل بقاعات مسرح وندوات ولقاءات أدبية، لا تجهيزات سينمائية فيها، فمشكلتها الأساسية كامنةٌ في حاجتها الماسّة إلى تأهيل جذري، يتوافق مع شروط عروض مسرحية سوية، قبل أنْ يُتاح لها أنْ تكون متلائمة والعروض السينمائية.

مآزق عدّة تواجهها مهرجانات سينمائية، تجهد - رغم كلّ شيء - في استمرارية عملها، في بلدٍ معطَّل، واجتماع معطوبٍ، واقتصادٍ منهار، وثقافة مهترئة، وإعلام/صحافة خاضع لاصطفافات سياسية وطائفية ومالية.

المساهمون