"من الآخر": اختزال حكاية بيروت

12 أكتوبر 2020
كان ضرورياً إثراء الأحداث في المسلسل بمزيدٍ من التفاعل في الأداء والمواقف (يوتيوب)
+ الخط -

قد يختلف مسلسل "من الآخر" (نص أياد أبو الشامات وإخراج شارل شلالا) عما هو سائد من الأعمال الدرامية التي تُعرَض بعد اجتياح كورونا في الشتاء الماضي، وتوقف التصوير وتأجيل العرض من موسم رمضان إلى الآن.

محاولة أخرى من الممثل إياد أبو الشامات المقيم في باريس، لاستخراج حكايات من واقع يوميات لبنان. إذْ لطالما كان الكاتب مشدوداً إلى الحالة اللبنانية عموماً، ويوميات ما بعد انتفاضة 17 تشرين 2019. يختزلُ أبو الشامات في ذاكرته عشرات الحكايات التي يحاول نقلها إلى مساحة الدراما، أو مجاراة "موضة" ما يُعرف بالمسلسلات المشتركة، التي تجمع في سياق درامي قابل للتبرير بين ممثلين من لبنان وسورية.

يطرح مسلسل "من الآخر" قصة "ياسمين" (ريتا حايك) التي تكتشف خيانة زوجها "ورد" (معتصم النهار) في أثناء زيارتها له في دبي. وتعود إلى بيروت للعمل على إجراءات الطلاق، فيما يتعرض طفلهما لحادث عرضي يدخله في غيبوبة. لكن "ياسمين" تقع في فخّ تكليف المحامية "تارا ماضي" (سينتيا صاموئيل)، وهي عشيقة زوجها، التي دفعت الزوجة إلى طلب الطلاق. يحمل هذا التصور الدرامي لعبة الصدفة التي تسيطر على الأحداث، وذلك أمام تعنت الزوج بداية برفض منح زوجته الحرية وطلاقها، إلى اتهامه لها بالخيانة مع الطبيب المشرف على صحة ولدهما "فادي" (بديع أبو شقرا). 

اللافت في مجريات الأحداث، طرح الكاتب أبو الشامات لمرحلة ما بعد انتفاضة 17 تشرين. هذه المهمة بدت مُستحبة بالنسبة إلى المشاهد اللبناني الذي أعاد في بعض المشاهد عبارات انتشرت في بداية الثورة، كالهتافات وإقفال الطرقات والشوارع والاضطرابات. هذا المرور الخجول على الانتفاضة الشعبيّة، كاد يبني رؤية جديدة قريبة من المشهديّة الواقعية التي لا تزال تحاصر لبنان حتى الساعة. لكن حسابات المنتج صادق الصبّاح استطاعت أن تحدّ من المشهد الواقعي في "من الآخر" بناءً على موقف حيادي، إذ لا تريد شركة الإنتاج الدخول ضمن متاهات المحسوبيات السياسية في لبنان.

في الأداء، يلاحظ أن فريق الممثلين بدا متجانساً جداً، لكن ذلك لم يوفر المخرج شارل شلالا من الوقوع في فخ "البرودة" الواضحة في بعض المواقف التي تحتاج إلى انفعال، وذلك من أجل إقناع المشاهد ومحاكاة الواقع اللبناني، وخصوصاً أننا أمام واقع لبناني اجتماعي متأزم اقتصادياً، وصولاً إلى اصابة والدة "تارا" المحامية بسرطان الثدي، إلى جانب مجموعة من الأحداث الأخرى التي كان بإمكان شلالا تمريرها اعتماداً على قدرة الممثلين التي ظهرت أقلّ كثيراً من المتوقع. لكن لا بد من القول بأنّ إمكانات الممثلين أنفسهم أدخلت المسلسل في جوّ من "العزف الهادئ" بدلاً من الانصهار في أجواء معركة الثورة اللبنانية، ويظهر ذلك بوضوح من خلال الخيوط المتشابكة مع خيانة الزوج لزوجته، والإصابة بمرض عضال، وحكايات الإعلام المرئي القائمة على المحسوبيات والمصالح بين السياسيين وبعض المذيعات في المحطات التلفزيونية اللبنانية.

قد يكون "من الآخر" الأفضل بحسب النص والطرح بين مجموعةٍ لا بأس بها من مسلسلات وعروض الخريف التلفزيونية، ولو كان ضرورياً إثراء هذه الأحداث بمزيدٍ من التفاعل في الأداء والمواقف.

المساهمون