"مرسوم الحريات" في فلسطين... فضيحة لا دستورية

25 فبراير 2021
من احتجاج على حجب المواقع الإلكترونية في أكتوبر 2019 (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت التساؤلات بخصوص "مرسوم الحُريات" الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبل أيام، عشية الانتخابات الفلسطينية العامة، تتفاعل بين عموم المواطنين والحقوقيين والصحافيين، حول إذا ما كانت الحريات "تُمنح"، وحول ابتعاد السلطة التنفيذية عن الاحتكام للقانون الأساسي الفلسطيني "الدستور"، لرعاية وضمان الحقوق والحريات، بدل حشرها بمرسوم.

بين الدستور والطوارئ
قبل أن تكون دستورية، فإن الحريات طبيعية لا تُمنح ولا تُحجب ضمن "مراسيم" رئاسية، فهي مكفولة بالدستور ويجب احترامها، وفق ما يشدد عليه الخبير في الشؤون القانونية عصام عابدين في حديث لـ"العربي الجديد". ويؤكد عابدين أن انتهاك الحريات بالأساس جريمة دستورية، "لذا يصبح التأكيد على ضرورة الاحتكام للدستور لزاماً، وكذلك للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين وتتعلق باحترام حقوق الإنسان". تمارس السلطة التنفيذية تجاوزاً خطيراً بحسب عابدين، فمرسوم الحريات يستند لحالة الطوارئ غير الدستورية، المتواصلة منذ نحو عام لمواجهة فيروس كورونا، وكان لزاماً على الرئيس العودة للمجلس التشريعي "المُنحل" لمنح قراره باستمرار الطوارئ إن لزم تجديدها أكثر من ثلاثين يوماً.

يعتبر مراقبون وحقوقيون أن واقع الحريات والحقوق في فلسطين وصل لأسوأ وضع له منذ دخول السلطة الفلسطينية أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وكثفت فيها الأجهزة الأمنية اعتقالاتها على خلفية الرأي، وممارسة النشاط السياسي، وملاحقة المُعارضين لأداء السلطة. وقد أثار تعقيب رئيس الحكومة محمد اشتية، الاثنين الماضي، "تناقضاً" مع "مرسوم الحريات" الذي أصدره الرئيس. ويقول الخبير القانوني عصام عابدين لـ"العربي الجديد": "لم يأت المرسوم بجديد سوى الإقرار بوجود اعتقالات على خلفية سياسية أو حرية الرأي والتعبير، وما صرّح به اشتية خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أمس الإثنين، حول عدم وجود معتقلين سياسيين بالضفة ودعوته حركة حماس للإفراج عن عشرات المعتقلين السياسيين بغزة، أمر يُناقض المرسوم". ويتابع عابدين: "تأتي تصريحات اشتية بينما يمنح عناصر وزارة الداخلية تصريحاً مفتوحاً لقمع الحريات، والاعتقال على حرية الرأي".

"مرسوم الحريات" يُعيدنا إلى مفهوم السلطة "المُطلقة"

لقد وصلت الحالة الفلسطينية إلى درجة فارقة من عدم تطبيق القوانين والالتزام بجوهر وسيادة القانون، بحسب ما ينبّه مختصون بالدستور إلى خطورتها الشديدة. يقول الباحث في القانون الدستوري وحقوق الإنسان محمد خضر لـ"العربي الجديد": "إن ما يحصل في غاية الخطورة، ونحن أمام نظام سياسي ممثل بالسلطة التنفيذية تؤيده الفصائل، أما "مرسوم الحريات" فيُعيدنا إلى مفهوم السلطة "المُطلقة"، وهذا يعني أننا يجب أن نحتكم للرئيس في كل شيء حتى الحريات الطبيعية، وهذه مسألة خطيرة". ويوضح خضر أن الفصائل طلبت مرسوماً من الرئيس يخص الحريات، فاستجاب "لتنحصر الحالة الفلسطينية بين الرئيس والفصائل، هو يُريد منها الاعتراف بأنه الحاكم الوحيد ومرجعية كل شيء، وهي تُريد منه الاعتراف بها كمرجعية للتوافق". ويتابع "علينا التنبه إلى أن حقوق وحريات الفلسطيني مصدرها كرامته المكفولة في الدستور، وبمجرد قبولنا منحها من الرئيس، يجب الإدراك أنه سيتراجع عن منحها في حال معارضة الفصائل له، وبهذا يمكننا فهم العلاقة النفعية التي تجمع الرئيس بالفصائل والتي وصلت لهذا الحد!".

أولى ثمرات مرسوم الحُريات.. ضرب وإهانة!
بعد صدور مرسوم الحريات بساعات، أعلنت مجموعة "محامون من أجل العدالة" المعنية بمتابعة حقوق الإنسان والحُريات في فلسطين، تعرّض المواطن محمود الكعبي من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية للضرب والإهانة بعد حضوره إلى مقر الأمن الوقائي الفلسطيني بمدينة نابلس، إثر استدعائه حول منشور يؤيد فيه ترشح الأسير القيادي بحركة فتح مروان البرغوثي. 

يتساءل مدير "محامون لأجل العدالة" مهند كراجة في حديث لـ"العربي الجديد"، إن كانت مسألة مراعاة حقوق الإنسان وحرياتهم مرتبطة بفترة الانتخابات؟ وما الضمانات لحماية حقوق المُعتقلين؟ مؤكداً استمرارية ملاحقة أشخاص سياسياً بعد المرسوم الذي لم يعالج آلاف القضايا للمعتقلين السياسيين ومنهم ناشطون وصحافيون، يُحاكمون على إثرها منذ سنوات، ويقول: "ما يجري على أرض واقع الحريات والحقوق في فلسطين غير مُبشر أبداً". 

ويكشف كراجة أن الأجهزة الأمنية توجه تُهماً لمعتقلين سياسيين، وخارج التحقيق تدّعي بتهم "جنائية" لا علاقة للمعتقل بها، مثل الحصول على تمويل من جمعيات أو جهات ما أو حيازة سلاح، ما يثبت استغلال بعض التهم لملاحقة المواطن حول حرية رأيه، التي من المفترض أن الدستور كفلها. 

المرسوم وحرية الصحافة 
يبدو أن مرسوم الحريات كشف حقيقة النظام السياسي الذي يُلاحق ويقمع حرية الصحافيين أمام الجميع، وفق ما يوضحه الصحافي إياد حمد لـ"العربي الجديد". ويقول: "المرسوم لا يُشكّل ضمانة حقيقية لحماية مئات الصحافيين من الملاحقة، أو الاعتقال أو أي شكل آخر من التنكيل، وقبل أن نتحدث عن الحُريات في مراسيم، علينا إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية الذي يُحاسب عليه المواطنون وأكثرهم الصحافيون". ولم يتوقف الأمر على ملاحقة الصحافيين، بل إنه رغم انتهاء مدد حجب 49 موقعاً إخبارياً فلسطينياً منذ عشرة أشهر، بعدما كان قد صدر بقرار من محكمة الصلح في رام الله، في أكتوبر/ تشرين الثاني لعام 2019، إلا أنّ عدداً كبيراً من متابعي تلك المواقع ما زال يواجه مشكلة العثور على الموقع أو تصفح محتواه. 

واقع الحريات والحقوق في فلسطين وصل إلى أسوأ مستوياته

ويقول أحمد يوسف مدير موقع "ألترا فلسطين" وهو موقع محجوب، لـ"العربي الجديد": "إن مشاهدات الموقع قد انخفضت بسبب سياسة الحجب، وإدارة "فيسبوك" كذلك تحارب المحتوى الفلسطيني، ورغم محاولاتنا تجاوز الحجب بطرق تقنية، والذي تُعلمنا بتمديده الشركات المزودة للإنترنت، إلا أن النظام السياسي الفلسطيني يحاول حجب رواية تعارضه إعلامياً، وبالتالي تغيب التغطية الإعلامية المتزنة في فلسطين، ربما علينا التساؤل عن أهمية إجراء انتخابات في وقت تستمر فيه مؤشرات التضييق على الإعلام والحريات، فكيف لنا أن نُصدق!". 

بدوره، يقول المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم الفلسطيني) عمار دويك لـ"العربي الجديد": "إن الأصل انتهاء مدة حظر السلطة الفلسطينية لبعض المواقع الإلكترونية وفق قانون الجرائم الإلكترونية، ولمدد لا تزيد عن 6 أشهر فقط، ويجب لجوء السلطة للقضاء في حال أرادت تمديد الحظر، وإلا فإنه منته قانونياً". ويوضح دويك أن الهيئة سوف توظف المرسوم الرئاسي الأخير بشأن تعزير الحريات العامة لمراقبة أداء الجهات الرسمية، ومدى التزامها بما جاء فيه، والضغط ليشمل كافة مناحي الحياة، بما فيها تعزيز الحريات الإعلامية ووقف الانتهاكات بشأنها، بما في ذلك حجب المواقع. 

المساهمون