كشفت سلسلة تقارير نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأسبوع الماضي، أن شركة "فيسبوك" على علم بالكثير من الأضرار التي سببتها، وبينها أداة على منصة "إنستغرام" التي تملكها تبين أنها تضر بالصحة النفسية للمراهقات، وبرنامج خاص يعفي النافذين والمشاهير من مستخدمي منصاتها الاجتماعية من إجراءاتها وقواعدها، وتغيير في برمجيتها عام 2018 أدّى إلى ترويج الغضب والانقسام السياسي.
ولم تسكت "فيسبوك" عن الفضائح التي كشفتها الصحيفة الأميركية، إذ ردت عبر نائب رئيس قسم الشؤون العالمية البريطاني نيك كليغ الذي هاجم التقارير، السبت الماضي، واصفاً إياها بـ"الظالمة"، ومشيراً إلى أن الشركة الأميركية "ستواصل طرح الأسئلة الصعبة على نفسها، وتحسين منتجاتها وخدماتها".
لكن مجلس الرقابة المستقل في شركة "فيسبوك" أعلن، الثلاثاء الماضي، أنه يراجع نظام "إكس تشك" XCheck، وهو برنامج داخلي يحدد الحسابات البارزة ويعفيها من إجراءات معينة. وأشار مجلس الرقابة إلى أنه يترقب لقاء مع "فيسبوك" للحديث عن نظام "إكس تشك"، و"سينشر ما سيسمعه" منها، كجزء من تقرير منتظر في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
كانت "وول ستريت جورنال" قد كشفت أن المراجعات المتعلقة بمنشورات مستخدمين معروفين، مثل السياسيين والمشاهير والصحافيين، توجه إلى نظام منفصل عن ذلك المعتمد لباقي مستخدمي "فيسبوك". البرنامج المذكور أدرج بعض المستخدمين على "قائمة بيضاء"، أي أن إجراءات "فيسبوك" وقواعدها لا تُطبق عليهم، بينما سمح لآخرين بنشر مواد تنتهك بوضوح قواعد الشركة المتعلقة بمراجعة المحتوى، إذ لم يُمنع مثلاً لاعب كرة القدم البرازيلي نيمار من نشر صور لامرأة عارية اتهمته بالاغتصاب.
يحقق مجلس الرقابة المستقل في "فيسبوك" في نظامها لإعفاء النافذين والمشاهير من المحاسبة
وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، فإن الأشخاص الذين أعفتهم "فيسبوك" من إجراءاتها صنفوا كـ"شخصيات ذات أهمية إخبارية"، أو "مؤثرين مشهورين"، أو " شخصيات تشكل خطراً على العلاقات العامة". وبحلول عام 2020، كان هناك 5.8 ملايين مستخدم على قائمة "إكس تشك".
وفي السياق نفسه، أكدت "فيسبوك" أخيراً أنها ستتخذ نهجاً أشد صرامة، لحذف المجموعات المنسقة من حسابات المستخدمين الحقيقيين الذين يشاركون في أنشطة مضرة على منصتها، باستخدام الاستراتيجية نفسها التي تستخدمها فرقها الأمنية ضد الحملات التي تستعمل حسابات مزيفة. والنهج الجديد يستخدم الأساليب التي تلجأ إليها عادة فرق "فيسبوك" الأمنية لإغلاق الشبكات التي تنفذ عمليات تأثير باستخدام حسابات مزيفة للتلاعب بالرأي العام، مثل المزارع الوهمية الروسية. وقد تكون لهذا النهج تداعيات كبرى على الطريقة التي تتعامل بها شركة التواصل الاجتماعي العملاقة مع حركات سياسية وغيرها من الحركات المنسقة التي تخرق قواعدها، في وقت تشهد فيه عملية تدقيق مشددة لأسلوبها في التعامل مع الانتهاكات على منصاتها، من مشرعين دوليين وجماعات المجتمع المدني.
وفي إطار الجهود الجديدة، حذفت "فيسبوك" نحو 150 حساباً أو صفحة أو مجموعة يديرها أشخاص مرتبطون بحركة Querdenken التي تعارض إجراءات مكافحة وباء "كوفيد-19"، مثل ارتداء الكمامات والإغلاق العام. حرض الأشخاص الذين يقفون وراء الحسابات، وبعضهم على "إنستغرام"، على العنف، على أنه وسيلة لقلب جهود الحكومة الألمانية ضد فيروس كورونا. ونقلت "فيسبوك"، عن تقارير إخبارية، أن المجموعة شاركت في أعمال عنف ضد الصحافيين والشرطة والعاملين في المجال الطبي، في ألمانيا.
إجراءات عدة جديدة اعتمدتها "فيسبوك"، بينها حذف شبكات حسابات مستخدمين حقيقيين يشاركون في أنشطة مضرة
لكن تحسينات "فيسبوك" الأخيرة لا تعني بالضرورة خضوعها للتسريبات والفضائح الإخبارية وضغوط الحكومات حول العالم، فصحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن موظفين سابقين وحاليين في "فيسبوك" قولهم إنّ مسؤوليها يشعرون بالاستياء منذ سنوات، إذ يرون أنها تواجه تدقيقاً أكثر من منافستيها "غوغل" و"تويتر". وأضاف الموظفون أنّ المسؤولين أرجعوا هذا التركيز على "فيسبوك" إلى كونها جعلت نفسها مكشوفة أكثر باعتذاراتها المتكررة وإتاحتها الوصول إلى بياناتها الداخلية.
لذا، عقد مسؤولو "فيسبوك"، في يناير/ كانون الثاني الماضي، اجتماعاً افتراضياً، ناقشوا فيه اعتماد نهج دفاعي أكثر شراسة، وفق ما كشفه أحد الحاضرين لـ"نيويورك تايمز"، الثلاثاء الماضي. وناقش المجتمعون إمكانية استخدام ميزة "آخر الأخبار" في الترويج لأخبار إيجابية عن الشركة، ونشر إعلانات مرتبطة بمقالات تثني عليها. كما ناقشوا كيفية تحديد الأخبار أو التقارير التي تعد إيجابية بالنسبة للشركة.
يرى المسؤولون التنفيذيون أن "فيسبوك" تخضع لضغوط أكثر من منافستيها "غوغل" و"تويتر"، ورأوا أن عليها أن تكون أكثر شراسة في الدفاع عن ممارساتها
وفي هذا الإطار، وقّع الرئيس التنفيذي في "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، الشهر الماضي، على مبادرة جديدة أطلق عليها اسم "بروجكت أمبليفاي" Project Amplify، والهدف منها الاستفادة من ميزة "آخر الأخبار" News Feed في تحسين صورتها واستعراض قصص إيجابية عنها. وكشفت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن 3 أشخاص مطلعين على المسألة، أنّ "فيسبوك" فكّرت في الترويج للقصص الإخبارية التي تساندها وتثني عليها، وبعضها كتبها موظفوها، لتحسين صورتها في أعين المستخدمين. لكن هذه الخطوة كانت حساسة، لأنّ "فيسبوك" لم يسبق لها أن استغلت ميزة "آخر الأخبار" في تحسين سمعتها.
وقال ستة موظفين حاليين وسابقين، رفضوا الكشف عن هوياتهم، إنّ "فيسبوك" قررت اعتماد الهجوم نهجاً، في وقت مبكر من العام الحالي، بعدما فطن مسؤولوها التنفيذيون إلى أنّ أساليبهم السابقة لم تخفف حدة الانتقادات بحقهم وحق الشركة. شملت التغييرات المديرين التنفيذيين في "فيسبوك"، من فرق التسويق، والاتصالات، والسياسة، والنزاهة. قال خمسة أشخاص عملوا مع أليكس شولتز، وهو موظف في الشركة منذ 14 عاماً وعُيِّن رئيساً للتسويق العام الماضي، إنه كان أيضاً مؤثراً في جهود إعادة تشكيل صورة "فيسبوك". لكن ثلاثة أشخاص قالوا إنّ زوكربيرغ اتخذ قراراً واحداً على الأقل في هذا الشأن، ووافق الكل عليه.
وناقش فريق الاتصالات طرقاً تجعل المسؤولين التنفيذيين أقل استعطافاً عند الاستجابة للأزمات، وتقليل عدد الاعتذارات، وفقاً لشخصين مطلعين على المسألة.
وأفادت المصادر بأنّ زوكربيرغ أراد أيضاً إعادة تشكيل صورته كمبتكر. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، وزّع فريق الاتصالات وثيقة تتضمن استراتيجية لإبعاد زوكربيرغ عن الفضائح، عبر التركيز في منشوراته وإطلالاته الإعلامية على الإعلان عن منتجات وخدمات جديدة من "فيسبوك".
أنفقت "فيسبوك" 6.1 مليارات دولار أميركي على التسويق والمبيعات، بزيادة نسبتها 8 في المائة عن العام الماضي
والتنفيذ كان فورياً، إذ صرحت كبيرة مسؤولي العمليات في "فيسبوك" شيريل ساندبرغ، لوكالة "رويترز"، في 11 يناير/ كانون الثاني، بأنّ الشركة لا علاقة لها باقتحام مبنى الكابيتول. وفي يوليو/ تموز الماضي، عندما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنّ الشبكة الاجتماعية "تقتل الناس"، عبر نشر المعلومات المضللة حول وباء "كوفيد-19"، ردّ نائب رئيس الشركة في قسم النزاهة غَي روزين، عبر تدوينة، أشار فيها إلى أنّ البيت الأبيض فشل في تحقيق أهداف التلقيح المضاد لفيروس كورونا. وقال: "(فيسبوك) ليست سبب ضياع هذا الهدف". كما تغيرت منشورات زوكربيرغ على حسابيه في "فيسبوك" ومنصة "إنستغرام" التي تملكها الشركة، إذ امتنع عن مناقشة الانتقادات.
كما بدأت الشركة بالحد من البيانات التي تشاركها مع الصحافيين والباحثين الأكاديميين. واستهدفت تسريبات الموظفين، عبر إغلاق منتدى داخلي. وكثفت من عمليات التسويق الخاصة بها؛ ففي النصف الأول من العام الحالي، أنفقت 6.1 مليارات دولار أميركي على التسويق والمبيعات، بزيادة نسبتها 8 في المائة عن العام الماضي.