تعود "جمعية متروبوليس سينما" (لبنان) إلى واجهة المشهد، بعد غياب 8 أشهرٍ، بسبب إغلاق صالتيها في "مركز صوفيل" (بيروت). تخطو خطوة عملية تتعلّق بالعروض، فتختار أمكنة غير سينمائية (صالةً وتجهيزاتٍ وتقنياتٍ)، لتُعلن أنّ "فلسطين في القلب"، فالبلد المحتلّ يستمرّ في مواجهة جلاّده الإسرائيلي، والحيّز اللبناني يستوعب أنواعاً شتّى من الدعم، رغم خلافاتٍ جذرية بين الجميع، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وفي آليات الدعم المنشود.
"فلسطين في القلب" عنوانٌ تريده "جمعية متروبوليس سينما" كـ"تحية للسينما الفلسطينية واللبنانية"، المعنية بـ"موضوع الاحتلال الإسرائيلي لبلداننا"، كما في تعريفٍ للنشاط، المُقام بين 4 و12 يونيو/ حزيران 2021، في "مسرح دوّار الشمس" و"مسرح المدينة" (بيروت)، و"مسرح وسينما إشبيلية" (صيدا، جنوب لبنان). العنوان والتحية ينسجمان ورغبةً في إشهارٍ حبٍّ لبلدٍ، يُتقن أبناؤه وبناته مواجهةَ المحتلّ، وإيذاء ناسه، وفضح تزويره، وتعرية عنفه وعنصريّته. عنوان وتحية ينبثقان من ارتباطٍ بمفهومٍ عامٍ لفلسطين في وجدان الناشطين والناشطات في الجمعية، وهذا كافٍ، فالوجدان ضروري أحياناً في مقاربة مسألة حسّاسة، في بلدٍ (لبنان) منقسمٍ على نفسه منذ نهاية ستينيات القرن الـ20، بسبب مقاربات لبنانية متناقضة لفلسطين والفلسطينيين.
الهمّ الفلسطيني، ثقافياً وفنياً، متأتٍ من التزامٍ لبناني، أخلاقي أولاً، إزاء فلسطين وناسها، في البلد المحتلّ، وفي أصقاع الدنيا. العلاقة اللبنانية وطيدة مع فلسطين وناسها، والاختلاف حاصلٌ بين سياسة وثقافة وفنون. "جمعية متروبوليس سينما" تُريد لعودتها إلى المشهد السينمائي اللبناني أنْ يقترن بالهمّ الأحبّ في وجدانٍ وتفكيرٍ وتأمّلات، فإذا بفلسطين "في القلب"، والتحية تُرسَل بعد وقتٍ قليلٍ على انتهاء فصلٍ من فصول العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، في مدنٍ وبلداتٍ كثيرة، بدءاً من القدس.
بحسب البرنامج، يقلّ عدد الأفلام المختارة، والغلبة لإنتاجاتٍ حديثة، بعضها يُثير اهتمامات مختلفة في دولٍ غربيّة، بعد عروضٍ لها في مهرجانات دولية، كفينيسيا و"كانّ" وغيرهما. "إنْ شئتَ كما في السماء" (2019)، جديد إيليا سليمان ("العربي الجديد"، 13 إبريل/ نيسان 2020)، سيُعرض للمرّة الأولى في لبنان. لهذا الفيلم الروائي الطويل الأخير له، الحائز على تنويه خاص في الدورة الـ 72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2021) لمهرجان "كانّ"، عنوانٌ آخر بالإنكليزية، يُترجَم إلى العربية بـ"لا بُدّ أنّها الجنّة" (It Must Be Heaven). سليمان نفسه غير راغبٍ في عنوانٍ عربيّ، ولا في ترجمة إلى العربية. العنوان الإنكليزي يُثير تساؤلات أعمق وأهمّ. الفيلم بحدّ ذاته يستكمل مشروع مخرجه في تحويل الذاتيّ، أو بعضه، إلى مرايا بيئة وأحوالٍ وسجالاتٍ وتفاصيل وحكايات.
اختياره في البرنامج اللبناني "فلسطين في القلب" إضافة ـ ثقافية وفنية ـ لـ"جمعية متروبوليس سينما". اختيار "200 م" (2020) لأمين نايفة ("العربي الجديد"، 4 سبتمبر/ أيلول 2020)، المعروضٌ للمرّة الأولى دولياً في الدورة الـ 77 (2 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، إضافة أيضاً. هناك "3000 ليلة" (2015) لمي المصري ("ضفة ثالثة" في "العربي الجديد"، 22 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، و"اصطياد أشباح" (2017) لرائد أنضوني ("ضفة ثالثة" في "العربي الجديد"، 1 إبريل/ نيسان 2017)، و"سهى، النجاة من الجحيم" (2001) لرندة الشهّال ("العربي الجديد"، 24 مايو/ أيار 2021).
بعض تلك الأفلام فلسطينيّ، موضوعاً وإخراجاً والتزامات. لرندة الشهّال اختبارٌ نضاليّ يساريّ، يضعها في بيئة فلسطين. فيلمها هذا معنيّ بالاحتلال الإسرائيلي للبنان، وبمقاومة لبنانية علمانية له، تتمثّل بسهى بشارة. هذا واضحٌ. لكنّ النافر في البرنامج يكمن في اختيار "1982"، أول روائي طويل (2019) لوليد مونس. عنوانه مرتبطٌ بالاجتياح الإسرائيلي الثاني للبنان. أما موضوعه، فلبناني بحت، لا علاقة له بفلسطين والاجتياح الإسرائيلي، ولا بعلاقة اللبنانيين بفلسطين والاجتياح، رغم شذرات قليلة جداً عن حربٍ أهلية، وتخبّطات داخلية، وميليشيات محلية. بصرف النظر عن بهتان السينما واضمحلالها فيه، يبدو اختياره في "برنامج فلسطيني" أقرب إلى تسويقٍ بالقوّة لفيلمٍ مرتبك، باستغلال عنوانه، الذي يشير إلى إسرائيل من دون مقاربة احتلالها للبنان وتداعياته، إلا بشكلٍ عابرٍ جداً؛ وباستغلال نادين لبكي، الـ"نجمة" التي يتهافت كثيرون وكثيرات على أيّ عملٍ تُشارك فيه أو تُنجزه، من دون اكتراثٍ بقِيَمه، الجمالية والفنية والدرامية والتقنية والتمثيلية.
الأفلام الفلسطينية مُتشابهة في عمق اشتغالٍ، وحيوية معالجة، وجمالية مقاربة، رغم اختلافاتٍ تظهر في أساليب وتأمّلات. هذا عاملٌ يُحسَب للبرمجة اللبنانية، فالمختارات متوافقةٌ ومعنى الصورة السينمائية في معاينتها مسائل حسّاسة: البحث عن إجاباتٍ على أسئلة معلّقة، كالهوية والإنتاج والعلاقات والتفاصيل الصغيرة والتمزّقات العائلية والاجتماعية والجغرافية، كما في فيملي سليمان ونايفة؛ وكيفية المواجهة الفلسطينية للمحتلّ الإسرائيلي، كما في أفلام المصري وأنضوني والشهّال.
في الإعلان عن البرنامج، يُذكر أنّ هناك أفلاماً قصيرة "تُركّز على فلسطين"، وتُقدّمها "المؤسّسة العربية للصورة"، في إطار نشاطٍ مرتبط بـ"اليوم العالمي للأرشيف". لا ذكر للأفلام إطلاقاً. هذا يطرح سؤالاً: أتكون الأفلام القصيرة أقلّ أهمية من تلك الروائية الطويلة، كي يتمّ تجاهل ذكر المختار منها في نشاطٍ سينمائيّ كهذا؟