"غومورا" سافيانو: فضحٌ يُنزل لعنة القتل على كاشفه

19 اغسطس 2022
روبرتو سافيانو: تسلّل إلى قلب... الموت (ديفيد ليفنسن/Getty)
+ الخط -

 

الإيطالي روبرتو سافيانو (1979) يعيش، هو أيضاً، في حماية الشرطة الإيطالية، منذ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2006، بسبب "كتاب وثائقي" يروي "أسراراً" عدّة في سيرة عائلة مافياوية نابوليتانية. حكايته، في هذا الإطار، شبيهةٌ بتلك المرتبطة بالكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي (1947)، الصادرة بحقّه فتوى خمينية بإهدار دمه (14 فبراير/شباط 1989)، بسبب "الآيات الشيطانية" (1988).

كتاب سافيانو، "غومورا (عمورة) ـ رحلة إلى الإمبراطورية الاقتصادية لكامورا وحلمها بالسيطرة" (2006)، يتغلغل في العالم السفلي، بخططه ونظامه القيادي وأسلوب عمله وجرائمه ومؤامراته وبيئته الاجتماعية والحياتية ومدينته (نابولي)، كاشفاً خفايا، تُغضِب "كامورا"، الموصوفة بأنّها "الظاهرة المافياوية النابوليتانية القوية"، والمختلفة عن المنظمات المافياوية الإيطالية، لـ"تمايزها بأصولها الحضرية"، و"غياب تسلسل هرمي" معمول به، مافياوياً، في العالم.

والكتاب، إذْ يجمع في أسلوبه بين التوثيق والسرد الحكائي والتنقيب الاجتماعي وما يُشبه التحليل النفسي المستتر، يُبرز العلاقات القائمة بين "كامورا" وعالمي السياسة والأعمال، ما يجعل سافيانو هدفاً لمتضرّرين كثيرين، إلى حدّ أنّ سياسيين نافذين في السلطة يُهدّدونه، مراراً، بإلغاء حماية الشرطة له. قرار المافيا النابوليتانية صارمٌ، كالفتوى الخمينية. الفرق أنّ الفتوى دينية، والمشترك بينهما كامنٌ في "فشل" الجهتين في تنفيذ المُراد تنفيذه. محاولة قتل سلمان رشدي (12 اغسطس/آب 2022) في نيويورك، على يديّ اللبناني هادي مطر (طعن بالسكين)، لاحقةٌ على أول محاولة، يقوم بها لبناني أيضاً يُدعى مصطفى حازم (3 أغسطس/آب 1989)، لكنّ العبوة التي يحملها تنفجر فيه خطأ.

 

موقف
التحديثات الحية

 

"الآيات الشيطانية" غير مُقتبس في فيلمٍ. هذا خطر. دور نشر بريطانية وأميركية تنسحب من علاقة العمل مع سلمان رشدي. هذا غير حاصلٍ مع روبرتو سافيانو. "غومورا" يُصبح فيلماً بالعنوان نفسه، يُنجزه الإيطالي ماتيو غارّوني عام 2008. تصعب مقارنة النص المكتوب بالمنجز السينمائي، فكلّ منهما يحمل في طياته سمات بديعةٍ في الوصف والسرد والتنقيب والكشف والتفكيك. المتعة التي تمنحها القراءة غير مختلفة عن متعة المُشاهدة. أساساً، النصّ المكتوب يجعل القارئ "مخرجاً"، لما فيه من لحظاتٍ قابلةٍ لترجمة بصرية، كأنّ سافيانو نفسه سينمائيٌّ متمرّس. هذا يظهر في قصتيّ "نقيض الموت" و"الخاتم"، الصادرتين في كتاب واحد (الطبعة الإيطالية، 2007؛ والترجمة الفرنسية لفانسان رينو، عام 2009): شفافية تذهب بعيداً في رحلة البحث عن إجاباتٍ على أسئلة الحب والهوية والعلاقات والتواصل والحرب والسياسة.

"غومورا" (يُشارك سافيانو في كتابة السيناريو) مشغولٌ بمفردات أفلام المافيا، مع توغّل، مُوارب أحياناً، في تفاصيل البيئة الحاضنة لـ"كامورا". شخصيات تتداخل مصائر بعضها بأقدار بعضٍ آخر، ومسالك مُشبعةٌ بشيءٍ من التناقض بين حبّ وكراهية، وسلام وعنف ممزوج بغضب وتوتّر، ورغبات مراهقين في استكمال مشروع العنف نفسه، بما فيه من غضب وتوتّر أيضاً.

المساهمون