"طيور الجنّة" لأدينا سميث: حكاية شفهية عريقة

20 أكتوبر 2021
سارة أدينا سميث: حاجة البشر إلى النجوم لإضاءة حياتهم (فيلم ماجيك)
+ الخط -

 

تتنافس شابتان أميركيتان (ديانا سيلفرز وكريستين فروست) في باريس على حبّ راقص برازيلي. العولمة الفنية في أبهى صُوَرها. شابّة تنعم بفساتين حريرية، وأخرى تسرق لصقةً لترقيع حذاء رقصها. الفوارق الطبقية في أبشع صُوَرها. في "طيور الجنة" (استديوهات أمازون)، لسارة أدينا سميث، يُمكن للهواية والفنّ، رغم نقص النقود، أنْ يرفعا موقع الشخص الموهوب إلى رتق الهوّة مع الأغنياء. لا تعترف الموهبة الفنية بالفوارق الطبقية.

التحدّي كبير: "لماذا أنتِ هنا؟ لكي أفوز".

يوجد مكان واحد للفائز. لذلك، على الفائز أنْ يسحق الآخرين، ليمرّ فوق رقابهم. لهوس النجاح في العصر الحديث كلفة رهيبة. شرط النجاح إلحاق أكبر أذى بالمنافسين. عليك أنْ تفترس ولي نعمتك في أول فرصة، وتمرّ على جثته. هذا لبّ المجتمع البورجوازي، كما يتجلّى في مشاهد تذكّر بتشبيه أنوري دو بالزاك للمتنافسين، في روايته "الأب غوريو" (1835)، بالعناكب في إناء فخاري، يفترس بعضها بعضاً.

يقدّم "طيور الجنة" الطبعة الباريسية لـ"طيور الجنة"، التي تقطنها شابات لابسات كالفراشات، ناعِمات وقاتِلات ومُحيِيات ومُبدِيات مِنَ الدَلالِ غَرائِب. هذه سلطة الجسد الجميل على مشاهده.

الباليه أصعب امتحان للجسد. في صمته، يتفوّق على السينما الصامتة. تحكي السينما، بشغفٍ، سيرة الجسد الذي يخطو خطواته الأولى في عالم الفن واللذة. خلف حركات الجسد، هناك منطق الغاب في عالم الفن. فاتنات بأجساد رشيقة، تتلّوى كثعابين. في رفقة مثلهنّ، يبدأ الفنّ بعد أنْ تبرُد الرغبة.

ما الدافع إلى تحمّل هذا؟ يرفض الفرد أنْ يكون نكرة، فكيف سيصبح نجماً؟ يحتاج إلى جائزة. من سيحصل عليها؟ الوغد الموهوب.

في لعبة التحدّي، واحد فقط يربح. التحدّي الفني اختبار للجسد. يتمرّن الفنان بشكل مرهق. مع النجاح، يصير الإرهاق متعة، بفضل شغف الفن. مع تقدّم الأحداث، تكتشف الشابة عالم الفنّ، حيث يحتلّ المال والجنس موقعاً مؤثّراً. في قانون الغاب هذا، هناك مشكلة لدى الفنان: كلّ معركة جانبية تؤخّر الإنجاز الفني.

لاعبة كرة السلّة رجولية، تعشق الباليه. حين ترقص، تفيض أنوثة. هذا سرّ التفوّق في عالم الفن. قلبٌ متمرّد، وإرادة حديدية. التمرّن بشراسة، مع تجنّب مقالب الزملاء الأعداء. تتسابق الشابات للظفر بالمرتبة الأولى. هناك جائزة واحدة. هذا فيلم موجّه إلى جمهور شاب، يرزح تحت عبء إثبات ذاته. فيلم عن لعبة تحدّي، وتنافس شرس. لا ثقة في الشريك. تلعب تخسر تنسحب، تُطرد أو تموت.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

هذه خطاطة الأفلام والمسلسلات الناجحة حالياً، كما في سلسلة "لعبة الحبار" التي أطفأت شعلة سلسلة "لا كاسا دي بابيل". في مراحل السباق، كلّ مرّة يغادر الخاسر تحت نظرات حكم عدواني، ومشاركين يتنافسون في طابور النكرات. إنّها لعبة قانون الأقوى. ليس صدفة أنْ تتمرّن الراقصة في مكان يوحي بالغابة. هذه ألعاب تحدٍّ، ترفع منسوب العدوانية في دم المتفرّج.

هكذا تستلهم السرديات الفيلمية ألعاب الفيديو التفاعلية. هذا يجعل الأفلام والمسلسلات تتشابه بألعاب الفيديو. صار استخدام الحيل والأساليب نفسها مهيمناً. حيلٌ تخلق فرجة آنية، مبنية على خدع بصرية، وعلى الانزياح عن سنن سردية تقليدية. لمنح السرد عمقاً، يستخدم التناص مع سرود سابقة، وحكايات شفوية خاصة.

يروي "طيور الجنة" فترة طويلة، في سرد خطي، يغطّي الحفر الزمنية بالكتابة على الشاشة: "وبعد 3 أعوام". هذا عن السرد، أما بصدد الصورة، والكادر الذي وضعته المخرجة لعرض حكايتها بصرياً، تمّ التصوير في مبانٍ باريسية تاريخية، مع إضاءة من زمن ماض. يُسلَّط الضوء على الراقصة، ويغمر الظلّ محيطها. "كادراج" يصنع من اللقطات بورتريهات. يظهر على هذا المستوى عملٌ كبير، على صعيد الإضاءة، التي جعلت اللقطات أقرب إلى لوحات زيتية. يفسّر الديكور ويبرّر نوع الإضاءة المختارة.

يتناص "طيور الجنة"، في أجواء التنافس، مع "البجعة السوداء" (2010) لدارين أرونوفسكي، الذي يبدأ بالبحث عن نجمة جديدة تُقدَّم إلى العالم. من تكون؟ إنّها نينا (نتالي بورتمان)، بطلة العرض الجديد، عن معزوفة "بحيرة البجع" للروسي تشايكوفسكي. يحيل العنوان إلى طيور الأرض.

في "طيور الجنة"، حربٌ أهلية بين راقصة وأمّها، كما في "البجعة السوداء". في الفيلمين، يشحذ كلّ مخرج ـ حكم العداء بين الراقصات، ليحصل منهن على الأفضل. يريدهنّ أنْ يفترسن بعضهنّ. بذلك، يدمّر العلاقة بينهن. إنّه شرّ متبادل بين النخبة. علاقات عدوانية، وقانون الغاب. نزعة كلبية تدمّر الحلم، وتعرّي البشر بمرارة. يبدو أنّ العدو ضروري في الفنّ، لشحذ العزيمة وبذل الجهد. لكنْ، ليس لتصفية الحسابات. الفنان العدواني، الذي يجعل من أهدافه إلحاق الأذى بمنافسيه، يبدّد روحه وطاقته. من المستبعد أنْ ينجح ويصير نجماً، وإذا نجح، يصعب عليه أنْ يستمرّ.

رغم كلّ هذه الصعوبات، يحتاج البشر إلى النجوم لإضاءة حياتهم. لذلك، تستعير سارة أدينا سميث، حكاية شفهية عريقة. عصفورة صغيرة حالمة تُحلّق عالياً، لتفتح كوة في الأفق الداكن، ليدخل منه نور الشمس.

هذه وظيفة النجم ـ الـStar في حياة الإنسان العادي.

المساهمون