لم يشأ الشاب الفلسطيني عادل الطل (31 عاماً) من قرية زنوتا المهددة بالترحيل، والواقعة شرق بلدة الظاهرية جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، تغيير مسكنه في كهف عاش فيه أجداده ووالده من قبل والتوجه نحو بلدة الظاهرية للعيش في مبان ومساكن حديثة، تشبثاً بكل ذكرى عاشها، وصداً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي الساعية لترحيل أهالي قريته. ولجأ عادل الطل إلى تطبيق "تيك توك"، ليظهر صورة صموده هو وعائلته في الكهف ويومياتهم العادية.
من حياة البساطة إلى "تيك توك"
يحن الناس إلى حياة البساطة، بل ويتمنى بعضهم أن يحيا جزءاً من تفاصيلها، تحديداً تلك التي يشاركها عادل الطل عبر "تيك توك"، مثل صناعة والدته لخبز الطابون الطازج، إذ يشعر الطل وكأن أنفاس بعض المتابعين شُقت خلال التعليقات حُباً في رائحة الخبز والنار المستخدم جمرها في الطابون الفلسطيني.
يقول الطل لـ "العربي الجديد: "أشعر وكأن الناس تقول عبر تفاعلها مع فيديوهاتي: يا الله يا ريتنا نعيش مثل هالعيشة يلي عايشها مع أهلك... رغم أنّه في بداية النشر لمقاطع الفيديو لم يصدق بعضهم أننا نعيش في كهف وبهذه الطريقة، لكنني لم أتوقف وأشركت والدتي في الفيديوهات، وأصبحنا نصور سوياً في المطبخ أو الجزء الذي خصصناه في الكهف وكأنه مطبخ لنا". ويضيف: "تحول تفاعل المتابعين إلى الإعجاب بأننا ما زلنا نصر على صمودنا في زنوتا، وعلى تقبل صعوبات الحياة التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه".
@adelaltell #زنوتا_الظاهرية_فلسطين ♬ الصوت الأصلي - أنس القيسي
عفوية الطل هي بطاقة العبور نحو معرفة الناس في كل مكان بمعاناة زنوتا كواحدة من القرى الفلسطينية التي يمنع الاحتلال البناء فيها أو تعبيد الطرق، أو التمتع بالخدمات الحيوية مثل تمديدات الماء والكهرباء والإنترنت، ما يضطر الأهالي هناك إلى الولوج للشبكة عبر هواتفهم الذكية. ويشارك الطل تفاصيل مهام أصبح المتابعون ينتظرونها ويترقبونها على حسابه مثل البذار والحصاد و"الدراسة"، وهو مصطلح فلسطيني شعبي يشير إلى طحن الحبوب من القمح والشعير وتحويله إلى طحين في مكان الحقل أو الأرض.
الحنين إلى الماضي
يقول الطل: "جدي كان يرعى الأغنام لساعات طويلة، وهو كذلك الحال بالنسبة لوالدي الذي كان يصل بأغنامه إلى جبل الكرمل في الجليل، وأنا تعلمت منهما كمزارع وراع الأمر نفسه، ومنه صناعة كعكة الراعي، وهو رغيف خبز يصنعه الراعي بنفسه، وبحكم بقائه ساعات طويلة بعيداً عن عائلته، يأخذ معه دقيق القمح، ويستخدم في العجن حليب الغنم الذي يرعاه عوضاً عن الماء، ويوقد الحطب".
ويضيف: "عندما يصير جمراً يثبت قطعة العجين المستديرة عليه، وكذلك الحال بالنسبة لحفرة في صخور الكهف تشبه (مكر الماء)، وهو حفر صخري يشبه الوعاء المستقل منتشر في الطبيعة الفلسطينية، وفي الأحواش القديمة (بيوت الفلسطينيين قديماً مع ساحة المنزل) تستخدم لسقاية الدواجن والحيوانات".
تستخدم هذه الحفرة لتبيث وعاء من الصلصال يشبه الجرة يتم تسخينه أو جعل الماء فاتراً للشرب قبل أن يخرج ساكن الكهف منه، حتى لا يُصاب بلفحة هواء أو ضرر نتيجة اختلاف الطقس بين الكهف وخارجه في المحيط. ويشارك تفاصيل صناعة الحثيمة من لبن الأغنام التي ولدت للتو، وصناعة الأجبان البلدية و"جعجول اللبن البلدي" الذي تشتهر به قرى الخليل بكثرة، كما يذكر أدوات قديمة يستخدمها الفلسطيني قديماً في حياته اليومية كـ"المكحار" في إزاحة السكن أو الرماد عن الطابون قبيل نضج رغيف الخبز وقبيل وضعه في صحن الطابون الكبير.
نقل الواقع والتأثير بالناس
"يقول الطل لـ "العربي الجديد": "بدأت أشعر أنّ بعض الناس تشعر بمعاناتنا أنا وعائلتي وقريتي المهمشة، بل وتطور الأمر إلى أن تفعل بعض المؤسسات الرسمية الفلسطينية دورها في تعزيز صمودنا ولو بالقليل؛ رممت لنا محافظة الخليل بعض الخيام، وتواصلت بعض المؤسسات معنا لإنشاء حديقة لنا، صراحةً عندما صرت أتوجه لبعض الوزارات صار البعض يستقبلني بالاهتمام كمزارع صامد على أرضه في زنوتا".
@adelaltell #زنوتا_الظاهرية_فلسطين ♬ original sound - Music Forever
سريع الانتشار هو تطبيق "تيك توك" ومتسارعة هي أيضاً إجراءات الاحتلال ضد قرية زنوتا. فقبل عام تقريباً، اقتحم أفراد ما يسمى بـ"الإدارة المدنية" قرية زنوتا وسلموا قرابة 13 إخطاراً لأهالي القرية بهدم منازلهم التي تتوزع بين خيام الشعر وبين البيوت البسيطة المسقوفة بالصفيح وتحاوطها السناسل "سور من الأحجار الموجودة في البر أو الخلاء".
ولا يتوقف مستوطنو بؤرتين استيطانيتين مقامتين على أراضي الفلسطينيين هناك عن مضايقة أهالي قرية زنوتا، ولأنّ "أول الرقص حنجلة (مشية الحجل)" كما يقول المثل؛ صادرت قوات الاحتلال مساحات غير هينة من الأراضي الزراعية لأهالي زنوتا، وحرمت الأهالي بذلك من الرعي في مساحات خضراء كما قبل، ما اضطر بعض الرعاة وملاك الثروة الحيوانية لبيع رؤوس من أغنامهم.
كلّ ذلك يقلبه عادل إلى الواقع الافتراضي على "تيك توك" ببعض أغاني الصمود المدموجة ببساطة ما تطهوه والدته، أو انتشار الدجاجات حول كهف عائلته، وهي بالإضافة له في الكهف شقيقته و3 أشقاء ووالدته، وغيره من الأخوة الذين يقيمون خارج الكهف، أو بأغانٍ عاطفية ليقول للعالم: "إنّ أهالي زنوتا يحق لهم أن يحيوا كما باقي البشر حول العالم".