"باب الجحيم"... هروب متقدم إلى الواقع

10 أكتوبر 2021
البطولة النسائية تمثلت بالممثلة اللبنانية سينتيا صموئيل (Getty)
+ الخط -

وكأنّها عمليةٌ معاكسة، تحتاج الكثير من التحليل والصبر للتناقض مع الصناعة السائدة والتوجه بالدراما إلى الواقع هرباً من خيال بلاستيكي بنَت عليه شركات الإنتاج الدرامية في السنوات العشر الأخيرة نموذجاً غير صادق لواقع الشارع العربي.
هنا جاءت مغامرة المخرج اللبناني، أمين درة، للدخول في سوق المنافسة داخل مسلسلات المنصات الرقمية، وهو المجازف قبل ستة سنوات بتقديم عمل "بدون قيد" عبر منصة "يوتيوب".

الموازين اختلفت ودرّة القادم من خلفية سينمائية مشبعة ترصد الواقع بتفاصيله وتعيد تحليلها بصرياً لم يستغرق في هوس الإنتاج الباذخ والصالونات المريحة، بل جمح نحو فرضية غريبة على إنتاجات المنطقة درامياً وهو أسلوب الحياة بعد ثلاثين عاماً من اليوم. المكان كان لبنان بتناقضاته الجمّة في الصعيدين السياسي والاجتماعي وانعكاسات الوضع الاقتصادي على أسلوب حياة البشر في فسادٍ مستشرٍ جعل باريس الشرق بيروت في أسوأ أيام ركودها المالي والسياحي.

ومن هنا انطلقت الحكاية لتصوّر شكل المدينة الساحلية بعدما تحولت إلى مدينة معتمة بالكامل يغزوها الظلام، ويوجد بالقرب من صخرة الروشة المعلم السياحي الأبرز، سجن بُني وسط البحر اسمه "سجن الحرية". لتتحول ديكورات العمل المظلمة والموحشة إلى مسرح لأحداث ثماني حلقات جمعت مجموعة من الممثلين اللبنانيين في طريقة تقديم لأداء لم نعهده في السنوات الأخيرة.

وهنا أدرك درّة الوصفة حين جمع أفراد العمل كافة في سياق زمني موحد، فطغت سلطة المكان على سلطة النجم، وسيطر الإحساس العام بالحدث على حساب تفرّد كل ممثل بسحب البساط نحوه. الحوارات المقتضبة جعلت من الشخصيات تشعر بالمحيط حولها أكثر مما تبوح، وهنا بدت اللغة السينمائية واضحة للعيان بما حملت من رمزية ودلالات فضلاً عن الذكاء في تقديم دراما "أكشن" دون المبالغة في استعراض العضلات ومشاهد القتال المجانية لصالح الحدث الدرامي الذي حافظ على الصدارة في الأهمية.

جسر الحدث بين السجن والعالم الخارجي يبدأ من "آدم خير الله" الذي تقوده الصدفة ليكون متهماً في التعرض لقوات الأمن ما يسوقه لداخل "سجن الحرية" حيث تجري منافسات قتالية بين السجناء عبر دوري يحمل اسم "الحرية" أيضاً ويجري بثه عبر شاشات عملاقة وزِّعت على واجهات المباني في بيروت ليشاهدها الجميع. البداية إذاً من "آدم" الذي يعيش داخل مجمع سكني يعامل فيه المواطنين كعبيد من قبل نظام سلطوي يفرض عليهم نظام حياة معيناً ويقنن عليهم الاحتياجات الأساسية رغم هيمنة التقنية على أسلوب الرقابة والتلصص.

وتفترض الحكاية أنّ جميع الأفراد الذين يعيشون تحت مظلة النظام مسجّلين وفق "داتا" تتحكم بأمور حياتهم كافة، قبل أن يحدث اختراق من قبل مجموعة سرية تعمل على محو بعض أفرادها من على أجهزة النظام. بعدها ينتقل مسرح الأحداث إلى داخل السجن وهنا ينتقل المسلسل إلى مواجهة مباشرة بين السلطة الأمنية المتمثلة بإدارة السجن وسلطة المخابرات التي تعمل على التحقيق واستجواب السجناء، ويعكس عدم الثقة بين الطرفين في التحقيقات ومحاولة مدير السجن "العازوي" التفرّد بتعذيب السجناء عبر وضعهم في غرف انفرادية وتجريب عقاقير طبية عليهم كفئران تجارب.

حالة أكبر من الاستبداد النفسي يدخل إليها العمل مع عرض القوة كسلاح فردي للخلاص ومحاولة تصوير البطل على أنه الخارق جسدياً والأكثر دموية في نزاعه مع الخصم، وذلك في استذكار لشريعة الغاب وأكل القوي للضعيف وكأنّ المجتمعات حين تهدم سيعود مواطنوها إلى النزاع الوحشي للبقاء على قيد الحياة. البطولة النسائية تمثلت بالممثلة اللبنانية سينتيا صموئيل والتي قدّمت دوراً حساساً تقاطعت فيها مع البطل آدم بكري من ناحية الإحساس الداخلي للشخصيات أكثر من البوح العلني، حيث تتحمل مسؤولية "آدم" في قبضة القوى الأمنية وتعمل على تخليصه، لتقتحم السجن بشكل سري بمساعدة شقيقة "آدم" في الحلقة الأخيرة من الموسم الأول.

لينتهي الموسم الأول بالمواجهة الحاسمة في "دوري الحرية" والتي تركت تساؤلات في ذهن الجمهور حول ماهية السجن والرمزية التي يحملها، فهل الخلاص في الخروج من "سجن الحرية" والعودة إلى سلطة النظام الذي حوّل الأفراد إلى آلات، أم البقاء داخل السجن كونه على الأقل يكفل الطعام والمنامة للمساجين ويتيح لهم تفريغ طاقاتهم ولو كان ذلك بالقتال الوحشي والدامي

المساهمون