"فندق مومباي": قسوة صُور وبشاعة إرهاب

24 ابريل 2019
ديف باتل في "فندق مومباي": قسوة الصُور (فيسبوك)
+ الخط -
تكمن البصمة الأكبر للمخرج الأميركي بول غرينغراس على السينما في أنه، منذ مطلع الألفية الثالثة، طوّر كثيرًا في شكل ومفهوم الأفلام المبنية على أحداث حقيقية، بتقديمها بشكل متقن ومثير وقوي فنيًا، وفي الوقت نفسه بقابلية تجارية. حدث هذا مع "يوم سبت دموي" (2002)، و"يونايتد 92" (2006)، و"كابتن فيليبس" (2013)؛ ما أدّى إلى ازدهار هذا النوع من الأفلام، الذي ينتمي إليه "فندق مومباي" (2019)، لأنتوني ماراس، المبني على حادثة إرهابية حقيقية تعرّضت لها الهند عام 2008. والحادثة مُقدَّمة في قالب من الإثارة التي تحبس الأنفاس. 

رغم نجاحه أحيانًا، هناك هنات وخيارات ذات حسّ أميركي في سرد الحكاية. الأهم كامنٌ في تجاوز السؤال الأخلاقي عن كيفية تمثيل المآسي والكوارث على الشاشة الكبيرة.

يؤسّس الفيلم عالمه بشكلٍ تقليدي تمامًا. هو جزء من "الهوليوودية" المقصودة. بداية، هناك تعرّف على الشخصية الرئيسية أرغون (ديف باتل، بطل فيلم Slumdog Millionaire، الذي أنجزه داني بويل عام 2009)، وعلاقته بعائلته، ثم عمله في فندق "تاج محل"، الأكبر في الهند. بعد هذا، يحدث انتقال إلى الفندق وموظّفيه ورئيس الطهاة، الذين سيكون لهم دورٌ في الأحداث اللاحقة. هناك أيضًا زوجان أميركيان (طبعًا) مع طفلهما الوليد، الذين يصلون إلى الفندق عشية بدء سلسلة منسقة من الحوادث الإرهابية في مومباي، أحدها يستهدف الفندق الذي حاصره إرهابيون ثم اقتحموه، وفي داخله نحو 1000 نزيل و500 موظّف. يتتبع الفيلم محاولات المعتدى عليهم النجاة وسط هذا الرعب، بمساعدة أرغون وديفيد، الزوج الأميركي (آرمي هامّر).

الخيارات التأسيسية للأحداث والشخصيات جعلت الفيلم مُشابهًا لأفلام أميركية أخرى، تناولت هجومًا، ومحاولة عائلة النجاة، مثل No Escape (2015)، لجون إيريك دويدل، الذي يسرد حكاية أسرة نزيلة فندق في كمبوديا، عند قيام انتفاضة مسلحة ودموية. "فندق مومباي" لا يبتعد عن هذا المنحى كثيرًا، ويرسم شخصياته (ضحايا وإرهابيين) بشكل مبسط أقرب إلى السذاجة أحيانًا. لكنه، مع هذا الخيار الآمن، يملك بعض المميزات التي تجعله عملًا سينمائيًا جيدًا، على رأسها قراره بسرد القصة من منظور الفندق، وتحديدًا الضحايا. مثلاً: في فيلم هندي مهم يتناول الأحداث الإرهابية في مومباي، بعنوان "اعتداءات 26/11"، الذي أنجزه رام غوبال فارما عام 2013، كان سرد القصة من ناحية الشرطة وعملية السيطرة على الفوضى المرعبة في المدينة، بطريقة ملحمية نسبيًا، تقلِّل من الأثر العاطفي للأمر كلّه.



"فندق مومباي" يأخذ منحى معاكسًا تمامًا، باعتماده على توريط المتفرّج في المأساة، كأنه مُحاصَر مع النزلاء في الغرف المغلقة أو الخزانات، المرتبكين من الأصوات القاتِلة في الخارج، وغير العارفين ماذا سيحدث. استخدم أنتوني ماراس أيضًا مادة أرشيفية حقيقية بشكل فعّال للغاية، كجزء من السياق (تظهر على شاشات المراقبة أو التلفزيون)، وفي الوقت نفسه يصنع دورًا فاعلًا في "نخز" المتفرّج وتذكيره بأنه يشاهد حكاية ومشاعر حقيقية عاشها هؤلاء، وليس مجرّد فيلم فقط.

لعلّ تلك النقطة تحديدًا، وكون القصّة حقيقية، مع الوعي الشديد للمخرج وتصديره هذا كلّه، سبب في أكبر مأخذ على "فندق مومباي": السؤال الأخلاقي إزاء كيفية تمثيل الحوادث بشكل يحترم ضحاياها وعائلاتهم. فالفيلم عنيف جدًا، ومليء بصُوَرٍ دموية لعمليات القتل، متفنّنًا في إظهارها بالأشكال كلّها، إلى درجةٍ يتجاوز فيها (وفي أحيانٍ كثيرة) الشعرة الفاصلة بين "إظهار قسوة الإرهاب ورعبه" و"استغلال الحدث" وتصوير العنف بشكل مثير وجذاب. لم يكن ممكنًا التوقّف عند هذه النقطة لو لم يُقتَبس الفيلم من حادثة بشعة. لكن لأنه مقتبس عن حادثة بشعة، والتأكيد على ذلك بصُوَرٍ أرشيفية طوال الوقت، فإن السؤال الأخلاقي عن الأثر النفسي للعمل على عائلات الضحايا أو الناجين من الحادثة أو الذين عاشوها يصبح حتميًا.

في النهاية، لا يوجد فيلم "حوادث حقيقية" سابق تجاوز هذا السؤال بقدر "فندق مومباي".
دلالات
المساهمون