آخر مغامرة لرامبو: لا جديد إطلاقًا

14 أكتوبر 2019
سيلفستر ستالون: أهكذا تكون النهاية؟ (فيسبوك)
+ الخط -
حتى منتصف تسعينيات القرن الـ20 تقريباً، كان الممثل سيلفستر ستالون نجم أفلام حركة جماهيرية ناجحة. مع تغيّر المزاج الجماهيري، وكبره هو نفسه في السنّ، بدأت مرحلة أفول مرّ بها أبناء جيله جميعهم، الأبطال مفتولي العضلات. لكن ستالون مختلف ومغاير، إذْ قرّر عدم الاستسلام. منذ عام 2006، بدأ ما يمكن اعتباره مشروعاً يتعلّق بالنّبش في الماضي، وإعادة أفلامه وأدواره القديمة الناجحة إلى الضوء، بتحقيق أجزاءٍ جديدة منها، كما حصل مع "روكي"، وسلسلة The Expendables، التي أخرجها، جامعاً فيها أبطال الـ"أكشن" ونجومه القدماء، في أفلام مليئة برائحة الثمانينيات الفائتة. حصل هذا مع "رامبو" أيضاً، الذي ظهر مجدّداً على الشاشة الكبيرة عام 2008، في جزءٍ رابع، قبل إنجازه عام 2019 جزءاً خامساً منه، يفترض به أن يكون الأخير.

هذه الأفلام كلّها متفاوتة في قيمتها ومردودها التجاري. لكن المؤكّد أن سيلفستر ستالون، رغم ضعف إمكاناته التمثيلية، هو الممثل الوحيد في جيله، المستمرّ حضوره داخل الحلبة السينمائية.
في "رامبو: النزف الأخير"، الذي كتبه أيضاً، يبدو ستالون متأثّراً بفيلم "لوغان" (2017) لجيمس مانغولد، عن شخصية وولفرين. عمل استثنائي من ناحية التعامل مع "عجز الأبطال الخارقين"، و"رامبو" هو الآخر بطل خارق طبعاً، فالجندي الأميركي عائد بغضب من فيتنام وحربها، ويكافح وحيداً للحفاظ على حياته في الجزء الأول (1982)، ثم يُنفِّذ مهمات حربية كاملة في الأجزاء التالية، من دون مساعدة أحد. له ملامح الخارقين وصفاتهم. في الجزء الجديد، يظهر عجوزاً ومختلفاً للمرّة الأولى، تماماً كـ"لوغان". ومثله أيضاً، يبدأ الفيلم به، في مزرعة صغيرة في أريزونا، حيث يعيش حياة هادئة مع حفيدة صديقته، التي يعاملها كابنته. كأنّه راعي بقر، اعتزل حياته القديمة، قبل اختطاف عصابة في المكسيك تلك الحفيدة، فيبدأ رامبو البحث عنها، ويخوض بالتأكيد مغامرة دموية.



إنْ يُنظر إلى هذا الجزء الجديد ضمن سلسلة "رامبو"، التي لها محبّون ومريدون منذ بداية ثمانينيات القرن الـ20، فإنّ المشكلة تكمن في أنه غير منتمٍ إليها بشكل حقيقي. فالبُعدان السياسي والحربي في الأفلام السابقة حاضران بقوّة، ويفرّقانه تماماً عن أي فيلم آخر أو شخصية أخرى. ففي النهاية، وفي كلّ جزء، يحمل إرث أنّه جندي سابق وعنيف، وأنّ له توجّهات يمينية، وأنّه يخوض مغامرة مرتبطة بالسياق العالمي العام.

في "النزف الأخير"، يمكن بسهولة تبديل ستالون بليام نيسون مثلاً، واعتبار الفيلم أحد أجزاء سلسلة Taken، فالدوافع فردية، تتعلّق باختطاف الابنة، ولا توجد سمات شكلية أو حركية ميّزت رامبو سابقاً. حتى طريقة انتصاره على أعدائه في المعركة الختامية تتعلّق بالدهاء والتخطيط المسبق. سمات لم تكن عليها الشخصية يوماً.

أما التعامل مع الفيلم نفسه بشكل منفرد تماماً، فلن يجعل الأمر أفضل حالاً، إذْ يظهر بوضوح أن ستالون يرغب في صنع فيلم دراما، يشبه "لوغان"، يودّع فيه الشخصية إلى الأبد. أو حتى بـ Unforgiven، الذي أخرجه كلينت إيستوود عام 1992، ونال عنه 4 جوائز "أوسكار" (1993)، بينها جائزتا أفضل فيلم وأفضل إخراج. فيه، قدّم إيستوود شخصية راعي بقر عجوز، اعتزل القتل منذ وقت طويل، لكنه يعود في مهمة أخيرة.

طموح ستالون، كما يبدو، كان أن يصنع دراما بتلك القوة، لكن لا رؤية أو موهبة حقيقية توازنان هذا الطموح، فتجعلان الفيلم جيداً، وتمنحانه زخماً وشعوراً يُقرّبانه من المتفرّجين، ما أدّى إلى أنْ تكون الامور متشابهة، بإعادة إنتاج مَشاهد ومشاعر وتفاصيل شوهدت سابقاً في أفلامٍ أخرى.
دلالات
المساهمون