سؤدد كعدان تُضيِّع ظلّها في دمشق

12 سبتمبر 2018
"يوم أضعت ظلّي" لسؤدد كعدان (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
بعد 4 أفلام وثائقية قصيرة وطويلة، بدأت إنجازها عام 2008، أخرجت السورية سؤدد كعدان أول روائي طويل لها بعنوان "يوم أضعتُ ظلّي" (2018، إنتاج مشترك بين "مُؤسّسة الدوحة للأفلام" و"أكروباتس" و"ميتافورا ـ فضاءات ميديا")، المعروض في برنامج "آفاق" في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، والفائز بجائزة "أسد المستقبل ـ لويجي دي لورنتيس"، التي تُمنح لأفضل مخرج/ مخرجة واعد، عن العمل الأول أو الثاني. 

فيه، حاولت سؤدد كعدان القبض على الروح الهاربة للإنسان السوري، التي اختفت ولم يعد هناك انعكاس لظلّها، لفرط ما كابدته من أهوال ومصاعب. ولعجزها عن القبض على تلك الروح، ولصعوبة المهمّة أيضًا، حاولت الاقتراب منها أو ملامستها، ثم عرض تلك الحالة الفريدة، التي يختفي فيها ظلّ الإنسان، والتي هي بمثابة استعارة لفقدان البشر لأنفسهم وذواتهم وأرواحهم وكراماتهم وأمنهم بسبب الحروب، حتى وإن لم يصابوا بأذى، وبقوا على قيد الحياة.

للاقتراب من تلك الروح الضائعة، اختارت كعدان عمدًا أن تدور أحداث فيلمها هذا في بدايات الثورة السورية، بين عامي 2011 و2012، قبل أن تتطوّر الأمور وتتعقد وتتشابك وتتداخل وتختلط في ما بينها، وتمضي إلى ما آلت إليه الآن. في محاولة الاقتراب تلك، لم يكن أمامها سوى إنجاز فيلم ذاتي، يحكي عن هواجسها ومخاوفها ورؤيتها، ويعكس حالتها النفسية ومعاناتها الشخصية قبل فرارها من سورية نهاية 2012.

بخلاف الرؤية ذاتية الطابع، والاستعارة الروحية لفكرة اختفاء الظلّ، قدّمت سؤدد كعدان ما هو مُغاير لما قدّمته أفلام روائية تناولت الحروب عامة، والثورات العربية خاصة. اختيارها إنسانيّ بحت. لا طغيان للسياسي، ولا انحياز إلى طرف. فالانحياز الأساسي هو إلى الإنسان السوري الذي عاش ويعيش عذابات الحرب تلك، وعانى ويُعاني آلامًا ومواجع، وإنْ تأتي العذابات من تفاصيل بسيطة، كالبحث عن ماء وكهرباء وغاز مثلاً.

يروي "يوم أضعتُ ظلّي" قصّة الصيدلانية سناء (سوسن أرشيد) وابنها خليل (أحمد مرهف آل علي)، اللذين يهرعان في صباح أحد الأيام إلى شقتهما، كي يلحقا المياه والكهرباء قبل انقطاعهما ليغسلا ملابسهما. لكن الانقطاع يحدث سريعًا. وعبر مفردات حياتية صغيرة كتلك، تُبيّن كعدان كيف أن الحياة يُمكن أن تتحوّل إلى كابوس مريع يُهدّد المرء بفقدان أمنه وسلامته وحياته، أو بفقدانها فعليًا. هذا ما يحدث مع تطوّر الأحداث الممتدة، في الفيلم، على 3 أيام فقط.

ذات مساء، وأثناء تحضير سناء وجبة عشاء لابنها، تفرغ قارورة الغاز، ما يؤدّي بهما إلى عدم تناول أي طعام. في اليوم التالي، تنتظر سناء طويلاً لاستبدال قارورة الغاز الفارغة، قبل أن تصل سيارة تابعة للجيش ويأخذ الجنود القوارير كلّها، ما يدفع الشقيقين جلال (سامر إسماعيل) وريم (ريهام الكسار) إلى الاحتجاج، ثم يتفقان مع سناء على اقتسام الثمن الباهظ لسيارة أجرة يستقلونها للحصول على قوارير الغاز من مكان آخر بعيد.

تدريجيًا، تنكشف ملامح الشقيقين: جلال ذو شخصية مندفعة وثائرة وساخطة، شاهد بعينيه كيف ضُرِب شقيقه وعُذِّبَ، قبل أن يموت؛ وريم، الأكثر سخطًا منه، تُحاول الوقت كلّه أن تضبط نفسها، وتُذكِّر شقيقها بأنها لا هي ولا والدتها ترغبان في أن تفقده هو الآخر. لذا، تحاول تهدئته دائمًا كلّما ثار غضبه. في الطريق إلى ذلك المكان البعيد، يظهر أمامهم حاجز. المُشكلة أن مع سائق سيارة الأجرة كاميرا تحتوي على تسجيلات تؤدي به إلى التهلكة إن عثر عليها الجنود، فيهرب بالسيارة إلى الأحراج. في النهاية، يترك الجميع في مكان مجهول وسط مزارع الزيتون خارج دمشق، ويختفي.

بعد تلك المقدّمة المكثّفة، التي تشهد تأزّم أوضاع الشخصيات، تبسط سؤدد كنعان مساحات أكبر لتقديم كلّ واحدة منها بدوافعها ومخاوفها: سناء مهمومة بضرورة العودة إلى ابنها، وإنْ من دون قارورة الغاز. ريم، العدائية إزاء سناء في بداية لقائهما، تحاول الحفاظ على جلال، والبقاء قريبة منه قدر الإمكان، كأنها تشعر بما سيحدث له. جلال، الذي يفلح في الحصول على قوارير وعلى سيارة تقلّهم إلى دمشق، يختفي بعد نفاد الوقود.

بحسّها الأمومي تجاه ريم، وبرغبتها الحادّة في العودة إلى ابنها بأي شكلٍ من الأشكال، تبحث سناء عن سيارة تعيدهما إلى دمشق، أو عن شخصٍ للمساعدة؛ وأيضًا عن جلال. تصل إلى قرية صغيرة، وتتضح لها صعوبة العودة بسبب إغلاق الطرقات. تعود إلى ريم، وتبيتان معًا في منزل إحدى الأسر في تلك القرية. هناك تعلمان بالمسيرات وبسقوط شهداء من أبناء القرية، وبحفر النساء للقبور، فتشارك سناء في حفر القبور قبل أن تنتقل إلى معالجة الجرحى، وتلتحق ريم بالمُظاهرات، فتعيش تجربة تهزّ كيانها. لاحقًا، تعثران على جثة جلال. في اليوم الثالث، تعودان إلى دمشق، وتذهب كلّ واحدة منهما في طريقها: ريم مع جثمان شقيقها، وسناء إلى طفلها مع قارورة الغاز.

لن تنتهي الأمور عند هذا الحدّ، فالمسارات الدرامية تكشف مطاردة مليشياويين لسناء بعد هجوم المسلّحين على الصيدلية، وتتطوّر الأحداث بأشكالٍ مختلفة.
المساهمون