فيلم المناضل... النظام السوري يكتب التاريخ المشوّه

06 يناير 2018
تجاهل تام لجرائم النظام (Getty)
+ الخط -
منذ اندلاع الثورة السورية، تم توثيق المظاهرات وانتهاكات نظام بشار الأسد، ومجازره من خلال مقاطع فيديو غير احترافية، التقطها عدد كبير من الناشطين السوريين في المناطق التي شهدت احتجاجات، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي المنبر الرئيسي لنشر تلك الفيديوهات وحفظ الوثائق.
لكن إعلام النظام السوري كان جاهزاً للرد على تلك الدلائل واختلاق السيناريوهات لدحضها، فأكثر في محطاته البرامج التحليلية، التي تناولت تلك الفيديوهات لتكذبها، كبرنامج "التضليل الإعلامي" و"عبر الشبكة" وغيرها... كما قام جيشه الإلكتروني بشنّ حملات ساذجة في أغلبها لتكذيب كل الصور والفيديوهات أو نسبها إلى مناطق أخرى غير سورية.
واليوم باتت هذه الوثائق والفيديوهات مهددة بالاختفاء والحذف من على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث على موقع "يوتيوب"، الذي حذف آلاف الفيديوهات التي وثقت تلك الانتهاكات، بحجة أن محتواها صادم وعنيف. ومع الاختفاء التدريجي لتلك الدلائل، بدأ إعلام النظام ينتهز الفرصة لإعادة صياغة ما حدث خلال تلك السنوات، ليغير معالم التاريخ بروايته الإعلامية. فبدأ في الآونة الأخيرة بنشر عدد كبير من الفيديوهات والأفلام التي ترنو إلى توثيق تاريخ سورية بين عامي 2010 و2017، أي قبل أشهر فقط من بدء الثورة.
ومن هذه الأفلام، فيلم تحريك قصير (4 دقائق)، حمل اسم "المناضل"، نشره موقع "شام تايمز" الإلكتروني التابع للنظام، وهو فيلم إنيميشن قصير يوثق تاريخ وأحداث سورية من في هذه المرحلة.

الفصل الأول: الغزو

يقسم الفيلم تاريخ سورية في هذه الحقبة إلى عدة فصول، ويمثل كل فصل حقبة زمنية مرت بها سورية في تاريخها الحديث، ويحاول الفيلم أن يوثق كل مرحلة ويعطيها عنواناً عريضاً، وأن يسرد أحداث المرحلة مرفقة بالتواريخ. البدابة كانت في المرحلة التي حملت عنوان "الغزو"، والتي تمتد بين عامي 2010 و2011، حيث تبدأ حكاية الفيلم في شهر كانون الأول/ديسمبر 2010، في اجتماع يقوده الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، "ويحيك فيه المؤامرة ضد سورية داخل غرفة عمليات سرية في البيت الأبيض"، وتمتد تلك الفترة إلى شباط/فبراير 2011، حيث استطاع أوباما الاتفاق مع بلد عربي لا يذكر اسمه، وإنما يكتفي الفيلم بالإيحاء أنه ذو مناخ صحراوي، ويساهم هذا البلد بالتآمر على سورية، وتجهيز الإرهابيين والأسلحة والذخيرة، ليصل الفيلم إلى تاريخ 14 آذار/مارس عام 2011 وهو تاريخ الثورة السورية، لتبدأ الثورة أو "الغزو" من خلال قرار أوباما، الغاضب من ممانعة بشار الأسد (المناضل) للقرارات الأميركية، ولينسف هذا المقطع أسباب الثورة الحقيقية، وحادثة أطفال درعا وإرادة الشعب.

الفصل الثاني: المقاومة

وأما الفصل الثاني من الفيلم، والذي يحمل عنوان "المقاومة"، فيسرد حكاية الحرب التي خاضها نظام الأسد ضد الإرهاب، ويظهر فيه بشار الأسد في الميدان مع الجنود، يقاتل ويحارب مرتدياً بذته العسكرية، ثم يظهر بوتين في قمة مجموعة العشرين في أيلول/سبتمبر عام 2013، ويلقي كلمة يؤكد فيها خروج الولايات المتحدة عن القانون الدولي، بسبب تدخلها العسكري في سورية. ومن ثم ينتقل الفيلم إلى فصل "المؤامرة"، ويبدأ الفصل بالتوثيق الزمني، فيقول المعلق: "بين عامي 2014 و2015، سيطر داعش على ما يقارب 70 في المئة من الأراضي السورية"، ليظهر بشار الأسد بعدها وهو يعاني، قبل أن يتلقى اتصالا هاتفيا من بوتين، الذي يعرض عليه المساعدة للتصدي للإرهابيين، ليوضح الفيلم دور روسيا الحيوي في انتصار الأسد، لينتهي الفصل بصورة له، وخلفه مشاهد توثق انتصاراته، ويرفق المشهد صوت المعلق، الذي يؤكد بأنه مع حلول عام ،2017 تمكن الجيش السوي بالتعاون مع الجيش الروسي من استعادة حقول النفط والغاز واستعادة تدمر، يتلوه مشهد يؤكد على إنجازات الرئيس بشار، من خلال عودة التيار الكهربائي ومع نهاية عام 2017.

الفصل الأخير: النهضة

ويختتم الفيلم بفصل حمل عنوان "النهضة"، ويبدأ الفصل بعام 2020، وبشار الأسد يحتفل مع شعبه بعيد ميلاده الـ55، ثم تظهر عجوز بجوارها طفلة تقرأ لها من كتاب تاريخ سورية المعاصر، وتقص عليها قصة بشار الأسد وتقول إنه "من عشرين عام والرئيس الأسد يسير ببلدنا نحو الازدهار، كما فعل والده حافظ الأسد"، وتحكي لها "كيف قضى على الإرهابيين، وكيف تصدى للمؤامرات". ومن ثم تظهر صفحة من الكتاب طبع فيها تاريخ ولاية حافظ الأسد وتاريخ استلام بشار الأسد الحكم، دون تحديد سنة انتهائه، ويرافق المشهد المعلق الذي يفتخر بتماسك سورية، ويقارن حكم الأسد بحكم عدد كبير من الرؤساء الأميركيين، الذين يتبدلون باستمرار، ولا يذكر التاريخ أسماءهم!
ويختم المعلق الفيلم، بأن مستقبل سورية ومستقبل الرئيس بشار الأسد السياسي يجب أن يقرره الشعب السوري، ليطمس تاريخ الثورة السورية بكل معالمه.

لا يذكر الفيلم طبعاً، شيئاً عن كل الضحايا الذين سقطوا بسلاح الأسد وحلفائه، ولا يذكر ملايين السوريين الذين اضطروا للجوء خارج بلدهم هرباً من صواريخ النظام وبراميله.. مجرّد فيلم ترويجي آخر، بقدرات فنية ضعيفة جداً، ورغم أن العمل نشر قبل شهرين إلا أنه بدأ بالانتشار في اليومين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي.



المساهمون