عربٌ في لوكارنو... عن ذاكرة فردية في فلسطين ولبنان

05 اغسطس 2017
يترأس نصرالله لجنة تحكيم "مسابقة سينمائيي الحاضر" (Getty)
+ الخط -
الحضور العربي في مهرجانات سينمائية دولية مستمرّ. الإعلان عن البرامج الخاصّة بمهرجاني البندقية وتورنتو ("العربي الجديد"، 29 و31 يوليو/ تموز 2017) لم يحجب مشاركة أفلام عربية في الدورة الـ 70 لـ "مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي"، المُقامة في المدينة السويسرية هذه بين 2 و12 أغسطس/ آب 2017. وهو حضور لن يقتصر على أفلام جديدة تتنافس في مسابقات، أو تُعرض في برامج غير تنافسية؛ إذْ يستعيد المهرجان أحد كلاسيكيات السينما المصرية، "المومياء" (1969)، لشادي عبد السلام (1930 ـ 1986).


رغم مرور هذه الأعوام كلّها، لا يزال "المومياء" يُشكِّل لحظة سينمائية أساسية في تاريخ الفن السابع المصري. فاشتغاله على مسألة التراث الحضاري والآثار المسروقة، يؤدّي إلى طرح سؤال الهوية، من خلال إلقاء نطرة إضافية على معنى تلك التماثيل والتُحف الباقية من أزمنة قديمة.

وهذا كلّه في إطار سينمائيّ يمزج واقعية الأحداث بصُوَرٍ، تخرج على مألوف المعاينة الحسية للوقائع والمسارات، لترسم ملامح أناسٍ وبيئة، بلغة مفتوحة على اختبارات شتّى.

بالإضافة إلى ذلك، يترأس السينمائيّ المصريّ يُسري نصرالله لجنة تحكيم "مسابقة سينمائيي الحاضر"، التي تضمّ 16 فيلماً جديداً، بينها "حصن المجانين" (2017)، للجزائرية الأصل ناريمان ماري، الذي يحمل اسم قطر كإحدى الجهات الإنتاجية المُشاركة في تحقيقه، إلى جانب فرنسا واليونان وألمانيا والجزائر.

والفيلم (140 د.) يبحث في أحوال بيئة يسعى شبابٌ من البدو الرحّل إلى جعلها أشبه بـ "مدينة فاضلة"، كردّ على تحكّم "النظام الإمبريالي" (كما يصفونه) بالعالم والاجتماع وأنماط العيش. وهو يستند إلى أرشيف البعثات العلمية وحملات التدجين الأولى، بقيادة المستعمرين الفرنسيين في أفريقيا الشمالية.

والشباب الباحثون عن حيّز للعيش، يُناقض خراب العالم، سيُعيدون بناء أمكنةٍ تلبي حاجاتهم ورغباتهم؛ علماً أن المخرجة تلتقي، من أجل فيلمها، أناساً عديدين في مدن مختلفة في الجزائر واليونان، في محاولةٍ إنسانية وثقافية للبحث في مسائل متعلّقة بالمساحات المستقلّة والبديلة، وبكيفية تفكير هؤلاء الساعين إليها.

في المقابل، تُقدِّم الفلسطينية آن ـ ماري جاسر فيلمها الروائي الجديد "واجب" (2017)، باسم فلسطين: تتابع المخرجة أحوال أبٍ وابنه، اللذين يلتقيان بعد غيابٍ طويل للابن المقيم في روما.

أبو شادي، مُطلَّق وأستاذ في الستينيات من عمره، يعيش في الناصرة. بعد زواج ابنته، سيُصبح وحيداً. لكن، قبل هذا، سيأتي ابنه المهندس شادي لمساعدته في توزيع بطاقات الدعوة إلى العرس، "باليد"، كما هي العادة الفلسطينية. لم يكن اللقاء بينهما مُرجَّحاً أو متوقّعاً، لأسباب شتّى. لكنهما الآن سيمضيان أياماً عديدة معاً، ويبدأ التوتر بينهما بالظهور مجدّداً، علماً أن مسارات حياتهما، الهشّة والمختلفة، ستواجه اختباراتٍ حادة، وتحدّيات قاسية.

جديد آن ـ ماري جاسر هو ثالث روائي طويل لها، بعد "ملح هذا البحر" (2008) و"لما شفتك" (2012)، إلى أفلام قصيرة مختلفة. الأول يغوص في سؤال العلاقة الصدامية بين العودة إلى فلسطين المحتلة والهجرة منها، وبين فلسطينيين مقيمين في بلدهم المحتلّ وآخرين عائدين إليه لاستعادة شيء من هوية يُراد لها أن تبقى غائبة، أو من ذكريات يسعى الإسرائيلي المحتلّ إلى طمسها.

أما الثاني، فيتناول أحوال فلسطينيين لاجئين إلى الأردن، غداة حرب الأيام الستة (5 ـ 10 يونيو/ حزيران 1967)، عبر حكاية صبيّ مقيم في مخيم للاجئين مع والدته، ينتظر "عودة" والده من غياب ملتبس.

في حين أن "واجب"، كما ينصّ التعريف الرسمي به، يطرح مجدّداً تلك الأسئلة نفسها، التي يبدو أن المخرجة مهمومة بها، عن العودة والهجرة، وعن الثنائيات القائمة بين الشخصيات الرئيسية، التي تبحث كل واحدة منها عن أجوبة معلّقة، في أوقاتٍ مرتبكة. وإذْ يتّضح البُعد السياسي في الفيلمين الأولين، اللذين تنطلق حبكتهما الدرامية من واقع الاحتلال الإسرائيلي، فإن التعريف الرسمي بـ "واجب" لا يذكر شيئاً خارج إطار العلاقة القائمة بين أبٍ وابنه، في ظلّ تقاليد اجتماعية فلسطينية.

إلى ذلك، يُشارك Panoptic 2017، (إنتاج لبناني إماراتي مشترك)، الوثائقي الطويل الأول للّبنانية رنا عيد، في برنامج "إشارات الحياة": بين ذاكرة يُراد لها أن تغيب كلّياً، وراهنٍ لبناني مُثقل بأسئلة معلّقة وممنوعة عن الحرب وخفاياها ومتاهاتها، كما بأسئلة حاضرٍ منبثق من عفن الماضي وفساده؛ تنسج عيد وقائع سيرة ذاتية خاصّة بها، وبعلاقتها بوالدها الراحل قبل 9 أعوام، وبارتباطها ببيروت.

أما اللبنانية فيروز سرحال، فتلتقط ـ في "تشويش" (2017)، المُنتج بفضل تعاون جهات عديدة في لبنان وألمانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى قطر أيضاً، والمُشارك في برنامج خاصّ بالأفلام القصيرة ـ لحظة واقعية تتمثّل باليوم الأول في بطولة كأس العالم في كرة القدم، كي تتابع مسارات أناسٍ ينتبهون إلى أن تشويشاً يحصل على البثّ التلفزيوني للمباراة الأولى، من دون معرفة السبب. لكنهم، عندما يُدركون أن اعتداءً إسرائيلياً حاصلٌ في مكانٍ غير بعيد عنهم، سيندفعون إلى أسطح المباني، بدلاً من البحث عن ملاجئ تحميهم من الاعتداء، فإذا بهم يُشاركون في واحدٍ من أكبر الأحداث التي يُمكن أن يعرفوها في حياتهم.

أما الجزائري الفرنسي نادر مكناش، فيُقدِّم "لولا باتر" (2017، إنتاج فرنسي بلجيكي مشترك، تمثيل الفرنسية فاني آردان) خارج المسابقة: بعد وفاة والدته، يُقرِّر زينو البحث عن والده فريد. لكن، بعد 25 عاماً، فريد أصبح لولا.

المساهمون