تظاهرة "زاوية" في القاهرة... انعكاسات الراهن

08 مايو 2017
من "زينب تكره الثلج" للتونسية كوثر بن هنيّة
+ الخط -
تبتكر "زاوية"، المؤسّسة السينمائية المصرية، أنماطاً عديدة للاحتفال بنتاجاتٍ سينمائيّة مختلفة. قبل 3 أعوام، تشهد القاهرة تأسيس هذا الحيّز الثقافي ـ الفني ـ الجماليّ، الذي يتّخذ من السينما مساحة للتواصل بين الصناعة والمُشاهدة والسجال. الرغبة في تقديم المختلف أساسية في برمجة النشاطات. العروض الأسبوعية تحاول إيجاد حيّز آخر للمُشاهدة. تعليقاتٌ كثيرة تعكس حماسة مُشاهدين محترفين، يجدون في "زاوية" متنفّساً يمزج الإبداع البصريّ بالحراك الثقافي والفكريّ، وهما اللذان ترتكز عليهما غالبية الأفلام المختارة.
بين 9 و16 مايو/ أيار 2017، تُقيم "زاوية" (مبادرة التأسيس عائدةٌ إلى شركة "أفلام مصر العالمية ـ يوسف شاهين") احتفالاً بعنوان "أيام القاهرة السينمائية". 40 فيلماً من 10 دول عربية، مُنتجة بين عامي 2015 و2017. لا منافسة ولا صخب استعراضيّ ولا نجوم ولا أضواء: هذا مهرجان يُريد للسينما أن تحتلّ الأمكنة والفضاءات كلّها، وينطلق من صالتي "زاوية" (إحدى صالات "أوديون") و"الزمالك" في القاهرة، إلى صالاتٍ مختلفة في الإسكندرية وبور سعيد والإسماعيلية.
الذهاب إلى مدنٍ أخرى عاملٌ حيويّ إضافيّ في مشروع "زاوية"، الثقافيّ والسينمائيّ والجماليّ والإنسانيّ. 40 فيلماً تُعرض كلّها في القاهرة، في حين أن بعضها الآخر سيُعرض في مدن مصرية أخرى. هذه خطوة تكشف أن المشروع غير متوقّف، فقط، على العروض والنقاشات وورش العمل، المُقامة في القاهرة وحدها. فالانتقال إلى المدن يُساهم في توطيد العلاقة بين المهتمّين بالسينما والأفلام المختارة لعرضها في مناسبات عديدة. أو بين المعنيين بنشاطات سينمائية، ومضامين تلك النشاطات.

في الدورة المقبلة هذه، تكشف إدارة "زاوية" و"أيام القاهرة السينمائية" بعض النتاج الجديد لمخرج شاب، يُدعى مروان عمارة، المتمثّل بفيلمي "واحد زائد واحد يُساوي كعكة الفرعون" و"الزيارة". الاهتمام بجيل شبابيّ ـ يتقدّم في عالم السينما بخطواتٍ هادئة ومتماسكة، بإنجازه أفلاماً مثيرة للنقاش ولمتعة المُشاهدة ـ جزءٌ من خطة الدورة الجديدة هذه: اللبناني روي ديب يعرض فيلمه الروائيّ الطويل الأول "بيت البحر"، الذي يروي حكاية 4 أشخاص يلتقون على مائدة عشاء في ليلة واحدة، ويكشفون بعض خفاياهم ومساراتهم ونتائج خياراتهم السابقة.

المصري محمد رشاد يحضر بفيلمه الوثائقي "النسور الصغيرة"، الذي يتناول حكايات أناسٍ يختزلون، بها، بعضاً من تاريخ مصر وراهنها. السودانية مروى زين تُقدِّم فيلمها القصير "أسبوع ويومان"، الذي تنحو فيه باتجاه التنقيب البصري في عمق علاقة قائمة بين زوجين شابين (ياسمين رئيس وعمر صالح)، ينتظران مولوداً أول لهما. فالمرأة الحامل تعاني قلقاً، والرجل يحاول إيجاد مساحةٍ لها في قلب منزل متواضع يُقيمان فيه، والعلاقة بينهما تتأرجح بين انفعال يجمعهما، وحالة يمرّان بها، ورغبة في فهم اللحظة وارتباكاتها.

من الأفلام الأولى لمخرجيها، المشاركة في الـ "أيام" القاهرية، هناك "نحبّك هادي" للتونسي محمد بن عطية: تفكيك لسلطة الأم، عبر قصة شابٍ يُراد له زوجة لا يُحبّها، وعند لقائه امرأة أخرى، يُغرم بها، ويعيش معها تجربة التحرّر (المؤقّت) من سلطةٍ، سيخضع لها مجدّداً. التونسية كوثر بن هنيّة ترافق، في الوثائقي ما قبل الأخير لها "زينب تكره الثلج"، سيرة أمٍّ تستعيد علاقة حب قديمة لها مع مهاجر إلى كندا، بعد رحيل زوجها، وذلك عبر عينيّ ابنتها زينب.

أما الفرنسي أوليفر لاكس، فيُنجز ـ في "ميموزا" ـ محاولة سينمائية صادقة وآسرة، لتفكيك البناء الإنساني، وفقاً لواقع النزاعات الذاتية بين واجبٍ وفعلٍ أخلاقيّ ومسعى إلى تطهّر ما، عبر رحلةٍ، جغرافية وروحية، لإيصال جثمان شيخ، يوصي بدفنه في قريته. والرحلة تنفتح على أسئلةٍ وتحدّيات ومآزق.

في المقابل، يُشارك الجزائري مرزاق علواش بأول وثائقيّ له، بعنوان "تحقيق في الجنّة"، المعروض سابقاً في قسم "بانوراما"، في الدورة الـ 67 (9 ـ 19 فبراير/ شباط 2017) لـ "مهرجان برلين السينمائيّ (برليناله)": يهتمّ علواش بمراجعة نقدية لمقولاتٍ وأفكار تتحكّم بكثيرين في العالم العربي، وتختصّ بشؤون الجنّة، وبالتلاعب الحاصل في المفاهيم الأساسية، الذي (التلاعب) يؤثّر سلباً على شبابٍ كثيرين. ومرزاق علواش يواجه، بهذا، "التطرّف الديني"، كعادته في معظم أفلامه الروائية الطويلة الأخيرة، خصوصاً "التائب" (2012).
إلى ذلك، يُعرض وثائقيّ آخر بعنوان "خارج الإطار ـ ثورة حتى النصر" للفلسطيني مهند اليعقوبي: استعادة سيرة الأفلام الفلسطينية النضالية، والبحث عن الضائع منها، وتسليط الضوء مجدّداً على مرحلة وحالة تُختزلان باسم "سينما الثورة والنضال"، المصنوعة في ظلّ هواجس المعركة الأساسية. يبحث اليعقوبي في مسارها ومصيرها، و"نهايتها" التي تحدث مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982).
ويُخصّص المهرجان مساحة للسينمائي اللبناني مارون بغدادي (1950 ـ 1993)، الذي يُشكِّل، بأفلامه، محاولة جدّية للنهوض بسينما لبنانية سجالية ومختلفة، وذلك بعرض بعض أفلامه الروائية الطويلة، كـ "بيروت يا بيروت" (1975)، و"حروب صغيرة" (1982)، و"خارج الحياة" (1991)، والوثائقيين "كلنا للوطن" (1974) و"أجمل الأمهات" (1978).





المساهمون