سوق "بريك لين" في لندن: من الجريمة إلى الفن

26 أكتوبر 2017
السوق مستودع هائل لكل فنون الطهي (العربي الجديد)
+ الخط -
في تمام الساعة التاسعة صباحاً، يبدأ عازف القيثارة لويس فلويد هنري، أو عازف شارع الـ"بريك لين"، بعزف أول نوتة على آلته، معلناً انطلاق فعاليات السوق اللندني الشهير، والذي يستقطب مئات الزوار من مختلف الأعراق والأجناس. وفي لمحة من البصر تكتظ شوارعه ويتزاحم الناس على أبواب مقاهيه ومطاعمه وحاناته.

هذا السوق، وغيره من الأسواق الشعبية اللندنية التي ربما لا يعرفها ضيوف عاصمة المملكة المتحدة، هو واحد من الأسواق المميزة، التي ارتبط زمنها بعدة أحداث مهمة في تاريخ المملكة، إذ كان واحداً من أفقر أحياء المنطقة في الماضي والأكثر تهميشا، وأحد مستوطنات سفاح النساء "جاك ذا ريبر" أواخر القرن التاسع عشر، إبان عهد الملكة فكتوريا، وهو الذي عرف بالتمثيل بجثث ضحاياه من النساء اللواتي كن يعملن ليلا، ولم تعرف هويته الحقيقية حتى اليوم.

ويبدأ سوق "بريك لين"، الذي كان يعرف بسوق "وايت تشابل لين"، من منطقة "بيثنال غرين" مروراً بـ "سبيتالفيلدس" وصولا لمنطقة "وايت تشابيل" التي كانت تعرف بمصانع الطوب والبلاط في القرن الخامس عشر.

تغير اسم هذا السوق بعدما أقام أصحاب تلك المصانعَ فيه متاجرَ ومحلات الأكل. وبحلول القرن السابع عشر، أصبح الشارع أيضا موقعا شعبيا لمصانع جعة "بلاك إيغل" الشهيرة والتي أسستها آنذاك عائلة ترومانس الإنكليزية لتكون بداية انطلاقة تجارتها عالميا.

في "بريك لين" فقط تجد كنيسة ومسجداً ومعبداً يهودياً في شارع واحد. فعلى غرار الكثير من مناطق الشرق اللندني، كانت هذه المنطقة ملاذا للمهاجرين الذين ينتقلون إلى المدينة هربا من الاضطهاد في بلدانهم أو يبحثون عن حياة أفضل، إضافة لهروب الآلاف من اتباع الكنيسة البروتستانتية من لاجئي الـ"هوغوينتس" الفرنسيين من الاضطهاد في فرنسا، في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. الهجرة الفرنسية هذه أنعشت المنطقة بمحلات ومصانع الحياكة والنسيج، والتي لا تزال ملامحها ظاهرة في دروب السوق.

وليس بعيدا عن المعبد والكنسية، يوجد مسجد بنته الجالية البنغالية التي هاجرت بدورها إلى المنطقة في الستينيات من القرن الماضي، وحولوها إلى "بنغال تاون" بسبب انتشار منتجات شبه القارة الهندية وأكلات الكاري اللذيذة، التي باتت علامة مميزة للسوق. ويقول صاحب مطعم بنغال كاري، أحمد حقي، لـ"العربي الجديد": "هاجر أبي من موطنه بحثا عن حياة أفضل وعمل كطاهٍ في هذا المطعم لسنوات قبل أن يشتريه من ملاكه، وحولته بدوري لواحد من أشهر محلات الكاري في المنطقة". ويضيف أن المنطقة أصبحت حيوية أكثر مما كانت عليه بالاضافة للتعايش السلمي مع باقي اصحاب الديانات الأخرى.

وكان سوق "بريك لين" مشهورا ببيع الدراجات المسروقة، والتي انخفضت بدورها بعد حملة لشرطة لندن خلال عام 2010.

هذا السوق ليس تحفة فنية بسبب الموسيقى والرسم على الجدران فحسب وإنما هو مستودع هائل لكل فنون الطهي لاكتشاف نكهات جديدة في جو فريد من نوعه من محلات ومخابز البيغل، الى مطعم دمشق للشوارما والفلافل إلى المطعم المغربي الذي يقف على بابه طابور من عشاق أكلة الطاجن بكل أنواعها. كما أن السوق يجلب إليه العديد من طلاب الفن الذين يستمتعون بفن تصوير الأشياء الفريدة من نوعها.

في أحد أزقة سوق شارع "بريك لين ماركت، أو"زقاق الطوب"، يتخذ بائع من طراز مختلف زاوية، يركن فيها سيارة الأجرة الـ"بلاك كاب" الإنكليزية الشهيرة، والتي حولها لمقهى لبيع القهوة والكعك إلى جانب بعض الأكلات الخفيفة، وهو يرقص على موسيقى الفنان، دافيد بووي، القادمة من على الناصية المقابلة، كأنه بذلك يقول لمن قدموا من وراء البحار أنتم على أرض بريطانية. ويقول صاحب مقهى "البلاك كاب" المهندس الإلكتروني، تيم هانك، لـ "العربي الجديد"، إن سيارته هي الأولى من نوعها، بدأت فكرة تحويلها لمقهى لتقديم القهوة منذ أربع سنوات، وكانت فكرة ناجحة، مضيفاً أن وجوده هنا ليس للتجارة فحسب بل للترفيه والتعرف إلى أصدقاء جدد من خارج المملكة.

على جدار أحد المقاهي في السوق، كتب الفنان التشكيلي هوك إتش كيو، وهو من أبناء الحي: "من بلدة مهمشة ومعدمة عرفت كل أنواع الجريمة والفساد إلى سوق أصبح يجذب الآلاف من السياح وغير حياة العديد من الأسر البسيطة، لم أعرف كيف كانت الحياة فيه قاسية إلا حين تركته وعدت لأجده تحول إلى معلم... فخور بحيي".


دلالات
المساهمون