الحظر يضع الاقتصاد الروسي في "عين العاصفة"

29 ابريل 2014
جانب من الحي التجاري وسط موسكو
+ الخط -

يعد الحظر المالي الأخير، الذي طبقته الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية على روسيا أمس الإثنين، حظرًا محدودًا وشكليًا، مقارنة بالحظر المالي الذي طبق على إيران أو حتى كوبا. ولكن رغم ذلك، فهنالك مخاوف واسعة من أن يدخل الاقتصاد الروسي في ركود عميق خلال العام الحالي. والسبب كما يقول اقتصاديون غربيون "يعود في جزء كبير منه إلى ضعف الاقتصاد الروسي، وليس إلى الحظر في حد ذاته". ويقدر حجم الاقتصاد الروسي بحوالى تريليوني دولار، كما تقدر السوق الروسية بحوالى 350 مليار دولار.

ويعتمد الاقتصاد الروسي على الموارد الطبيعية، خاصة الثروة النفطية والغاز الطبيعي، وبالتالي يعد ضربه أمرًا سهلًا إذا أرادت الدول الغربية فعل ذلك. وحسب تقديرات الاقتصادي روبرت كاهن، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإنه حتى هذه العقوبات المحدودة التي طبقها الغرب، كلفت الاقتصاد الروسي ثمناً باهظاً. فالأسهم الروسية فقدت 9% من قيمتها، كما أن العملة الروسية الروبل فقدت قرابة 10% من قيمتها. وتدهورت قيمة الروبل الروسي، رغم أن المصرف المركزي الروسي يتدخل يومياً في أسواق الصرف ورفع سعر الفائدة مرتين لحمايته، حيث رفع سعر الفائدة من 6.5% إلى 7.% ومن 7.0% إلى 7.5% منذ بداية الأزمة الأوكرانية.

وعلى صعيد هروب الأموال، قدر مسؤولون أميركيون حجم الأموال التي هربت من روسيا خلال الربع الأول فقط بنحو 60 مليار دولار. والتوقعات تشير إلى أن حجم الأموال التي ستهرب من روسيا خلال العام بأكمله ربما تصل إلى 180 مليار دولار. وذلك حسب تقديرات صتدوق النقد الدولي.

وعلى صعيد الديون الخارجية، يقول الاقتصادي، أندريه أوسلند، الزميل في معهد "بيتر إنستتيوت" في واشنطن، إن اجمالي الديون الروسية الخارجية بلغت 732 مليار دولار، بينها 128 مليار دولار ديون على المصارف المملوكة للدولة و164 مليار دولار للشركات الحكومية و80 مليار دولار ديون خارجية على الحكومة. وهذه الأرقام الأخيرة حتى أكتوبر/ تشرين الماضي.
ورغم أن لدى روسيا احتياطياً أجنبيًا يقدر بنحو 477 مليار دولار. إلا أن هذا الاحتياطي سيتآكل سريعاً إذا طُبق حظر مالي شامل على روسيا شبيه بالحظر الذي طبق على إيران. وذلك لأن خدمة الديون واحتياجات دعم الروبل واحتياجات الاستيراد ستقضي على هذا الاحتياطي المالي.
ولكن الاقتصادي روبرت كاهن يعتقد أن نتائج حظر مالي شامل على روسيا، ستكون سريعة ومدمرة مقارنة بكل من إيران وكوبا، لأن الاقتصاد الروسي متكامل وشديد الارتباط بالأسواق المالية العالمية ،مقارنة بالاقتصاد الإيراني المعزول في جزء كبير منه عن الأسواق العالمية، والاقتصاد الكوبي المعزول كلياً عن أسواق المال العالمية. ويلاحظ أن ايران أعتمدت بدرجة كبيرة على "السوق السوداء"، معتمدة في ذلك على جيرانها الذين تربطها بهم علاقات دينية وتجارية مثل العراق التي أصبحت تحت حكم الشيعة وتركيا التي تربطها علاقة امداد الطاقة ومنافذ استثمارية وتجارية في دبي وسلطنة عمان.  أما في حال روسيا، فليس امامها سوى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً التي أصبحت دول مستقلة ومعظمها ترتبط باوروبا الغربية  وتكره عودة السيطرة الروسية.
في مقابل هذه الحقائق، يقول الرئيس فلاديمير بوتين، في خطابه الذي استمر لساعات في التلفزيون الروسي قبل أسبوعين، إن الغرب ينظر إلى روسيا على أنها دولة قوية مترامية الأطراف، وتملك مقومات النمو الاقتصادي، ويريد بالتالي تفتيتها إلى قطع صغيرة.

ولكن الأرقام الاقتصادية تقول إن هذا المنظور غير صحيح، ومن الواضح أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا ترغب في ضرب الاقتصاد الروسي بقوة. وحتى الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس أوباما وزعماء المجموعة الأوروبية أمس، تعتبر إجراءات حظر متواضعة جداً مقارنة بالحظر المطبق على إيران. وربما تكون الولايات المتحدة عبر استهداف الدائرة الداخلية للرئيس بوتين وبعض الشركات التي يملكها أصدقاء ومقربون من الرئيس بوتين، سعت إلى تحقيق هدفين.

الهدف الأول هو الضغط على هؤلاء المقربين من بوتين، حتى يتمكنوا من إقناعه بعدم المضي قدماً في احتلال أوكرانيا أو التفكير في ضم شرق أوكرانيا والتراجع تدريجياً عن هذه الخطوات، وثانياً الضغط على الاقتصاد الروسي حتى يشعر المواطن الروسي بالمخاطر التي ستجلبها طموحات الرئيس بوتين عبرسياسات التوسع في الدول الصغيرة أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي أصبحت الآن دولاً مستقلة.
وحسب الدروس التاريخية من الصعب أن يتمتع رئيس ما، بشعبية واسعة في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الولايات المتحدة سعت إلى إضعاف شعبية بوتين في الشارع الروسي.
ويقول اقتصاديون وعلى رأسهم البروفسورةفي جامعة هارفارد الاميركية ميغان أو سوليفان أن أسهل طريقة لضرب الاقتصاد الروسي، هو ضرب أسعار النفط. ويذكر أن روسيا بنت ميزانيتها للعام 2014، على اساس سعر للبترول يبلغ 110 دولارات للبرميل.
ولو كانت أميركا تستهدف تدمير روسيا، لكانت طبقت حظرًا ماليًا شاملًا عليها منذ بداية الأزمة الأوكرانية وعقب ضم شبه جزيرة القرم. ولكانت الولايات لجأت مباشرة إلى ضرب العوائد النفطية التي يعتمد عليها الدخل الحكومي. إذ لا تزال روسيا تعتمد في 50% من دخلها على النفط والغاز الطبيعي. ويشكل النفط نحو 38% والغاز الطبيعي نحو 12%. وبالتالي فإذا كانت الولايات المتحدة ترغب فعلاً في تفتيت الاتحاد السوفييتي، لذهبت مباشرة إلى ضرب روسيا في قطاع النفط والغاز الطبيعي. فهي تملك القدرة على ضخ كميات من النفط في الأسواق العالمية من الاحتياطي الاستراتيجي ، كما أنها تستطيع أن ترفع الحظر على تصدير النفط الأميركي الى الاسواق العالمية. وهي خطوة لها انصار في الكونجرس ووسط دوائر الصناعة النفطية في اميركا.
وفي ذات صعيد استخدام سلاح النفط، بامكان أميركا أن تطلب من أصدقائها في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وعلى رأسهم السعودية ضخ  فائض الطاقة الإنتاجية في الأسواق. ومعلوم أن لدى السعودية طاقة إنتاج تقدر بحوالى 12.6 مليون برميل يومياً، ولكنها لا تنتج حالياً إلا 9.6 مليون برميل يومياً.

أما من ناحية النمو الاقتصادي، فتشير تقديرات مصرف "جي بي مورجان " إلى أن اضطرابات شهر مارس/آذار فقط، خفضت توقعات النمو الاقتصادي في روسيا بحوالى 2% خلال العام الحالي. وحسب المصرف الأميركي "في الربع الأول من العام الجاري فقط،  انكمش الاقتصاد الروسي بحوالى نصف نقطة. ويشير سيناريو المخاطر الذي رسمه المصرف الدولي للاقتصاد الروسي إلى أن إجمالي الناتج المحلي سينكمش بنحو 1.8% في العام 2014.

أما صندوق النقد الدولي ومعهد التمويل العالمي فقد رسما سيناريو أكثر تشاؤماً لمستقبل الاقتصاد الروسي. حيث توقعا في دراسة ستصدر قريباً أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنحو 4.0% هذا العام، وأن تتراوح الأموال التي ستهرب من روسيا في نهاية العام بمبالغ تتراوح بين 150 و180 مليار دولار.    

وعلى الصعيد المالي، يقول اقتصاديون أن روسيا لا تستطيع تحمل حظر مالي شامل على تعاملاتها المالية. ففي اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي عقدت في واشنطن منتصف الشهر الجاري، أثير السؤال حول ما إذا كانت الدول الغربية ترغب في تدمير روسيا بشكل سريع. وكان الرد لا، لأن تدمير روسيا سيعني مخاطر أمنية للدول الغربية، أكثر من مخاطر بقاء بوتين على رأس روسيا الموحدة.
ويعتقد بعض المسؤولين الروسيين أن روسيا سترد على احتمالات الحظر، عبر استثمار الشركات الروسية في روسيا إذا امتنعت الشركات الغربية. كما أن روسيا ستبني نظامها المالي الخاص بالدفع إذا حظرت مالياً. ولكن هذه مجرد أوهام كما يقول الاقتصادي آسلاند، "في الواقع لا أحد في العالم سيقبل بطاقات ائتمان روسية معزولة عن النظام المالي وسيلةً للدفع وتسوية الحسابات، إذا حظرت روسيا مالياً".

 

المساهمون