العقوبات الاقتصادية على روسيا: تهويل أم زلزال عالمي؟

07 مارس 2014
التهديدات المتبادلة بين روسيا وأميركا وأوروبا زلزال اقتصادي
+ الخط -

منذ انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وقّع الطرفان العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي توحي بأن كلا القطبين يحاولان نسيان ماضي النفور بينهما. إلا أن تحوّل الولايات المتحدة إلى القطب الاقتصادي الأضخم في العالم، لم يخفض من الطموحات الروسية إلى إعادة التوازن الاقتصادي مباشرة حيناً، وعبر المداخل السياسية أحياناً.

كثيرة هي المؤشرات الدالة على أن روسيا لم تخرج من حلمها السوفييتي، وكثيرة هي المؤشرات الدالة على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتسلل خارج الحلم الأمريكي عاماً بعد عام.

تقدم وتراجع

وفق تقرير"يورومونيتر" في نهاية العام الماضي، بيّنت الاتجاهات الاقتصادية أنه بحلول عام 2017، ستحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً من حيث كبر الاقتصاد، لتطيح بذلك الولايات المتحدة الأمريكية عن العرش الاقتصادي.

أما روسيا، فهي تتقدم بخطى حثيثة، بحيث ستحتل في عام 2016 المرتبة الخامسة كأكبر اقتصاد عالمي، مطيحة الاقتصاد الألماني.

وخلال خطوات التقدم والتدهور، ها هو رأس الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا يعود ليطل على العالم، مع تصاعد الأزمة الأوكرانية – الروسية، بحيث عادت الدول إلى الانقسام بين طرفين، طرف داعم لأوكرانيا وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في العلن وألمانيا في الخفاء، وطرف روسي يحاول أن يصوّر الحرب الاقتصادية المعلنة ضده، حرباً دونكيشوتية، لا تؤثر على روسيا ولا على اسواقها.

تأثير العقوبات

ومع تصاعد حدة الخلافات، هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل، جاء الرد الروسي بأن العقوبات ستـُرَدّ بعقوبات مضادة، فإلى من تميل كفة الميزان؟ ومن هو الخاسر الأكبر في ملعب الاقتصاد؟

يؤكد الواقع الاقتصادي أن السير بالعقوبات سيطيح عدداً كبيراً من الاستثمارات المشتركة بين روسيا من جهة والاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة أخرى، إذ تستورد روسيا، حسب وزير الخارجية الهولندي، فرانز تيمرمانس، من الاتحاد الأوروبي سلعاً بحوالي 170 مليار دولار سنوياً، في حين يبلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في روسيا حوالي 13 مليار دولار. في المقابل، يستورد الاتحاد الأوروبي من روسيا سلعاً بحوالي 293 مليار دولار، ويبلغ حجم الاستثمارات الروسية في الاتحاد حوالي 10 مليارات دولار.

وتعتبر روسيا ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة والصين، لا بل إن حوالي 75 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلد الشيوعي السابق مصدرها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

خسائر متبادلة

من جهة أخرى، روسيا تزود أوروبا بربع حاجاتها من الغاز، ونصفها يتم ضخه بواسطة الأنابيب التي تعبر أوكرانيا، كما أن العلاقة النفطية تقوم على علاقات وثيقة بين شركات النفط والغاز الروسية والأوروبية.

مثلاً، يقول تقرير صدر على موقع "سي إن إن" إن شركة الطاقة البريطانية "بي بي" ستتأثر كثيراً بأي تحرك من جانب موسكو للاستيلاء على الأصول الغربية. وتعتبر "بي بي" ثاني أكبر مساهم في الشركة النفطية الروسية الضخمة "روسنفت". وأسهم الشركة عانت الكثير يوم الإثنين الماضي بعد تصاعد أزمة أوكرانيا.

وكذلك الحال بالنسبة إلى شركة "فورتيم" الفنلندية، التي تمتلك اعمالاً واسعة النطاق في روسيا، وهي تستثمر مع شركات فرنسية وهولندية في مشروع مشترك مع شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم".

والتأثيرات تتعدى الطاقة إلى صناعات عديدة، منها التخمير وصناعة السيارات وتجارة التجزئة. فمجموعة "كارلسبرغ" ومقرها الدنمارك لديها 10 مصانع للجعة في روسيا وتسيطر على 39٪ من السوق المحلية.

أما في مجال صناعة السيارات، فشركتا رينو ونيسان لديهما تحالف مع "اوتوفازو" الروسية.

العلاقات الأمريكية الروسية

وحال الشركات الأوروبية تنسحب على الشركات الأمريكية. فشركة اكسون موبيل لديها أعمال عديدة في روسيا، وشركة ماكدونالدز تدير أكثر من 400 مطعم في جميع أنحاء روسيا، وشركة بيبسيكو تملك مصانع محلية لمنتجات الحليب وشركة لأغذية الأطفال.

كذلك تتعاون الشركات الأمريكية مع المؤسسات الروسية في اطار مشاريع إطلاق الأجهزة الفضائية وإنتاج محركات الطائرات وتصميم نماذج جديدة من الطائرات. وتبدي شركة " بوينغ" أكبر نشاط في هذا الميدان. وتنص الاتفاقية الموقعة بين وكالة الفضاء الروسية و"بوينغ" على توسيع التعاون في تنفيذ البرامج الفضائية ومجال صناعة الطائرات.

ويزداد نشاط شركة "جنرال الكتريك" في السوق الروسية. 

هذا جزء قليل من الاستثمارات، إلا أن التبادل التجاري بين أوروبا وأمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى له واقع آخر. واقع يقول إن روسيا ستكون الخاسر الأكبر في هذا المضمار، فهي اضافة الى انها ستخسر اسواق تصريف انتاجها، ستخسر ايضاً أسواقها النفطية الضخمة في أوروبا.

وبمطلق الأحوال، تقوم العلاقات الاقتصادية على منافع متبادلة، منافع ستجعل من العقوبات مجرد ورقة تهويل، إن تم السير بها ستشكّل زلزالاً اقتصادياً سيضرب العالم بأسره، ولن يرحم بطبيعة الحال لا الاقتصاد الروسي ولا الدول الأوروبية المتهالكة ولا السوق الأمريكية التي تتلقى صدمات اقتصادية متتالية.

المساهمون