براءة مبارك ورجاله تمنع عودة الأموال المهربة للخارج

26 يناير 2015
براءة مبارك عطلت استرداد الأموال المهربة (الأناضول)
+ الخط -
واجهت مصر عدة عقبات أفشلت مساعيها من أجل استرداد الأموال المهربة، كان في مقدمتها ضعف الإرادة السياسية وعدم صدور أحكام قضائية نهائية تدين الرئيس المخلوع حسني مبارك، أو نجليه علاء وجمال أو رموز نظامه.
وقال رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة الأسبق، المستشار رفعت السيد، لـ"العربي الجديد" إنه لا يوجد حكم نهائي حتى الآن على أي من رموز مبارك في قضايا تهريب أموال للخارج، وبالتالي لا يجوز المطالبة باسترداد الأموال المهربة للخارج.
وأضاف أنه لا يمكن استرداد هذه الأموال عقب صدور أحكام البراءة لمبارك ونجليه وحسين سالم من قضايا الفساد المالي، حيث بات الأمر مستحيلاً في الوقت الحالي‏. ‏
وأوضح السيد، أن ما تم في ملف استرداد الأموال المهربة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن مجرد إجراءات روتينية، عبر التحفظ على الأموال المهربة داخل بعض الدول الأوروبية حتى يتسنى لمصر استعادتها بعد صدور أحكام نهائية، حسب شروط هذه الدول.
وكانت المصارف المصرية قد جمدت أرصدة أكثر من ٧٥ شخصية بارزة من قيادات نظام مبارك، بعد مخاطبة رسمية من قبل النائب العام المصري، أما الطلب الذي أرسلته السلطات المصرية إلى عدة بلدان حول العالم لتعقب ثروة مبارك، فقد أثمر عن تجميد 520 مليون دولار أو نحو 700 مليون فرنك سويسري في مصارف سويسرا، بالإضافة إلى مبالغ أخرى في مصارف مختلفة حول العالم لا يمكن إحصاؤها بسبب الغموض الذي يكتنف الحسابات والأرصدة التابعة للرئيس المخلوع وعائلته وشركائه.
وشكل المجلس العسكري أول لجنة قضائية لاسترداد الأموال بعد ثورة يناير بأسابيع قليلة برئاسة رئيس جهاز الكسب غير المشروع مساعد وزير العدل، عاصم الجوهري، وعضوية مستشارين اثنين فقط، ثم تولى رئاسة اللجنة يحيى جلال بمجرد توليه رئاسة جهاز الكسب غير المشروع خلفاً للجوهري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، وبعدها تم إسناد المهمة إلى إبراهيم الهنيدي الذي تولى رئاسة جهاز الكسب غير المشروع في يوليو/تموز 2013 خلفاً لجلال، ثم أسند الهنيدي مهام إدارة اللجنة الى رئيس هيئة الفحص والتحقيق بجهاز الكسب غير المشروع، أحمد ذهني في أكتوبر عام 2013، وظلت اللجنة معطلة حتى أصدر رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب قراراً بتشكيل لجنة جديدة برئاسة وزير العدل محفوظ صابر، و9 أعضاء أبرزهم رئيس جهاز الكسب غير المشروع يوسف عثمان.
وحسب رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة الأسبق، فإن السلطات المصرية لم تتحرك بالشكل المناسب لاستعادة الأموال المهربة للخارج، ولا يوجد تقدير دقيق يحصي تلك الأموال، لكن السلطات المصرية بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي توصلت إلى تقديرات مبدئية بنحو 1.5 مليار مليار دولار فقط تم تهريبها من مبارك و18 من رموز نظامه.
وتباينت التقديرات في مصر حول حجم الأموال المهربة، التي لم تسترد منها دولاراً واحداً حتى الآن.
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، لـ"العربي الجديد"، إن التقديرات اختلفت حول ما تم تهريبه خلال الثلاثين عاماً في حكم مبارك، فقد قدرتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب عام 2012، في عهد حكم الرئيس المعزول محمد مرسي قبل أن يطيحه الجيش، بنحو 134 مليار دولار، إلا أن خبراء أكدوا عدم معقولية هذا الرقم، وقدروه بحوالي 70 مليار دولار فقط.
وأشار إلى أن ما ثبت هو رصيد في حساب مبارك بالبنك المركزي المصري باسمه، (رغم عدم قانونية هذا الإجراء) وكان فيه نحو 4.5 مليارات دولار، ووصل إلى نحو 9 مليارات دولار نتيجة إضافة الفوائد إليه، وهذا المبلغ تمت مصادرته بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 105 لسنة 2013.
وأوضح عبد المطلب أنه وفقا لتصريحات اللجنة المصرية المكلفة باستعادة الأموال المهربة، فإن مصر نجحت في تجميد بعض الأموال التي هربها مبارك في كل من سويسرا وبريطانيا، إلا أنه أصبح من حق مبارك بعد أحكام البراءة، طلب إلغاء تجميد أرصدته في المصارف الأوروبية، بل وسحبها ووضعها في مصارف وأماكن أخرى.
وأضاف أن مصر وتونس تقدمتا في وقت متأخر في محاولة لتعويض ما فاتهما لاسترداد الأموال المهربة في سويسرا والمصارف العالمية، لكن هذه الخطوات لم تكلل بالنجاح، لأنها لم تكن مستوفية لشروط التقاضي والإجراءات القانونية المطلوبة طبقاً للنظام السويسري، وعندما تم تشكيل اللجنة القضائية الرسمية لاستعادة الأموال المصرية المهربة للخارج واستعانت ببعض الخبراء الدوليين في هذا المجال تمكنت فقط من تجميد بعض الأموال.
وطالب عبد المطلب الحكومة الكشف عن قواعد تشكيل لجان استرداد الأموال التي لم تفعل شيئاً حتى الآن.
وأضاف أن الغرب حالياً يعيد النظر في تقييمه للربيع العربي، ويعمل على إعادة الأنظمة الفاسدة إلى الحكم مرة أخرى لأنها كانت الأفضل بالنسبة لهم في تحقيق مصالحهم، وهذا ما حدث في الانتخابات التونسية، وما تشير إليه الدلائل في الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، حيث أصبح هناك اعتقاد راسخ لدى المصريين في عودة نظام مبارك وحصوله على نسبة كبيرة جداً في البرلمان المقبل، وهو ما أثر سلباً على جهود استرداد الأموال المنهوبة.
وعلى الصعيد الشعبي تم تشكيل اللجنة الشعبية لاستعادة الأموال المهربة بالخارج، وبالفعل قامت بعدة جولات أوروبية، عقب ثورة يناير،إلا انها لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز في عهد المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي آنذاك، ثم تراجع دور اللجنة في عهد مرسي بسبب تولي د. محمد محسوب منصباً وزارياً في حكومة هشام قنديل السابقة، واعتماد النظام في هذا الوقت على اللجنة الرسمية التي لم تحقق شيئاً أيضاً.

وأوضح عبد المطلب أن من عوامل الإخفاق أيضاً عدم تمكن الدول التي قامت فيها الثورات من إثبات جرائم الفساد أو تتبعه، وعدم وجود تنسيق بين الجهود الشعبية والحكومية.
وقال أستاذ القانون الدولي وعضو اللجنة القانونية لاسترداد أموال مصر المنهوبة السابق، حسام عيسي، لـ"العربي الجديد"، إن عملية استرداد الأموال المهربة باتت مستحيلة في الوقت الحالي، مؤكداً أنه لم تتوافر إرادة سياسية حقيقية لاسترداد الأموال المهربة من كل الأنظمة التي حكمت البلاد عقب ثورة يناير.
وأضاف عيسى أن تصريحات أعضاء لجنة استرداد الأموال "وهمية" وأنها لم تتوصل إلى شيء، وأن تلك التصريحات الصادرة عنهم جاءت لتبرير الرحلات الخارجية التى يقومون بها من وقت لأخر بالدول الأجنبية.
وأكد أنه كان الأولى إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد وفقاً لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003، والتي لابد من التوافق مع بنودها لاسترداد الأموال خارجياً.
وأفلت عدد من رموز مبارك من ضغوط عليهم لاسترداد أموالهم، ومنهم رجل الأعمال المصري حسين سالم الذي هرب عقب اندلاع ثورة يناير، وتقدر تقارير غير رسمية ثروته، بنحو ملياري دولار، جاء معظمها من صفقات بترول مشبوهة أبرمها مع الاحتلال الاسرائيلي ابان حكم مبارك ، ويحتفظ بالجزء الأكبر منها في الخارج، ورفضت المحاكم الإسبانية تسليم سالم إلى مصر.
وكان النائب العام المصري قد أصدر قراراً منذ أكثر من عام ونصف عام، بمنع سالم وزوجته نظيمة عبد الحميد، ونجليه خالد وماجدة، وأحفاده، من التصرف في أموالهم، ثم برأته محكمة مصرية مؤخراً .
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، قررت سويسرا إعادة تجميد مئات الملايين من الدولارات من أموال النظام المصري السابق، لمدة ثلاث سنوات لتنتهي في فبراير/شباط 2017، بسبب ما قالت إنه " فشل للسلطات المصرية في الوصول إلى الملفات القانونية ذات الصلة بالإجراءات الجنائية السويسرية ضد أعضاء عائلة مبارك في ضوء عدم الاستقرار السياسي، وينص القانون السويسري على ضرورة أن يتم تقديم إثبات مبني على تحقيقات قضائية على أن الأموال الموجودة في الحسابات هي نتيجة جرائم أموال.
وكان مساعد وزير العدل لشؤون الكسب غير المشروع، المستشار يوسف عثمان، أكد في تصريحات سابقة أن حصول مبارك ورموز نظامه على البراءة لن يؤثر على قضايا استرداد الأموال المهربة بالخارج، مضيفاً: "هذه الأموال ملك للشعب ولابد من استعادتها".
وأكد أنه تم إبرام اتفاقيات مع بعض دول الاتحاد الأوروبي باستمرار تمديد الأموال المهربة لنظام مبارك لحين صدور أحكام قضائية نهائية ضد المتهمين بالكسب غير المشروع وإرسال ما يفيد بذلك إلى تلك الدول.
وأشار عثمان إلى أن قطاع الكسب بالوزارة يُجري حالياً مفاوضات على عدة محاور للتواصل مع دول الاتحاد الأوروبي لتحريك الملف بخطوات سريعة، خاصة في الدول التي لم يعلن عن قيمة الأموال المهربة بداخلها، فضلاً عن إزالة العقبات التي تواجه الملف بشأن بعض القوانين الحاكمة في تلك البلاد واختلافها عن مصر، والتي تضع اشتراطات معينة بصدور أحكام باتة ونهائية ضد أصحاب تلك الأموال.
المساهمون