إن قرأتم تقريراً عن مدينة ملقة الإسبانية، قد لا يدفعكم ذلك للتفكير في زيارتها. فلماذا أزور مدينة تقع على شاطئ المتوسط، وهناك العشرات من المدن السياحية الأكثر شهرة؟ صحيح أن مناخها المعتدل قد نجده في أي مكان آخر، مياهها الدافئة، أو حتى مراكز التسوق ليست ميزة تنفرد بها المدينة.
ولكن لملقة، بحسب الزوار، سحر آخر قد لا نعيشه في مكان آخر. فهي مكان جيد للتأمل والتفكير، وفي الوقت نفسه، فهي مكان صاخب جداً في الليل، حيث تعج المقاهي والمطاعم بالزوار، وهي أيضاً مدينة المهرجانات اليومية. أضف إلى كل ذلك، يمكن زيارتها بالسفن، ولا داعي لشراء تذاكر طيران باهظة الثمن.
ملقة مدينة إسبانية قديمة توجد في جنوب البلاد، تقع وسط منطقة كوستا دل سول، وهي أهم ميناء إسباني بعد برشلونة. تحيط بها الجبال، كما يخترقها نهرا غوادالمدينا وغوادالهورسي. خلال 48 ساعة، يمكن صناعة ذكريات جميلة، وتجربة مغامرات غريبة أيضاً.
المدينة التاريخية
غالباً ما يسعى الزائر إلى التعرف على النمط الساحر في هذه المدينة، خاصة أنها تضم العديد من بقايا تاريخ غني بالآثار القديمة، وفي مقدمتها المسرح الروماني، الذي تم اكتشافه في عام 1951، ويعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد. إضافة إلى ذلك، تقدم النافذة، أو القصبة، وهي عبارة عن قلعة عربية، فهماً أعمق لماضي المدينة، وتاريخ حكمها من قبل العرب، إذ تم تشييد القلعة من قبل المغاربة في القرن الحادي عشر.
وهي واحدة من أكثر مناطق الجذب. تصفها المواقع الإلكترونية والجرائد العالمية، على غرار صحيفة "ذا غارديان"، بأن من يقصدها يدخل في نزهة تأملية.
مكان آخر مثير للدهشة هو قصر الأسقف، في الساحة أمام الكاتدرائية.
طبيعة وأكثر
ويطلق على ملقة لقب "مدينة الهواء الطلق"، مع ما تحتضنه من أميال من الشواطئ الرملية، والجبال الخضراء المحيطة. ينصح المسافرون عادة بزيارة محمية مصب نهر غوادالهورسي الطبيعية، إذ يجذب المكان أكثر من 200 نوع من الطيور المهاجرة (بما في ذلك البطة ذات الرأس الأبيض)، كذا تجذب الدلتا المكونة من فرعين من النهر، حيث يتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط، رواد السياحة الطبيعية.
وتعتبر النزهة بالدراجات الهوائية في أرجاء المدينة واحدة من أكثر الهوايات شعبية. وفي فترة المساء، يكتظ كورنيش باسيو ماريتيمو أنطونيو بانديراس بالزوار من جميع أنحاء العالم.
ولا تنتهي حدود السحر هنا، إذ تحديداً بعد 50 كلم شرق ملقة يتعرف الزائر على إحدى عجائب الدنيا، في قرية نيرخا، وما يميزها وجود كهف نيرخا Nerja Caves، وهي عبارة عن سلسلة من الكهوف الضخمة تحت الأرض تمتد لنحو 5 كيلومترات، وتضم أكبر مجموعة من الصخور الكلسية في العالم.
سحر الطعام
سبب آخر يدعو لزيارتها، إنه الطعام. تمتلئ منطقة ملقة بالكثير من المطاعم والأكشاك الصغيرة المختصة ببيع المأكولات، وفي مقدمتها مطاعم التاباس الرائعة. ما يميز سلسلة المطاعم هو إمكانية شراء المواد الطازجة وطهيها بأنفسكم، لأن المنطقة تضم أسواقاً واسعة للمواد الغذائية، على غرار سوق Mercado Central de Atarazanas، حيث يتنافس الباعة لتقديم الخضار والفاكهة الأندلسية. للحصول على تجربة سياحية حقيقية ومفعمة بالحياة، لا بد من خوض تجربة تناول مأكولات الشارع، خاصة وأن عروض الطهي لا تنتهي.
في الليل، يمكن أن ترى مئات العربات تصطف قرب الميناء، للتنافس وتقديم المأكولات التقليدية، كلحم الضأن المشوي، على وقع أصوات الموسيقى والرقص.
ولا يمكنك الاستمتاع بالإقامة في هذه المدينة دون أن تبدأ يومك مع أفضل فطور، وهو عبارة عن مخبوزات الشوكولاته، والتي تعد أشهر. وينصح أيضاً بتذوق آيس كريم التورون التقليدي بنكهات اللوز المحمص والقرفة والعسل.
مهرجانات وتسوق
يمكن لعشاق التسوق التوجه إلى سلاسل التسوق الدولية ومراكز التسوق والمتاجر المستقلة الأكثر غرابة في المدينة. يعد شارع Marqués de Larios ملاذاً لعشاق الموضة. هناك العديد من الشوارع الصغيرة والساحات التي تصطف على جانبيها المحلات التجارية لاكتشافها في المنطقة المحيطة أيضاً. وفي الكثير من مراكز التسوق، يمكن للزائر الاستمتاع بالنشاطات الترفيهية المثيرة، سواء المهرجانات الغنائية أو الفنية التي تحييها الفرق التقليدية.
حتى بعيداً عن التسوق، فإن فرصة التنزه في الشوارع العامة قد تكون مفيدة وجذابة أيضاً، لعدة أسباب، في مقدمتها الطابع الفني للشوارع، حيث تملأ صور الغرافيتي جدران المدينة.
وينصح دائماً بزيارة المدينة القديمة، لأنها توفر فرصة للتعرف على تاريخ الأندلس من جهة، وتوفر فرصة للاحتكاك بالسكان المحليين، وخاصة كبار السن، والاستمتاع إلى قصصهم.
ماذا تعرف عن اقتصاد ملقة؟
على الرغم من صغر مساحتها، واعتبارها مدينة شاطئية بامتياز، إلا أن ذلك لم يترك أثراً لاعتبارها مدينة ذات اقتصاد حيوي.
وتحتل ملقة المرتبة الرابعة بين المدن الإسبانية على صعيد النشاط الاقتصادي، حيث تسبقها فقط مدن مدريد وبرشلونة وفالنسيا، وتعد قطاعات السياحة، والبناء، والخدمات التكنولوجيا، من أكثر النشاطات التي تتميز بها المدينة.
إضافة إلى ذلك، هناك العديد من القطاعات الأخرى التي بدأت بالازدهار، وأبرزها قطاعا النقل والسوقيات (لوجيستيك)، وقد شهد معرض الأندلس التكنولوجي الواقع في المدينة نمواً ملحوظاً منذ افتتاحه عام 1992 من قبل ملك إسبانيا، ومنذ عام 2010 أصبح هذا المعرض مركزاً لـ509 شركات، ويوظف أكثر من 14 ألف شخص.
كذلك، تمكنت ملقة من حجز مكانتها على الخريطة السياحية، كما ساهم وجود مطار دولي في المدينة في تأمين الاتصال بينها وبين العالم، كما أن شبكات البنى التحتية المحدثة، بالإضافة إلى المرافق الثقافية الجديدة، كمتحف بيكاسو، ومركز الفن المعاصر ومركز المؤتمرات، ساهمت بدورها في جذب عدد أكبر من السياح إلى المدينة.
على الصعيد المالي، تضم المدينة العديد من فروع الشركات العالمية المتعددة الجنسيات كفوجيتسو، بويرنو ريكارد، وأوراكل، وإيبكوس، وأكانتور، وهذا ساعد في تحسين معيشة السكان الأصليين.
الأسعار في المدينة، إن لجهة الإقامة، أو تأمين الطعام والشراب، قد تكون متوسطة إلى مرتفعة قليلاً، بحسب الموسم السياحي. عادة في فصل الصيف، ترتفع الأسعار، وقد يصل سعر الإقامة في غرفة إلى 70 دولاراً أو 80 دولاراً، أما في فصل الشتاء، فيختلف الأمر، وتنخفض الأسعار إلى ما يقارب 10 دولارات.