الأردن: الحكومة خائفة من عودة الاحتجاجات المعيشية

27 مايو 2020
تراجع حاد لمستويات المعيشة (فرانس برس)
+ الخط -


يرجح مراقبون أن تواجه الحكومة الأردنية برئاسة عمر الرزاز، احتجاجات ضاغطة غير مسبوقة بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، وذلك بسبب التراجع الكبير في المستويات المعيشية والإجراءات التي اتخذتها لمواجهة وباء كورونا، بخاصة وقف زيادة رواتب العاملين في الجهاز الحكومي والتضييق غير المبرر على القطاعات الاقتصادية وحركة المواطنين، حسب نقابات وخبراء اقتصاد.

وباتت بعض القرارات الحكومية التي تتخذ بداعي مواجهة وباء كورونا، مزعجة ومستفزة للمواطنين كفرض حظر شامل على حركة المواطنين خلال عطلة العيد، وفقا للبعض ومنهم أحد أعضاء لجنة الأوبئة، عزمي محافظة، الذي عمل وزيرا للتربية والتعليم العالي سابقا، الذي وجه انتقادات حادة للإجراءات الحكومية المتخذة.

واعتبر محافظة أن بعض هذه الإجراءات ليس في محله. وقال في تصريحات قبل أيام إنه غادر لجنة الأوبئة لاعتراضه على بعض القرارات الحكومية المتخذة لمواجهة الوباء، بخاصة ساعات الحظر ومنع بعض القطاعات عن العمل حتى الآن.

وباتت النار تحت الرماد في ظل الإجراءات التقشفية الكثيرة التي قد تشعل الاحتجاجات بالشارع، خلال الفترة المقبلة.

وكانت الحكومة قررت تخفيض رواتب موظفي الدولة من الفئات العليا والوزراء ووقف صرف زيادة رواتب العاملين في الجهازين المدني والعسكري وتعطيل تنفيذ مشاريع استراتيجية بهدف تخفيض عجز الموازنة قدر المستطاع المقدر أن يرتفع إلى حوالي 2.8 مليار دولار العام الحالي بسبب تداعيات الأزمة.


وحسب معلومات من مصادر بمجلس الوزراء، فإن هناك خلافات طفت على السطح بين رئيس الوزراء عمر الرزاز، ووزير الصحة سعد جابر، الذي يبدي تشددا في إجراءات فرض الحظر الشامل على المواطنين.

وهدد وزير الصحة بالاستقالة إن تم تخفيف الإجراءات، فيما يميل رئيسه للحد من الإجراءات والتسهيل على المواطنين مع الالتزام بإجراءات السلامة العامة.

وبدأت خيوط الاحتجاجات تتشابك باستقالة مجلس إدارة نقابة الأطباء الأردنيين، اعتراضا على اقتطاع زيادة الرواتب من الأطباء، فيما حاولت الحكومة تهدئة غضبهم بإعلانها عن صرف مكافآت شهرية لهم تعادل قيمة زيادة الرواتب وسط إصرار النقابة على إلغاء قرار الحكومة.

وفي سياق متصل، أعلنت نقابة المعلمين أكبر النقابات المهنية في الأردن أنها تدرس الخيارات القانونية لإمكانية إلغاء القرار الحكومي بوقف صرف زيادة رواتب المعلمين والتي جاءت بعد احتجاجات العام الماضي تخللها إضراب شامل للمعلمين عن العمل استمر لمدة شهر.

وقال رئيس إحدى النقابات المهنية، رفض ذكر اسمه، إن النقابات لن تسمح باستثناء جهة دون أخرى من قرار وقف صرف زيادة الرواتب، مشيرا إلى أن الحكومة ستضع نفسها في مواجهة جديدة مع النقابات المهنية في حال اتخذت قرارات لصالح طرف دون آخر.


والأردن معرض لضائقة اقتصادية هي الأشد منذ الأزمة المالية التي ضربته نهاية الثمانينيات، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا التي أثرت سلباً على التمويل الخارجي، وارتفاع النفقات لمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الفيروس.

وكشفت تصريحات وزير المالية الأردني محمد العسعس، التي أدلى بها، أخيرا، عن حجم الأزمة، بعدما أعلن عن انخفاض الإيرادات المحلية بقيمة 849 مليون دولار حتى نهاية نيسان/إبريل، متوقعاً انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4%".

وما زاد من حجم الأزمة أن أسواق التمويل العالمية كبحت المساعدات والقروض، فيما تسعى الحكومة للمحافظة على الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي والصحي.

رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب الأردني، خيرو صعيليك، قال لـ"العربي الجديد" إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها الأردن كباقي دول العالم فرضت حالة خاصة من التعامل مع جائحة كورونا والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنها، حيث تراجعت الإيرادات المحلية وفقا للبيانات الحكومية التي تصدرها وزارة المالية شهريا.

وأضاف صعيليك أن تلك الظروف ولّدت حالة ضاغطة على الاقتصاد الأردني، حيث إن تعطيل العمل في القطاعين العام والخاص له كلفة عالية على المواطنين ومختلف القطاعات بشكل عام، لا سيما وأن الموازنة تعتمد في تمويلها على الضرائب والرسوم أولاً.

وتابع صعيليك أن على الحكومة مواصلة الجهود لإعادة الحياة العامة كما كانت، مع التركيز على متطلبات السلامة العامة والوقاية الصحية، وذلك لتسيير الوضع الاقتصادي وتقليل الآثار السلبية على القطاعات المختلفة والمواطنين، إضافة إلى إمكانية ضخ سيولة في السوق من خلال منح مزيد من التسهيلات البنكية وضرورة تعاون المصارف في هذا السياق.

وأشار إلى أهمية تسهيل إجراءات منح القروض للقطاعات الاقتصادية المتضررة من الأزمة ودعم أسعار الفائدة لتمكينها من تجاوز الظروف الراهنة التي تمر بها.

وأعلن صندوق النقد الدولي الخميس الماضي عن موافقة مجلسه التنفيذي على تقديم تمويل فوري إلى الأردن، ضمن إطار أداة التمويل السريع" (RFI)، وذلك لتلبية الاحتياجات الفورية لميزان المدفوعات الناشئة عن جائحة فيروس كورونا المستجد. وتتضمن هذه الأداة تمويلاً منخفض الفائدة بما يعادل حوالي 396 مليون دولار.

وأشاد نائب المدير العام، رئيس مجلس صندوق النقد بالإنابة، ميتسوهيرو فوروساوا، بجهود الأردن الاستباقية لحماية سلامة مواطنيه من خلال إعطاء الأولوية للجهود الصحية والتخفيف من انتشار فيروس كورونا، بما في ذلك وضع إجراءات صارمة لحظر التجول.

وقال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد" إن الاحتجاجات ضد الحكومة عادت للتدحرج مجددا، بعد توقفها لمدة ثلاثة أشهر بسبب انصراف الاهتمامات لمتابعة الجائحة والإجراءات الحكومية المتخذة في هذا السياق. 


وحسب تقديرات عايش فإن الاحتجاجات هذه المرة ستتخذ طابعا مؤسسيا بالدرجة الأولى حيث ستقوم بها بعض النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى تفاعل المواطنين معها بسبب تراجع مستويات المعيشة وخسارة الآلاف فرص العمل مع عودة أعداد كبيرة من الأردنيين العاملين في الخارج، بحسب ما أعلنته الحكومة.

وأشار إلى وجود استحقاقات دستورية تتمثل في إجراء الانتخابات النيابية هذا العام، ما قد يعجل برحيل الحكومة في حال رأى الملك عبد الله الثاني حل مجلس النواب قبل انتهاء مدته الدستورية بعدة أشهر، حيث ينص الدستور الأردني على استقالة الحكومة التي تحل البرلمان والذي يشمل مجلس النواب المنتخب مباشرة من قبل الشعب ومجلس الأعيان المعين من قبل الملك.

وربما يكون، بحسب عايش، حل مجلس النواب والدعوة لإجراء الانتخابات وبالتالي حل الحكومة المخرج للأزمة التي يرجح أن تواجهها الحكومة بعد عيد الفطر.

يشار إلى أن الأردن شهد احتجاجات ضد الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي، في مايو/أيار من العام 2017 أدت إلى إقالة الحكومة بسبب رفع الأسعار وزيادة الضرائب.

المساهمون