عيد "سعيدة" الحزين

05 أكتوبر 2014
عيد نساء مصر مختلف (أرشيف/ getty)
+ الخط -
لا تملك السيدة "سعيدة" من حطام الدنيا إلا منزلها الذي تدفع له إيجاراً زهيداً في ما يعرف بـ"الإيجار القديم"، ومعاش زوجها الموظف البسيط المتوفي، لكنها رغم ذلك كافحت وأنفقت على ابنها الوحيد حتى صار طبيباً.
"سعيدة" كان لها من اسمها نصيب، فالابن بار بأمه يرعاها وينفق عليها، ناجح في عمله، تزوج من فتاة طيبة وأنجب طفلاً وطفلة، باتوا أجمل ما في حياة الجَدة.
فجأة انقلبت حياة السيدة المصرية العجوز رأساً على عقب، اعتقل ابنها الطبيب الشاب النابه بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة جماعة إرهابية، رغم أنه لا ينتمي إلى الجماعة، وحَكم قاضٍ، كان سابقاً ضابط شرطة، عليه بالسجن خمسة عشر عاماً بتهم، منها التظاهر بدون ترخيص.
يأتي العيد عليها مختلفاً عن أعياد سابقة، كانت معتادة أن تجهز طيلة الأيام السابقة على العيد لابنها وحفيديها ما يحبون من المخبوزات والحلوى المنزلية، وأن تنتظرهم يوم وقفة العيد للإفطار معها عند أذان المغرب، كانت تقتصد في نفقاتها لتوفر بعض المال الذي تستخدمه في تجهيز ما يحبون لطعام إفطار الوقفة، كانت تجهزه على مدار عدة أيام بحب كبير.
يبيتون معها ليلتهم، ثم يستيقظون جميعاً فجراً، يذهبون لصلاة الفجر ثم صلاة العيد، ثم تقضي معهم يومها كله.
اليوم عيد، لكنه عيد مختلف، فالفرحة غائبة، وصانع الفرحة خلف الأسوار حبيساً بتهمة لم يرتكبها، وجرم لا علاقة له به.
وبعد أن كانت تقضي أياماً قبل العيد في تجهيز ما لذ وطاب للعائلة، قضت أيامها الماضية تجهز طعاماً أيضاً، لكن لتحمله إلى ابنها السجين، إن سُمح لها بزيارته، عسى أن يخفف عنه في محبسه، أو يدخل بعض الفرحة على قلبه.
لكن أزمة كبيرة تعيشها السيدة، فمعاش زوجها يكاد لا يكفي مصروفاتها، ولا يفي بتوفير الدواء لأمراض أصابتها جراء تقدم العمر، وراتب ابنها الطبيب توقف عقب إدانته قضائياً، فباتت مسؤولة أيضاً عن مصروفات أطفاله.
تقضي "سعيدة" وقتاً طويلاً في تدبير الأمور المعيشية، وتقسيم المال المحدود الذي تملكه مع راتب زوجة ابنها البسيط، على الأعباء الحياتية، وقد زاد غلاء الأسعار خلال العام الأخير الأعباء أعباء والهم هموما.
لم تعد "سعيدة" سعيدة، فكل مباهج الحياة غائبة، الابن الوحيد مغيب في السجن، وأطفاله تعجز هي عن الوفاء بمتطلباتهم، والجيران لا يرحمونها من نظرات سخيفة، رغم سنوات معرفتهم بها.
لكنها رغم كل ذلك راضية، تنتظر أن تعود الأمور إلى نصابها.
دلالات
المساهمون