تركيا تتمسك بعدم رفع جديد للحد الأدنى للأجور ومخاوف عمالية من زيادة الفقر

17 يوليو 2024
ارتفع حد الفقر للأسرة إلى 65874 ليرة شهرياً في يونيو/ إسطنبول 15 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

تفقد تركيا تباعاً الرفاهية والعيش الرغيد اللذين وعدت بهما الحكومة وكانا شعار خطتها الاقتصادية. فبعد كشف اتحاد العمال، أخيراً، عن ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة شريحة الفقر جراء ارتفاع الأسعار وتراجع سعر الصرف، عادت تُطرَح ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور بأوساط المعارضة وعاد الحصار على الحكومة التركية التي بتّت، على لسان وزير العمل، أنها لن ترفع الحد الأدنى للأجور، مرة ثانية هذا العام.

مدير أكاديمية الفكر في إسطنبول، باكير أتاجان، يرى أن زيادة الحد الأدنى للأجور لن تحل مشكلة تراجع مستوى المعيشة، بل ستضع الحكومة بدوامة التضخم المرتفع من جديد، فطرح أموال بالليرة بالسوق، لن يلجم ارتفاع الأسعار، بل ربما حصل العكس، كذلك سيحد من خطة كبح التضخم التي تسير عليها الحكومة، ولا بد من البحث عن طرق أخرى أجدى، تعود على المستهلك بالرفاهية من دون أن تعوق خطط الحكومة.

وعن الأساليب الممكنة لتحسين الواقع المعيشي، يضيف المحلل التركي أتاجان لـ"العربي الجديد" أنه يمكن دعم القطاعات المنتجة من الحكومة، وبخاصة الزراعة والصناعة، ما يخفض أسعار المنتجات النهائية في السوق الداخلية، ويزيد من الصادرات التي تأتي بالقطع الأجنبي، وقتذاك يتحقق هدفان في آن واحد: تحسين المعيشة، وإنعاش سعر الصرف. كذلك يمكن دعم حوامل الطاقة للمنازل بنسب أكبر، خصوصاً لشرائح المستهلكين الصغار.

ويشير أتاجان إلى أن "من حق المواطن أن يتمتع بأفضل سبل العيش الرغيد والرفاهية، ولكن من خلال حلول لا تنعكس سلباً عليه وعلى الليرة والخطة الاقتصادية التي بدأنا نلمس بعض نتائجها على الأرض، سواء لجهة جذب الاستثمارات الخارجية أو تراجع نسبة التضخم، ولو بنسبة قليلة"، مكرراً أن "رفع الحد الأدنى للأجور لن يحل المشكلة، بل سيسكّنها، معتبراً أن رفع الحد الأدنى للأجور مرتين، خلال العامين السابقين، ربما كان سبباً إضافياً لتراجع سعر صرف الليرة".

ارتفاع حد الفقر

وكان مركز أبحاث الطبقة العاملة التابع لنقابة العمال (BİSAM) قد كشف خلال تقريره الشهري لشهر يونيو/ حزيران 2024، ارتفاع حدود الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 19 ألف ليرة، بينما تجاوزت حدود الفقر 65 ألف ليرة، وللشخص الذي يعيش بمفرده، تجاوزت حدود الفقر 30 ألف ليرة. واعتمد المركز بتقريره على مجموعة من المعايير، بما في ذلك بيانات الإنفاق من معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، وأسعار المواد من عام 2003، وأسعار الخبز الشعبي في إسطنبول، وأسعار السوق الحالية، ليخلص المركز إلى أن تكلفة الحصول على تغذية صحية ومتوازنة، الذي يمثل حد الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد في يونيو 2024 نحو 19 ألفاً و44 ليرة، في حين يرتفع المبلغ إن أضفنا تكاليف التعليم والصحة والسكن والترفيه والتدفئة، وهو ما يمثل حد الفقر، إلى 65.874 ليرة تركية للأسرة ذاتها. أما حد الفقر لشخص يعيش بمفرده، فقدر المركز التكاليف الشهرية اللازمة لتغذيته الصحية وتلبية احتياجاته الأخرى مثل السكن والنقل والتعليم والصحة بنحو 30 ألفاً و604 ليرات على الأقل.

يُذكر أن تقرير شهر مايو/ أيار الماضي أشار إلى أن حد الفقر بلغ 63 ألفاً و955 ليرة، وحدّ الجوع 18 ألفاً و489 ليرة، ما يظهر استمرار الزيادة في تكاليف المعيشة بعد أرقام أول من أمس، التي أصدرها اتحاد العمال وارتفاع حدود الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 19 ألف ليرة، وحدود الفقر إلى 65 ألف ليرة، وللشخص الذي يعيش بمفرده، تجاوزت حدود الفقر 30 ألف ليرة.

ورغم مطالبة الأحزاب المعارضة، بل وحليف الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، رئيس حزب "الحركة القومية"، دولت بهشلي، زيادة الحد الأدنى لأجور العمال في القطاع الخاص، الشهر الجاري، إلا أن الحكومة التركية بتّت بالأمر وأعلنت على لسان وزير العمل، فيدات اشكيهات، أنه لن يكون خلال عام 2024 زيادة ثانية على أجور القطاع الخاص، كما حدث عامي 2022 و2023. فزيادة بنسبة 49% مطلع العام الجاري، ورفع الحد الأدنى من 11,402 ليرة إلى 17,002 ليرة، برأي الحكومة يكفي، ولا بد من تحسين مستوى المعيشة من خلال تخفيض التضخم وتحسين سعر صرف الليرة.

وتعاني العملة التركية من تراجع مستمر أمام العملات الرئيسية، إذ سجلت اليوم 33.07 ليرة مقابل الدولار ونحو 36.07 مقابل اليورو، وسط مخاوف باستمرار تهاوي سعر الصرف، بواقع يصفه محللون بأنه متأزم على صعيد التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الإقبال السياحي الذي يعتبر العامل الأهم بزيادة المعروض النقدي الأجنبي وتحقيق توازن بالسوق، بعد ما يصفه مراقبون بزيادة نبرة العنصرية. 

الخطة الاقتصادية ترفع معدلات الفقر

ويتخوف أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير في إسطنبول، من عودة الحكومة والمصرف المركزي إلى رفع نسبة الفائدة خلال الاجتماع المقبل، بهدف تحسين سعر الصرف وامتصاص التضخم، الأمر الذي يزيد برأيه من تأزم الاقتصاد التركي، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن الأموال التي تجذبها تركيا، جراء رفع الفائدة، أموال مضاربة وتستثمر بالمصارف والبورصة، ولن تدخل باستثمارات حقيقية، ما يزيد المخاطر على الليرة بحال انسحابها بعد تخفيض سعر الفائدة.

كان المصرف المركزي التركي قد ثبّت، للشهر الثالث على التوالي، سعر الفائدة عند 50٪، وذلك في إطار خطة حكومية للتشديد النقدي من أجل مكافحة معدلات التضخم المرتفعة، لتنعكس ملامح الخطة الاقتصادية، ولو بشكل ضئيل، على نسبة التضخم، إذ تراجعت النسبة في يونيو/ حزيران إلى 71.6% بعد أن سجلت 75.45% في شهر أيار/ مايو الماضي.

من جهته، يقول الاقتصادي التركي، مسلم أوزجان: "إن الفقراء غير معنيين بتنفيذ الخطة الاقتصادية، ولتبحث الحكومة عن طرق أخرى غير زيادة نسبة الفقر، فالأرقام التي صدرت عن حد الفقر نحو أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور، كذلك نحو 40% من العاملين بالقطاع الخاص يتقاضون الحد الأدنى" وفق وصفه.

ويرى أوزجان، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الخطة التي طرحها وزير المالية والخزانة، محمد شيمشك، تحتاج إلى معجزة، إذ كيف يمكن أن يتراجع التضخم إلى خانة الآحاد، ولم يزل أكثر من 71%، رغم ما قيل عن جذب استثمارات وكل طرق رفع الضرائب والرسوم ونسبة الفائدة؟"، مؤكداً أنه "لا يمكن تحميل الفقراء مسؤولية وأعباء الإصلاح الاقتصادي بالوقت الذي يحصل فيه كبار الصناعيين والتجار على تسهيلات وتخفيض على الضرائب".

وعن رأيه في تحقيق الخطة الاقتصادية وتحسين المؤشرات، يشير الاقتصادي التركي إلى أنه "على المدى القريب أمر مستحيل، ولكن لنصل إلى مستوى الرفاهية وتحسين نسبة النمو وسعر الليرة ونسبة التضخم، لا بد من العدالة والقضاء على الفساد وتعزيز الثقة بالقوانين والمناخ الاستثماري، وهي الطرق الوحيدة مهما حاولوا وجربوا، والدوران بحلقة رفع سعر الفائدة وزيادة أسعار الوقود وحتى ضبط الإنفاق الحكومي، رغم الأهمية، لن تحسن واقع الأتراك المعيشية أو تلجم ارتفاع الأسعار".

وكانت مصادر تركية قد نقلت عن رئيس اتحاد نقابات العمال الأتراك، إرغون أتالاي، قوله إن "البلاد تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها"، مشيراً إلى أنها "تختلف عن أزمات 1994، و2001، و2008". وأضاف أتالاي خلال تصريحات أخيراً، أن "التعامل مع العمال كأنهم عبيد لن يؤدي إلى إصلاح الاقتصاد"، محذراً من أن "العمال لن يقبلوا بأن تكون تكاليف الإصلاح الاقتصادي على حسابهم"، وداعياً "الحكومة إلى الكف عن هذه الممارسات".

وأشار أتالاي إلى أن "20% فقط من الشعب التركي يعيشون برفاهية، في حين أن الـ80% الباقية تتحمل العبء الأكبر للأزمة الاقتصادية". وأضاف أن "الحد الأدنى للأجور الحالي لا يكفي لتغطية احتياجات العامل لمدة أسبوع واحد فقط، ما يعكس عمق المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا". وأكد أتالاي "ضرورة اتخاذ تدابير حقيقية لحل الأزمة الاقتصادية"، محذراً من أن "استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى المزيد من المعاناة للعمال والفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع".

ووفقاً للبيانات التركية الرسمية، تسارع نمو الأسعار الشهري في يونيو/ حزيران الماضي -وهو المقياس المفضل للبنك المركزي للقياس- إلى 3.4%، متجاوزاً متوسط توقعات الاقتصاديين وحتى وعود الحكومة التركية التي وعدت ببدء تراجع التضخم منذ نهاية الربع الأول من العام الجاري. وارتفعت، وفق البيانات الرسمية، أسعار الأغذية والمشروبات في المتوسط بنسبة 70.1% على أساس سنوي الشهر الماضي، مقارنة بـ68.5% في إبريل/ نيسان.

وبلغ مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي السنوي، باستثناء العناصر المتقلبة مثل الطاقة والغذاء، عند 75%، بانخفاض طفيف من 75.8% في إبريل/ نيسان، في حين ظل التضخم في الخدمات مرتفعاً، مع ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة تزيد على 5.5% على أساس شهري. وقال وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، بعد بيانات التضخم التي تحسنت من نحو 75.45 إلى 71.6: "لقد أصبح الأسوأ وراءنا"، متوقعاً أن تبدأ الانخفاضات الدائمة في التضخم منذ يوليو/ تموز الجاري، ما قد يؤدي إلى خفض المعدل "ربما أقل من 50%" بحلول نهاية الربع الثالث.

المساهمون