أظهر عام 2022 أن العرب لديهم سلاح اقتصادي استراتيجي لا يقل أهمية عن النفط، فالحرب الروسية الأوكرانية أبرزت الدور الحيوي الذي يمثله الغاز الطبيعي في الاقتصادات الأوروبية المتعطشة.
برز الدور العربي - ممثلا بثلاث دول رئيسية مصدرة للغاز - في إبقاء أوروبا دافئة، مع إمكانية أن يتصاعد هذا الدور بفعالية أكبر على عدة صعد في 2023، سواء من حيث زيادة حجم الصادرات أو دخول دول عربية جديدة نادي مصدري الغاز.
ومن بين الدول العربية المصدرة للغاز كان للجزائر وقطر ومصر الدور الأبرز في تعويض جزء من الغاز الطبيعي الروسي المورد إلى أوروبا، والذي تقلص بنسبة مهمة، خاصة بعد تفجير خطي نورد ستريم 1 و2.
الجزائر في نجدة أوروبا
2022، كان بمثابة العام الذهبي للغاز الجزائري، بعدما بلغت صادرات البلاد منه مستويات قياسية بلغت 56 مليار متر مكعب.
وساهم ارتفاع أسعار الغاز في زيادة مداخيل البلاد منه ومن النفط، لتبلغ نحو 50 مليار دولار في 2022، خاصة بعدما راجعت الجزائر عقودها مع زبائنها الرئيسيين مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، بشكل وفر لها مداخيل إضافية تتراوح ما بين 4 و5 مليارات دولار.
ورغم أن الجزائر ليست الدولة العربية الأكبر احتياطا وإنتاجا للغاز، إلا أن قربها من أوروبا وتوفرها على خطوط أنابيب لا تملكها أي دولة عربية وتوجيه معظم صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية بدل الآسيوية، جعلتها أكثر الدول العربية زيارة من المسؤولين الأوروبيين الباحثين عن تأمين الطاقة لبلدانهم خلال العام المنصرم.
وما منحها أهمية استراتيجية أكبر اكتشاف عدة حقول للغاز في 2022، والعقود التي وقعتها مع إيطاليا لزيادة حجم الصادرات من 21 مليار متر مكعب إلى 25 مليار متر مكعب في 2022، لتبلغ 30 مليار متر مكعب سنويا ما بين 2023 و2024.
وفي هذا السياق، وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بضرورة مضاعفة صادرات الجزائر لتبلغ 100 مليار متر مكعب في 2023.
وأعاد اشتداد الطلب الأوروبي على الغاز لإعادة إنعاش مشروع أنبوب غالسي الرابط مباشرة بين الجزائر وجزيرة صقلية، ما سيرفع حجم الصادرات نحو أوروبا.
ومن الناحية السياسية، منح الغاز الجزائر ورقة تفاوض قوية أمام شركائها الأوروبيين، وظهر ذلك جليا في علاقاتها مع مدريد، خاصة عندما اختارت إيطاليا بدلا من إسبانيا لتكون مركزا لإعادة تصدير غازها نحو أوروبا.
كما لم تستجب دول الاتحاد الأوروبي للطلب الإسباني بالضغط على الجزائر بعد إلغائها اتفاقية الصداقة مع مدريد إثر تغيير موقفها من قضية "إقليم الصحراء"، وبرز اهتمام الأوروبيين بتأمين حاجتهم من الغاز الجزائري أكثر من دعمهم للموقف الإسباني.
قطر.. عملاق الغاز المسال
تحتل قطر المرتبة الأولى عربيا من حيث احتياطي وإنتاج الغاز الطبيعي، إلا أن معظم صادراتها موجهة للسوق الآسيوية بعقود طويلة الأجل، لكن ذلك لم يمنعها من زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى أوروبا.
فقطر كانت وما زالت من البدائل الرئيسية لأزمة الغاز في أوروبا، مع تراجع إمدادات الغاز الروسي التي كانت تمثل نحو 40% من واردات القارة العجوز من الغاز الطبيعي.
إذ بلغت نسبة ارتفاع صادرات قطر من الغاز المسال إلى أوروبا 16% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022، لكن صادرتها إلى الأسواق الآسيوية وخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية ما زالت تستحوذ على حصة الأسد.
وتخطط البلاد لرفع حجم صادرات الغاز المسال من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن في 2027، في ظل امتلاكها لثالث احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران.
فإذا كانت السعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم، فإن قطر توشك أن تتحول إلى أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، خاصة بعد أن تفوقت على أستراليا، لكنها واجهت منافسة قوية من صادرات الغاز الصخري الأميركي في 2022.
مصر.. قفزة في المداخيل
لا تملك مصر احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكنها ضاعفت مداخيلها من صادراته بنسبة كبيرة بلغت 171 بالمائة في 2022 مقارنة بالعام الذي قبله.
وبلغت صادرات الغاز الطبيعي في 2022، نحو 8.4 مليارات دولار مقارنة بنحو 3.5 مليارات دولار خلال 2021، أي قرابة 5 مليارات دولار مداخيل إضافية.
وحتى وإن لم تتجاوز الصادرات 8 ملايين طن مقارنة بـ 84 مليون طن من الصادرات القطرية، لكن القاهرة وضعت نفسها ضمن قائمة الدول الممونة لأوروبا بالغاز خاصة ضمن تحالف شرق المتوسط للغاز.
وكثفت مصر بالتعاون مع شركات أجنبية التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وأعلنت نهاية 2022 عن اكتشاف حقل غاز بحري وصفته بالكبير، وتقول وسائل إعلام غربية أن حجمه يبلغ 3.5 تريليونات قدم مكعبة حقل الظهر للغاز بلغ احتياطه 30 تريليون قدم مكعبة.
كما وسعت مصر من حدودها البحرية في البحر المتوسط لزيادة مساحة التنقيب عن الغاز، ما أثار احتجاج حكومة الوحدة الليبية ورفضا حتى من مجلس النواب الليبي القريب من القاهرة.
عام ضائع لليبيا والمستقبل لموريتانيا
تسبب استمرار الانقسام السياسي في ليبيا بضياع فرصة زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، خاصة مع ارتفاع الأسعار، رغم توفر البلاد على أنبوب لنقل الغاز إلى إيطاليا (غرين ستريم/ السيل الأخضر).
وبالكاد التزمت ليبيا بتعاقداتها من صادرات الغاز لإيطاليا، في ظل أزمة كهرباء، وقفل حقول الغاز بالجنوب الغربي للبلاد (حقل الوفاء).
بينما واصلت الإمارات وسلطنة عمان إعادة تصدير الغاز القطري بعد تسييله، رغم أن السعودية والإمارات تملكان ثاني وثالث احتياطي من الغاز في الوطن العربي، لكن مع ارتفاع الأسعار وازدياد الأهمية الاستراتيجية للغاز باعتباره أقل الوقود الأحفوري تلويثا للبيئة، أعلنت السعودية في فبراير/شباط 2022، عزمها دخول حقل التصدير قريبا.
وفي العام الجديد 2023، من المنتظر أن تدخل موريتانيا نادي المصدرين للغاز الطبيعي بعد استكمال مختلف المنشآت المتعلقة بحقل السلحفاة المشترك مع السنغال.
إذ من المتوقع أن تسابق الدول العربية الزمن لتكثيف عمليات التنقيب والإنتاج والتصدير في 2023، في ظل اشتداد الطلب وارتفاع الأسعار ورغبة الدول الأوروبية في التخلي عن استيراد نحو 150 مليار متر مكعب من الغاز الروسي هذا العام.
(الأناضول)