بعد ستة أشهر من الجمود السياسي والمحاولات الفاشلة، تمَّ تأكيد مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء في العراق في 6 مايو/ أيار 2020، وبهذا يكون قد تسلَّم مهمة انتحارية، نظراً لوجود خزينة شبه مفلسة، ونفقات عامة متضخِّمة، وصفعة كورونا وانهيار أسعار النفط المزدوجة، والنقص الفادح في الموارد الطبية والمالية، وفساد متجذِّر وعميق، وخدمات عمومية متردِّية، وتهديد من تنظيم داعش، والمليشيات المارقة، والتعامل مع التنافس الطاحن بين الولايات المتحدة وإيران على الكعكة العراقية، والصراعات الطائفية واحتمال تجدُّد المظاهرات الاحتجاجية في أي وقت.
وتتوقَّف قدرة حكومة الكاظمي على تجاوز التحدِّيات الراهنة على حنكته ومهارته في التفاوض والوساطة. وتريد كل فئة من المجتمع العراقي شيئاً من هذه الشخصية غير الجديدة على الحلبة السياسية العراقية وتريده الآن، حيث يخشى موظَّفو القطاع العام والمتقاعدون من قطع الإعانات ويريدون الحصول على أجورهم بالكامل.
كما يريد الشباب العاطل عن العمل الحصول على وظائفٍ حكومية، وينتظر الشعب العراقي من سماء حكومته أن تمطر نيراناً على الفاسدين، كما يتوقَّع المتظاهرون الذين أطاحوا رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أن ينصف الكاظمي ضحايا الاحتجاجات ويقدِّم القتلة الذين قتلوا 700 متظاهر في ساحات بغداد والمدن الجنوبية للعدالة ويُجري انتخابات مبكِّرة.
حكومة الكاظمي ذات البرنامج المتَّسم بالطموح المفرط لديها فترة حياة عامين فقط، وهي مدّة قصيرة جداً لعلاج الأزمات والتشوُّهات التي تراكمت على مدى سبعة عشر عاماً، وما يزيد الطين بلة هو أنّ ذلك البرنامج الذي طرحه لم يحدِّد إطاراً زمنياً للوفاء بالتعهُّدات، بينما الشعب يراقب عن كثب وينتظر ويحتسب الأيام.
اقــرأ أيضاً
وتحوم العديد من الشكوك حول قدرة هذه الحكومة على تصميم موازنة جديدة تمكِّن العراق من الصمود أمام الأزمة الاقتصادية العصيبة التي تتخبَّط فيها الدول التي تتمتَّع بهامش مالي للمناورة، هذا عدا عن استحالة خلق حالة من الاستقرار الضروري للنهوض الاقتصادي من خلال وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الحكومة والتحرُّر من وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية.
وتتمثل القضية الأكثر إلحاحاً في الطريقة التي سيتعامل من خلالها الكاظمي مع الانخفاض الحاد في سعر النفط، هذا المورد الطبيعي الذي يمثل 92 في المائة من العائدات المالية للعراق.
فإذا استمرّ الاتجاه الحالي لأسعار النفط حتى نهاية عام 2020 وما بعده، فلن تتمكَّن الحكومة الجديدة من البقاء لا سياسياً ولا اقتصادياً، لذلك يجب على حكومة الكاظمي إعطاء الأولوية القصوى للإسراع في اتِّخاذ التدابير الاقتصادية السريعة أكثر من التخطيط لإجراء انتخابات سريعة لتقديم حكومة أخرى قبل النصف الثاني من عام 2021 والتي ستستلم وضعاً أسوأ من ذي قبل.
وبنظرة سريعة على التركة الاقتصادية والمالية التي استلمتها حكومة الكاظمي نجد أنها صعبة، فوفقاً لتقرير البنك الدولي "المرصد الاقتصادي للعراق: الإبحار في عاصفة عاتية" الصادر مؤخَّراً في 2020، فقد انخفضت الإيرادات النفطية بأكثر من النصف نتيجة لنزول سعر برميل النفط العراقي إلى 28.4 دولاراً في مارس/ آذار 2020 مقابل 61.1 دولاراً للبرميل في 2019 و65.5 دولاراً للبرميل في 2018.
وأدَّى انخفاض متوسط سعر صادرات النفط بمقدار 4 دولارات إلى حدوث خسارة في عائدات النفط بقيمة 5 مليارات دولار في 2019، وبالتالي سيواجه العراق صعوبات شديدة في تمويل النفقات الأساسية المخطَّط لها لعام 2020، حيث يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 76 دولاراً للبرميل لتمويل النفقات العامة لعام 2020 والتي مثَّلت أكثر من 77% من إجمالي الميزانية في عام 2019.
اقــرأ أيضاً
وقُدِّرت الإيرادات غير النفطية بـ3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق في 2019 بانخفاض بنسبة 24% عن سنة 2018 بسبب ضعف التحصيل الضريبي وتوسيع الإعفاءات الجمركية وانخفاض النمو الاقتصادي الذي انعكس أيضاً على ضريبة الدخل.
كذلك ارتفعت النفقات العامة بنسبة 26.4% سنة 2019، وبلغت نسبة الدين العام 44.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، كما ارتفعت فاتورة واردات السلع إلى نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 مقارنة بـ38% في عام 2018، إضافة إلى انخفاض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 2.9 مليار دولار في عام 2019، أي ما يعادل 1.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بسبب بيئة الأعمال غير المواتية والفساد والبيروقراطية المرهقة والبيئة التنظيمية غير الشفافة.
ومن المتوقَّع أن يتحوَّل رصيد الحساب الجاري من فائض بقيمة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى عجز بقيمة 18% بحلول نهاية عام 2020.
ولذا ينبغي على الكاظمي أن يسير بحذرٍ شديد في البيئة الملغومة التي يعمل فيها حيث تقف له العديد من الجهات بالمرصاد وتنتظر اللحظة التي ستنقضّ فيها عليه وتفتك به كالأحزاب السياسية التي لم تؤيِّد ترشيحه والأصدقاء السياسيين المزعومين، وأيّ تقصير في تحقيق المطالب سيؤلب عليه حتى مؤيديه السياسيين، وتمنح جائحة كورونا الحكومة الجديدة بعضاً من الوقت وحيِّزاً للتنفُّس في تعاملها مع تحدِّيات غليان الشوارع والمظاهرات التي تواجهها، ولكن صبر المجتمع العراقي يندذ شيئاً فشيئاً، لا سيَّما مع اتِّساع الفجوة بين ما يطالب به وما هو ممكن عملياً.
كما تجب الإشارة إلى أنّ الأولوية الأكثر تعقيداً واستعصاءً هي مكافحة الفساد المستفحل في كل القطاعات والمتوارث عبر العقود، فهل سيضرب الكاظمي الفساد بيدٍ من حديد، لا سيَّما أنّ جهود اقتلاعه ستؤذي الكثير من أصحاب النفوذ السياسي؟ وتقليل الفساد في العراق يتطلَّب اتِّخاذ العديد من الإجراءات كالمراقبة الصارمة للمشتريات والمعاملات المالية في المؤسسات العامة، ومراقبة تدفُّق الأموال عبر النظام المصرفي، ووضع حدّ للتهريب والابتزاز من قبل الجماعات المارقة، واعتناق الرقمنة لتتبُّع الإنفاق وتقييم الأداء.
اقــرأ أيضاً
ويعتمد الاستقرار الذي يضمن إنقاذ ما تبقَّى من الاقتصاد العراقي أيضاً على ضبط العلاقات الأميركية العراقية في الحوار الاستراتيجي بين البلدين والمُقرَّر عقده في 10 يونيو/ حزيران 2020.
لكن الفشل في تعيين وزير الخارجية يسمح بتكوين ظروفٍ غير متكافئة ستضمن حدوث نتائج غير مرضية، حيث يفتقر السياسيون العراقيون إلى التوافق في الآراء حول ما يمكن تحقيقه من هذه الجولة من المحادثات، وهكذا لن تؤدِّي هذه الفجوة الدبلوماسية إلا إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية.
خلاصة القول إنّه يجب على الكاظمي أن يكون صادقاً وصريحاً مع الشعب العراقي حول الإصلاحات التي سيقوم بها والإجراءات الملموسة التي سيتَّخذها والجدول الزمني الذي سيستغرقه ذلك، فالهيكل الاقتصادي والسياسي في العراق هشّ، ومن المرجَّح أن يتسبَّب أيّ ضغط زائد في حدوث أضرار جسيمة لا رجعة فيها.
كما يريد الشباب العاطل عن العمل الحصول على وظائفٍ حكومية، وينتظر الشعب العراقي من سماء حكومته أن تمطر نيراناً على الفاسدين، كما يتوقَّع المتظاهرون الذين أطاحوا رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أن ينصف الكاظمي ضحايا الاحتجاجات ويقدِّم القتلة الذين قتلوا 700 متظاهر في ساحات بغداد والمدن الجنوبية للعدالة ويُجري انتخابات مبكِّرة.
حكومة الكاظمي ذات البرنامج المتَّسم بالطموح المفرط لديها فترة حياة عامين فقط، وهي مدّة قصيرة جداً لعلاج الأزمات والتشوُّهات التي تراكمت على مدى سبعة عشر عاماً، وما يزيد الطين بلة هو أنّ ذلك البرنامج الذي طرحه لم يحدِّد إطاراً زمنياً للوفاء بالتعهُّدات، بينما الشعب يراقب عن كثب وينتظر ويحتسب الأيام.
وتتمثل القضية الأكثر إلحاحاً في الطريقة التي سيتعامل من خلالها الكاظمي مع الانخفاض الحاد في سعر النفط، هذا المورد الطبيعي الذي يمثل 92 في المائة من العائدات المالية للعراق.
فإذا استمرّ الاتجاه الحالي لأسعار النفط حتى نهاية عام 2020 وما بعده، فلن تتمكَّن الحكومة الجديدة من البقاء لا سياسياً ولا اقتصادياً، لذلك يجب على حكومة الكاظمي إعطاء الأولوية القصوى للإسراع في اتِّخاذ التدابير الاقتصادية السريعة أكثر من التخطيط لإجراء انتخابات سريعة لتقديم حكومة أخرى قبل النصف الثاني من عام 2021 والتي ستستلم وضعاً أسوأ من ذي قبل.
وبنظرة سريعة على التركة الاقتصادية والمالية التي استلمتها حكومة الكاظمي نجد أنها صعبة، فوفقاً لتقرير البنك الدولي "المرصد الاقتصادي للعراق: الإبحار في عاصفة عاتية" الصادر مؤخَّراً في 2020، فقد انخفضت الإيرادات النفطية بأكثر من النصف نتيجة لنزول سعر برميل النفط العراقي إلى 28.4 دولاراً في مارس/ آذار 2020 مقابل 61.1 دولاراً للبرميل في 2019 و65.5 دولاراً للبرميل في 2018.
وأدَّى انخفاض متوسط سعر صادرات النفط بمقدار 4 دولارات إلى حدوث خسارة في عائدات النفط بقيمة 5 مليارات دولار في 2019، وبالتالي سيواجه العراق صعوبات شديدة في تمويل النفقات الأساسية المخطَّط لها لعام 2020، حيث يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 76 دولاراً للبرميل لتمويل النفقات العامة لعام 2020 والتي مثَّلت أكثر من 77% من إجمالي الميزانية في عام 2019.
كذلك ارتفعت النفقات العامة بنسبة 26.4% سنة 2019، وبلغت نسبة الدين العام 44.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، كما ارتفعت فاتورة واردات السلع إلى نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 مقارنة بـ38% في عام 2018، إضافة إلى انخفاض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 2.9 مليار دولار في عام 2019، أي ما يعادل 1.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بسبب بيئة الأعمال غير المواتية والفساد والبيروقراطية المرهقة والبيئة التنظيمية غير الشفافة.
ومن المتوقَّع أن يتحوَّل رصيد الحساب الجاري من فائض بقيمة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى عجز بقيمة 18% بحلول نهاية عام 2020.
ولذا ينبغي على الكاظمي أن يسير بحذرٍ شديد في البيئة الملغومة التي يعمل فيها حيث تقف له العديد من الجهات بالمرصاد وتنتظر اللحظة التي ستنقضّ فيها عليه وتفتك به كالأحزاب السياسية التي لم تؤيِّد ترشيحه والأصدقاء السياسيين المزعومين، وأيّ تقصير في تحقيق المطالب سيؤلب عليه حتى مؤيديه السياسيين، وتمنح جائحة كورونا الحكومة الجديدة بعضاً من الوقت وحيِّزاً للتنفُّس في تعاملها مع تحدِّيات غليان الشوارع والمظاهرات التي تواجهها، ولكن صبر المجتمع العراقي يندذ شيئاً فشيئاً، لا سيَّما مع اتِّساع الفجوة بين ما يطالب به وما هو ممكن عملياً.
كما تجب الإشارة إلى أنّ الأولوية الأكثر تعقيداً واستعصاءً هي مكافحة الفساد المستفحل في كل القطاعات والمتوارث عبر العقود، فهل سيضرب الكاظمي الفساد بيدٍ من حديد، لا سيَّما أنّ جهود اقتلاعه ستؤذي الكثير من أصحاب النفوذ السياسي؟ وتقليل الفساد في العراق يتطلَّب اتِّخاذ العديد من الإجراءات كالمراقبة الصارمة للمشتريات والمعاملات المالية في المؤسسات العامة، ومراقبة تدفُّق الأموال عبر النظام المصرفي، ووضع حدّ للتهريب والابتزاز من قبل الجماعات المارقة، واعتناق الرقمنة لتتبُّع الإنفاق وتقييم الأداء.
لكن الفشل في تعيين وزير الخارجية يسمح بتكوين ظروفٍ غير متكافئة ستضمن حدوث نتائج غير مرضية، حيث يفتقر السياسيون العراقيون إلى التوافق في الآراء حول ما يمكن تحقيقه من هذه الجولة من المحادثات، وهكذا لن تؤدِّي هذه الفجوة الدبلوماسية إلا إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية.
خلاصة القول إنّه يجب على الكاظمي أن يكون صادقاً وصريحاً مع الشعب العراقي حول الإصلاحات التي سيقوم بها والإجراءات الملموسة التي سيتَّخذها والجدول الزمني الذي سيستغرقه ذلك، فالهيكل الاقتصادي والسياسي في العراق هشّ، ومن المرجَّح أن يتسبَّب أيّ ضغط زائد في حدوث أضرار جسيمة لا رجعة فيها.