العمالة الأفريقية في تونس... استغلال وأجور زهيدة وساعات عمل طويلة

04 اغسطس 2019
قطاع البناء يجذب العمال الأفارقة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
داوود، شاب قدم من بلده ساحل العاج إلى تونس منذ سنتين بحثاً عن فرصة للعمل. تنقّل بين ورش البناء، والعمل كحارس في ملكية خاصة لإحدى العائلات، قبل أن يستقر به المطاف في مقهى في إحدى ضواحي العاصمة تونس.

يقول داوود لـ "العربي الجديد" إنه لم يكن من الصعب بالنسبة إليه الحصول على عمل في القطاعات التي اشتغل فيها بحكم توفر العرض في هذه المجالات. لكنه في المقابل، واجه صعوبات في الحصول على راتب منصف يعينه على تأمين معيشته.

يؤكد داوود أن أغلب العمال الأفارقة ممن قاسمهم الشغل أو السكن لا يتقاضون ذات الأجور التي يتقاضاها نظراؤهم من التونسيين، مما يولد لديهم شعوراً بالاستغلال من قبل أرباب العمل.

يشرح العامل الأفريقي أن الأجر الذي يتقاضاه لا يتجاوز 500 دينار شهرياً، في المقابل يحصل زملاؤه في المقهى ذاته من التونسيين على 750 ديناراً. داوود لم يحصل ولو مرة على عقد شغل قانوني أو ضمان صحي، بالرغم من أن إقامته في تونس قانونية. لا بل أن أغلب الأفارقة في تونس، وفق داوود، يعملون دون تصاريح عمل، والعديد منهم يتعرضون إلى الاستغلال "بسبب عدد ساعات العمل المرتفعة، فضلاً عن حجز بعض من أصحاب العمل جوازات سفر العمال الأفارقة".

يخضع كل الأجانب الوافدين إلى تونس لقانون يعود إلى سنة 1968 المتعلق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية، ويعرّف هذا القانون بمن تعتبره الدولة التونسية مواطناً أجنبياً، وبشروط دخول تونس، والموانع التي تقتضي طرد الأجانب والعقوبات المقررة للتونسيين عند إيوائهم للأجانب بشكل غير قانوني. كما نص هذا القانون على جملة من الشروط للعمل في تونس والحصول على تراخيص إقامات مؤقتة أو دائمة.

تشير بيانات الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً في تونس) إلى أن عدد العمال الأفارقة في تونس يفوق الـ 700 ألف، وهو تضاعف في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا يعملون في ليبيا. وتؤكد عضوة المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل المسؤولة عن قسم العلاقات الخارجية والهجرة، نعيمة الهمامي، على أن عدد العمالة الأفريقية يتزايد باطراد، ما يستدعي إعادة نظر سريعة في قوانين العمل المتعلقة بالأجانب لمواكبة تطورات سوق الشغل.

وتقول الهمامي إن اتحاد الشغل طلب من الدوائر الرسمية (بوزارتي الشؤون الاجتماعية والشغل) وكذلك منظمة رجال الأعمال بضرورة تحويل هذه اليد العاملة إلى مصدر للثروة والاستفادة منها في زيادة نسب النمو مع حفظ حقوق العمال.

وتضيف أن اتحاد الشغل وضع في 4 أقاليم كبرى (تونس العاصمة، سوسة، صفاقس ومدنين) مكاتب للإرشاد والتأطير من أجل مساعدة العمال الأجانب في الحصول على حقوقهم المادية والمهنية.

تفيد الهمامي بأن أغلب القطاعات المشغلة لليد العاملة الأفريقية هي البناء والأشغال العامة والخدمات وبدرجة أقل الزراعة، مؤكدة على أن قوانين العمل الحالية الخاصة باليد العاملة الأجنبية لا تحفظ بالقدر الكافي حقوق الأجانب من أي جنسية كانوا.

واعتماداً على آخر نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2014، فإن 53 ألف أجنبي يقيمون في تونس بشكل قانوني أي لديهم بطاقات إقامة صادرة عن مصالح وزارة الداخلية. وتقدّر مصادر بالمعهد الوطني للإحصاء عدد الأفارقة في تونس بـ 7320 مقيماً خلال العام 2014، حوالي 21 في المائة منهم ينخرطون في العمل في مجالات عديدة.

في المقابل، تقول منظمات للهجرة إنه لا يمكن تحديد عدد العمال الأفارقة في تونس باعتبار أن جلهم يقيمون بطريقة غير شرعية وهم عادة من الذين اختاروا تونس كمحطة عبور إلى أوروبا، وبالتالي يعملون في البلاد بشكل عرضي في انتظار توفر فرصة للمغادرة إما بشكل قانوني أو خلسة إلى إيطاليا.

وتؤكد منظمة "تونس أرض الهجرة واللجوء"، أنها تلقت خلال عام 2017 ما يناهز 410 شكاوى تتعلق بسوء المعاملة والاستغلال المفرط تعرض لها عمّال أفارقة في تونس، منها 50 حالة اتجار بالبشر. وأفادت المنظمة في بيانات نشرتها بأن بضع العمال يعانون من وضع صعب يثير أكثر من سؤال حول الواقع الحقوقي الذي يعيشه العامل الأجنبي (الأفريقي) المقيم في تونس.

وتسعى النقابات العمالية بمبادرة منها إلى مزيد من الإحاطة بالعمال الأفارقة والدفاع عن حقوقهم الشغلية، إذ أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، عن اعتزام الاتحاد تنظيم المهاجرين الأفارقة (دول جنوب الصحراء) والعاملين في تونس في هيكل نقابي يمثلهم من خلال منحهم بطاقات انخراط رمزية والتعهد بالدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

ويفيد الطبوبي بأن تنظيم العمال الأفارقة الذين يعدون بالآلاف ويعملون في قطاعات الفلاحة والبناء والخدمات هي مبادرة تنخرط ضمن مبادئ اتحاد الشغل في الدفاع عن التشريعات الكونية لحقوق الإنسان وضمان الشغل اللائق.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد المنصف الشريف أن اليد العاملة الأفريقية يمكن أن تقدم الإضافة للاقتصاد التونسي، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن اليد العاملة مصدر ثروة ونمو لكل بلدان العالم. ويشدد على أن اندماج المهاجرين في دول الاستقبال يمثل فرصة وليس تهديداً لسوق العمل أو فرص العمال المحليين للنفاذ إلى سوق الشغل.

ويلفت إلى أن العديد من الدراسات أظهرت الإضافة الاقتصادية الإيجابية للمهاجرين بما أنهم يشتغلون في قطاعات يرفض السكان الأصليون العمل بها، ما يسمح لدول الاستقبال في الرفع من نسب الاستقرار القطاعي وزيادة معدلات النمو.

ويتطلب حصول العمال الأجانب على تصاريح عمل قانونية وفقاً للتشريعات التونسية الخاصة بشروط الانتفاع بالخدمة أن يكون طالب الخدمة أجنبياً وأن يكون قد دخل التراب التونسي بطريقة شرعية مع احترام تراتيب الإقامة والشغل في البلاد.

وسبق لمدير عام الهجرة واليد العاملة الأجنبية بوزارة التكوين المهني والتشغيل، أحمد المسعودي، أن أعلن أن تونس تمنح سنوياً بين 5 و6 آلاف ترخيص عمل للأجانب، مع تعزيز دورهم في تقديم إضافة اقتصادية لتونس ومساهمتهم في ترويج المنتوج التونسي وجلب الاستثمارات الخارجية.

ووفق المسعودي فإن قانون مجلة تشجيع الاستثمارات يركز على توظيف الإطارات الأجنبية التي تقدم إضافة إلى تونس، في حين أن القانون يجيز للمؤسسات انتداب 30 في المائة من الأجانب خلال الثلاث سنوات الأولى من عملها، لتنخفض النسبة إلى 10 في المائة من إجمالي العاملين في المؤسسة.
المساهمون