أزمة العمالة الماهرة في ألمانيا... الشركات تبحث عن 1.5 مليون وظيفة والخسارة 49 مليار يورو

15 يوليو 2024
عمال بمصنع في كولونيا (ألمانيا) يونيو 2024(روبرتو بفيل/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال نقص العمالة الماهرة يمثل مشكلة رئيسية للشركات في ألمانيا، ما يعيق تطوير وتوسيع أعمالها، ويؤثر بدوره على العديد من القطاعات الاقتصادية المنتجة في البلاد، ولا توجد في الأفق حاليا نهاية متوقعة لهذا الواقع ينتج عنه تعاف اقتصادي مريح، في دولة تعتبر صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وقاطرة للاتحاد الأوروبي. 

وأبرزت دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني أخيرا، أن النقص المتزايد في العمالة الماهرة في العديد من القطاعات، أكان في مجالات الإدارة والهندسة الصناعية الميكانيكية والطب والرعاية الصحية ومقدمي الخدمات والفنيين والحرفيين أو التعليم، يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الألماني. وبحسب الدراسة التي احتسبت الإنتاج المحتمل باستخدام النموذج الاقتصادي العالمي، أنه وخلال العام الماضي وصل عدد العمالة في ألمانيا إلى حدود 45.9 مليون شخص، أي أكثر من أي وقت مضى، ورغم ذلك كان هناك نقص بحوالي 573 ألف وظيفة. وعليه، فان هذا النقص سيفقد الاقتصاد الألماني قدرة إنتاجية بقيمة 49 مليار يورو.

وذكر موقع فرانكفورتر روندشاو، أن تراجع أعمال الشركات يؤثر بشكل خاص سلبا على شركات المحاماة ومستشاري الضرائب ومدققي الحسابات. كما بيّنت صحيفة بيلد أن هناك حوالي 1.57 مليون وظيفة شاغرة في البلاد، بينها 700 ألف مسجلة لدى وكالة التوظيف الفيدرالية. 

علاوة على ذلك، أشار المعهد إلى أنه مع تقاعد الموظفين في السنوات المقبلة، من المرجح أن تتسع فجوة المهارات بشكل أكبر، وهذا ما يزيد أيضا من إمكانات الإنتاج المفقودة، وسترتفع تكاليف النقص في العمالة الماهرة إلى 74 مليار يورو في عام 2027. ولذلك يجب الأخذ في الحسبان أن ذلك سيدفع الشركات، بسبب نقص الموظفين، إلى اتخاذ بعض التدابير العملية، بينها التقليل من دوامات العمل والخدمة والتباعد في الحصول على مواعيد، مع الاعتماد بشكل أكبر على الخدمات عبر الإنترنت.

من جهة ثانية، دعا المعهد إلى دعم رعاية الأطفال حتى تتمكن المرأة من العمل بدوام كامل. في المقابل، وجد خبراء أن من بين الحلول المرحلية الاستفادة بشكل أكبر من أعداد النساء في سن العمل وبدوام جزئي، وهذا ما يتطلب بعض المرونة من قبل أصحاب العمل، لخلق المزيد من فرص التدريب. 

العمالة الماهرة وفرصة التحول

وعما إذا كانت إمكانية التعويض في نقص العمالة الماهرة في ألمانيا تشكل قنبلة موقوتة أم فرصة تحوّل، يفيد الدكتور الجامعي فضل الله العميري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التحديات كبيرة، والنقص ليس بظاهرة مؤقتة، تتحول تدريجيا إلى أزمة خطيرة بفعل تقلص الكوادر المؤهلة، مبرزا أن أحد الأسباب الرئيسية للنقص هو التغير الديموغرافي، إذ تمر ألمانيا بمرحلة يشيخ فيها السكان وتتبدل فيها النسبة بين العاملين والمتقاعدين. وثمة عامل آخر وهو الفجوة التعليمية، لافتا إلى أن الأرقام تفيد بترك أكثر من 25 ألف شخص مقاعد الدراسة سنويا، على الرغم من أن البلاد معروفة بالتعليم عالي الجودة.

وبحسب العميري، فإن الأزمة تثبت أيضا أن هناك ثغرة كبيرة بين المهارات المكتسبة ومتطلبات سوق العمل، وهذا ينطبق على كل من التدريب المهني والتدريب الأكاديمي، ناهيك عن أن الرقمنة والتقدم التكنولوجي يتطلبان التدريب المستمر وتكييف المهارات من أجل تلبية متطلبات عالم العمل الحديث. وعلى السياسيين الوقوف أمام هذه التحديات واتخاذ تدابير مختلفة، مثل المبادرات الرامية إلى تعزيز التدريب وورش العمل من أجل تحسين مؤهلات الموظفين، والاستفادة من قدرات فئات أخرى لمكافحة النقص في العمالة الماهرة وكل ذلك يتيح الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات سوق العمل، بحسب تعبير العميري.

وفي هذا الصدد، أفاد العميري بأن أغلبية المتخصصين الواصلين يطاولهم الغبن ورواتبهم لا تتناسب مع قدراتهم المهنية، والحجة دائما أنهم يفتقرون إلى الخبرات اللازمة ومستوى اللغة والتمرس في العمل، مع وعود برفع معاشاتهم مستقبلا، على الرغم من أنهم خريجو جامعات مرموقة ويتسلحون بالخبرة في مجال العمل.

ووفق بيانات صحيفة بيلد واسعة الانتشار، فإنه وحتى شهر مايو/أيار 2024، كان هناك نحو 2.7 مليون شخص عاطلين عن العمل، أي بزيادة 172 ألفا عما كانت عليه في نفس الشهر في عام 2023. وبخصوص تقليص الفجوة في المهارات والحاجة إلى العمالة الماهرة من الخارج، أفاد العميري بأنه يمكن للشركات الاستفادة من التعديلات القانونية المستحدثة على قانون الهجرة الجديد لجلب المتخصصين إلى ألمانيا، ولكن في ظروف عادلة وجيدة، لكي يقدموا مساهمة دائمة ومنتجة، وبدلا من أن يقرروا المغادرة إلى دول أخرى محيطة وبشكل خاص البلدان الإسكندنافية، حيث المعاشات أعلى والضرائب أقل. 

ويشدد في حديثه لـ"العربي الجديد" على أنه يجب أن يتوازى الأمر مع خطوات عملية من الجهات الدبلوماسية والقنصلية والدفع للتسريع بإجراءات التأشيرات، لأن هناك فترات انتظار طويلة وغير منطقية، والكثير من المتقدمين يخسرون الوظيفة بفعل المماطلة، وأغلبيتهم من الأطباء والممرضين والمهندسين من أصحاب الكفاءات والخبرات في مجالاتهم، فضلا عن الحد من البيروقراطية بخصوص المعاملات المتعلقة بالاعتراف والمصادقات على الشهادات العليا للأجانب. 

عن هذا الموضوع، أفاد مهندس مقيم في ألمانيا يُدعى نجيب لـ"العربي الجديد"، بأنه تقدم منذ مدة بطلب معادلة شهادة هندسة لأحد أقاربه، إلا أنه وبعد إرسال المستندات المطلوبة يأتي الرد بواسطة البريد الإلكتروني بأنه لا يمكن إنجاز أي مراجعة قبل مرور ثلاثة أشهر على تسليم الملف، مبينا أن الدوائر المعنية تقوم أولا بالتدقيق في مصدر الشهادة والأوراق والمصادقات الرسمية المطلوبة، ليصار بعدها الطلب من أصحاب العلاقة بتحويل قيمة الرسوم المطلوبة وانتظار الرد. 

وبحسب استطلاع حديث لاتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية، فإن 55% من الشركات تفكر في توظيف أشخاص من الخارج. من جهة ثانية، قالت عضوة مجلس إدارة اتحاد نقابات العمل الألمانية، آنيا بيل، أخيرا لموقع فيرتشفتسفوخه، أنه عادة وعندما تكون هناك فجوات في العمالة، غالبا ما تكون هناك مشاكل هيكلية، مثل ضعف الأجور أو ظروف العمل السيئة. وبالنسبة للشركات هذا يعني أن أي شخص يبحث عن عمالة ماهرة عليه أولا وقبل كل شيء ضمان ظروف العمل والتدريب ومستوى الأجر، وعلى الائتلاف الحاكم أن يقدِم على خطوات محفزة لاستغلال الإمكانات الموجودة بشكل أفضل، خاصة للأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى سوق العمل. 

حزمة شاملة للاقتصاد الألماني الضعيف

تعمل الحكومة الفيدرالية على تقديم حزمة شاملة لتحفيز الاقتصاد الألماني وزيادة النمو في وقت مبكر من العام المقبل، لا سيما وأن التوقعات تفيد حاليا بأنه لن يتجاوز 1% في عام 2025، وهناك خشية من أن تتخلف ألمانيا عن الدول الصناعية الأخرى.

وفي هذا السياق، ووفق شبكة ايه ارد ي الإخبارية، لدى وزير المالية الاتحادي والمنتمي إلى الحزب الليبرالي الحر، كريستيان ليندنر، خطة مؤلفة من 12 نقطة لتحقيق "تحول اقتصادي"، ويعمل على إنجازها في الفترة القريبة المقبلة، بينها تخفيض الضرائب وعدم تقديم فوائد اجتماعية جديدة، لكن الخطة لاقت أولا بعض الرفض من المستشار أولاف شولتز من دون إهمالها نهائيا، وعلى ما يبدو فإن التوجه لدى الأخير للقيام بشيء ما بشأن الضرائب، وتطبيق نقاط أساسية أخرى بينها ما يسمى بقانون فرص النمو، وتقديم بعض الحوافز للموظفين القريبين من سن التقاعد للبقاء في العمل بغية مواجهة نقص العمالة، والحد من البيروقراطية. 

وفي خضم ذلك، أثير قبل أيام في الوسط السياسي جدل حول الطرح الحكومي بتقديم إعفاءات ضريبية ما بين 10 و30% للعاملين المهرة الواصلين من الخارج خلال أول 3 سنوات من إقامتهم في البلاد، ومن منطلق أن ترتيبات استقرارهم في البلاد تتطلب مصاريف إضافية، وقد يعتبر ذلك أحد الحوافز لجذب هؤلاء إلى سوق العمل الألماني، مع الإغراءات التي قدمها قانون الجنسية الجديد الذي دخل حيز التطبيق الشهر الماضي، في ظل النقص الحاد في العمالة المتخصصة، وذلك تماشيا مع ما تقوم به بعض الدول المجاورة لجذبهم.

لكن هذه الطروحات لاقت اعتراضا على المستوى السياسي لأنها تمثل ظلما بحق الموظفين، فيما اعتبرتها نقابات عمالية بأنها إشارات خاطئة، فضلا عن أنها تخلّ بمبدأ المساواة في المعاملة في قانون العمل.

المساهمون