تعتبر الهوة الكبيرة بين الغنى الفاحش والفقر الذي لا يرحم، أحد أغرب المفارقات التي يشاهدها أيّ زائر للمدن المغربية. ففي الوقت الذي يتمتَّع فيه الأثرياء بحياة من البذخ والترف، لا يزال الفقر يجثم على صدور ملايين المغاربة ويضيق الخناق على رقابهم ويطوِّقهم بحزام البؤس والحرمان، وتقف السلطات والجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام معاناة الفقراء.
ويُعد المغرب أحد أكثر دول شمال أفريقيا الحاصلة على دعم مالي من المنظمات الدولية بغية دحر الجوع والتخفيف من حدّة الفقر، وبالرغم من ذلك تتخبَّط العديد من الأسر المغربية في الفقر وتصارع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة.
ولكن عندما يفشل الدعم المالي الدولي وكذا القروض الدولية والسياسات المحلية في وضع حدٍّ للفقر ويتساوى المغرب الغني بالثروات في معدل الفقر مع الصومال وزيمبابوي يتَّضح أنّ هناك خللا كبيرا في السياسات المنتهجة والتي تزيد الفقير فقراً والغني غنى.
أرقام صادمة
حسب بيانات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين مغربي من الفقر والعوز، حيث تشتدّ حدّة الفقر في الريف مقارنة بالمدن.
وأفاد تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2018 أنّ نسبة السكان الذين لا يتعدَّى استهلاكهم 3.10 دولارات للفرد في اليوم قُدِّرت بـ8.2 بالمائة، وهناك 3.1 بالمائة من السكان لا يتعدَّى استهلاكهم في اليوم الواحد 1.90 دولار.
اقــرأ أيضاً
كما أكَّد هذا التقرير أنّه علاوة على السكان الذين يقبعون تحت خط الفقر، فإنّ نسبة السكان المغاربة المعرَّضون للفقر متعدد الأبعاد وصلت إلى 13.2 بالمائة سنة 2018.
كما أفاد تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في يوليو 2018 بأنّ المغرب أكثر دول شمال أفريقيا تفاوتاً في توزيع الدخل بمعامل جيني يقدَّر بـ40.3 بالمائة، مقارنة بـ23 بالمائة في الجزائر، و30.8 بالمائة في مصر و35.8 بالمائة في تونس، ويرجع ارتفاع حدّة الفقر في المغرب إلى حرمان شريحة كبيرة من السكان، خصوصاً في الأرياف من الماء الصالح للشرب، خدمات الصرف الصحي، السكن، الصحة والتعليم.
ومن أخطر تداعيات الفقر فتكاً بالمجتمع المغربي نجد ارتفاع حالات الانتحار التي بلغت، حسب تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، 3.5 بالمائة بين الإناث و7 بالمائة بين الرجال، سنة 2018.
وهناك قصور كبير في البيانات الحديثة حول الفقر في المغرب، فقد فشلت المؤسسات الإحصائية المغربية في تقديم أحدث تلك الإحصائيات إلى مائدة النقاش العام، فنادراً ما تقوم الحكومة بإجراء المسوح الأسرية على المستوى الوطني من أجل تقدير الفقر والدخل والثروة للأفراد، وحتى المسوحات التي يتمّ إنجازها من قبل باحثين مستقلين غالباً ما تكون غير شاملة وتنتهي بتقدير الفقر والثروة واللامساواة بأقل من قيمها الحقيقية، وبالتالي تساهم قلّة هذه الإحصائيات وعدم شفافيتها حتماً في اتّساع الفراغ الديمقراطي، بل أكثر من ذلك تجعل أيّ دراسة حول موضوع الفقر واللامساواة في المغرب منافية تماماً للواقع والحقيقة.
تفاوت توزيع الدخل
يصنَّف المغرب من بين أكثر الدول العربية تفاوتاً في توزيع الثروة والدخل، حيث ما زال المشهد الاجتماعي في المغرب يتَّسم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للمداخيل والثروة إلى يومنا هذا.
وإن واصلت السلطات على هذا المنوال ستحطِّم المغرب مستقبلاً جميع الأرقام القياسية في اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث توثِّق الإحصائيات المتاحة لدى البنك الدولي حول توزيع دخل الأسر التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة في المغرب.
فقد قُدِّر نصيب أفقر 20 بالمائة (الخمس الأدنى على سلم توزيع الدخل) بـ6.7 بالمائة سنة 2013، بينما قُدِّر نصيب أغنى 20 بالمائة (الخمس الأعلى) بـ47 بالمائة سنة 2013، أي أنّ أغنى 20 بالمائة من المغاربة يستحوذون على 47 بالمائة من الدخل مقابل 6.7 بالمائة لأفقر 20 بالمائة من المغاربة، كما بلغ نصيب أفقر 10 بالمائة (العشر الأدنى على سلم توزيع الدخل) 2.7 بالمائة سنة 2013، مقابل 31.9 بالمائة لأغنى 10 بالمائة (العشر الأعلى على سلم توزيع الدخل).
استفحال البطالة وارتفاع التضخم
تفيد إحصائيات منظمة العمل الدولية لسنة 2018 بأنّ معدل البطالة بين الشباب (15-24 سنة) بلغ 21.88 بالمائة وسيصل إلى 21.9 سنة 2019، والبطالة ما هي إلاّ فيروس يلتهم كل الجهود التي بُذلت في سبيل التخفيف من حدّة الفقر، ويساهم في انكماش الطبقة الوسطى وانزلاق شريحة كبيرة منها نحو براثن الفقر.
وبكل تأكيد سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما استمرّت الأوضاع على حالها، خاصّة مع موجة التضخم التي ستجتاح البلاد خلال السنوات القادمة، إذ سيقفز معدل التضخم من 0.75 بالمائة سنة 2017 ليصل إلى 2 بالمائة سنة 2020، الأمر الذي سيزيد من تآكل القدرة الشرائية ويقوّضها، كما سيفاقم من سوء المستوى المعيشي للمواطن المغربي البسيط أكثر مما هو عليه، وهذا بحدّ ذاته سيؤدي إلى اشتداد الغليان الاجتماعي والاحتقان الطبقي.
اقــرأ أيضاً
بالطبع لن تتمكَّن الحكومة المغربية من القضاء على الفقر بين ليلة وضحاها، والحلّ مرهون بالإرادة السياسية والالتزام المستمرّ بتنفيذ السياسات التي تحدّ من الفقر، كخلق المزيد من مناصب الشغل الدائمة، والحرص على توجيه الدعم للفئات التي تحتاجه من خلال التحويلات الاجتماعية، وهذا يتطلَّب بدوره جمع بيانات موثوقة وشفافة عن الدخل والثروة ونسب الفقر والفئات المستحقة للدعم.
وهناك ضرورة جدّ ملحّة لتحديث ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺠﺒﺎئي المغربي الذي يتَّسم بعدم الإنصاف، لذلك فهو يقتضي المراجعة وإعادة النظر في أسرع وقت ممكن، فليس من المجدي نفعاً الاعتماد على الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة.
ويجب بدلاً من ذلك الاعتماد على الضرائب المباشرة المتصاعدة على الدخل ورأس المال والثروة، إضافة إلى التصدِّي للتهرب الضريبي.
والمشكل الأكبر أنّ الحكومة المغربية والسلطات المعنية على علم تامّ بكل هذه التوصيات الضرورية والتي يجب أن تتحرَّر من كونها مجرَّد حبر على ورق وتجد طريقها نحو التطبيق على أرض الواقع، ولكن ما الذي يمنع الحكومة المغربية من المضي قدماً نحو الحدّ من الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تنفيذ تلك التوصيات؟ والإجابة بسيطة وتتمثل في الفساد ونفوذ اللوبيات اللذين يعيقان الجهود الرامية إلى تجفيف منابع الفقر وإحلال المساواة بين مختلف طبقات المجتمع.
ويُعد المغرب أحد أكثر دول شمال أفريقيا الحاصلة على دعم مالي من المنظمات الدولية بغية دحر الجوع والتخفيف من حدّة الفقر، وبالرغم من ذلك تتخبَّط العديد من الأسر المغربية في الفقر وتصارع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة.
ولكن عندما يفشل الدعم المالي الدولي وكذا القروض الدولية والسياسات المحلية في وضع حدٍّ للفقر ويتساوى المغرب الغني بالثروات في معدل الفقر مع الصومال وزيمبابوي يتَّضح أنّ هناك خللا كبيرا في السياسات المنتهجة والتي تزيد الفقير فقراً والغني غنى.
أرقام صادمة
حسب بيانات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين مغربي من الفقر والعوز، حيث تشتدّ حدّة الفقر في الريف مقارنة بالمدن.
وأفاد تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2018 أنّ نسبة السكان الذين لا يتعدَّى استهلاكهم 3.10 دولارات للفرد في اليوم قُدِّرت بـ8.2 بالمائة، وهناك 3.1 بالمائة من السكان لا يتعدَّى استهلاكهم في اليوم الواحد 1.90 دولار.
كما أكَّد هذا التقرير أنّه علاوة على السكان الذين يقبعون تحت خط الفقر، فإنّ نسبة السكان المغاربة المعرَّضون للفقر متعدد الأبعاد وصلت إلى 13.2 بالمائة سنة 2018.
ومن أخطر تداعيات الفقر فتكاً بالمجتمع المغربي نجد ارتفاع حالات الانتحار التي بلغت، حسب تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، 3.5 بالمائة بين الإناث و7 بالمائة بين الرجال، سنة 2018.
وهناك قصور كبير في البيانات الحديثة حول الفقر في المغرب، فقد فشلت المؤسسات الإحصائية المغربية في تقديم أحدث تلك الإحصائيات إلى مائدة النقاش العام، فنادراً ما تقوم الحكومة بإجراء المسوح الأسرية على المستوى الوطني من أجل تقدير الفقر والدخل والثروة للأفراد، وحتى المسوحات التي يتمّ إنجازها من قبل باحثين مستقلين غالباً ما تكون غير شاملة وتنتهي بتقدير الفقر والثروة واللامساواة بأقل من قيمها الحقيقية، وبالتالي تساهم قلّة هذه الإحصائيات وعدم شفافيتها حتماً في اتّساع الفراغ الديمقراطي، بل أكثر من ذلك تجعل أيّ دراسة حول موضوع الفقر واللامساواة في المغرب منافية تماماً للواقع والحقيقة.
تفاوت توزيع الدخل
يصنَّف المغرب من بين أكثر الدول العربية تفاوتاً في توزيع الثروة والدخل، حيث ما زال المشهد الاجتماعي في المغرب يتَّسم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للمداخيل والثروة إلى يومنا هذا.
وإن واصلت السلطات على هذا المنوال ستحطِّم المغرب مستقبلاً جميع الأرقام القياسية في اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث توثِّق الإحصائيات المتاحة لدى البنك الدولي حول توزيع دخل الأسر التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة في المغرب.
فقد قُدِّر نصيب أفقر 20 بالمائة (الخمس الأدنى على سلم توزيع الدخل) بـ6.7 بالمائة سنة 2013، بينما قُدِّر نصيب أغنى 20 بالمائة (الخمس الأعلى) بـ47 بالمائة سنة 2013، أي أنّ أغنى 20 بالمائة من المغاربة يستحوذون على 47 بالمائة من الدخل مقابل 6.7 بالمائة لأفقر 20 بالمائة من المغاربة، كما بلغ نصيب أفقر 10 بالمائة (العشر الأدنى على سلم توزيع الدخل) 2.7 بالمائة سنة 2013، مقابل 31.9 بالمائة لأغنى 10 بالمائة (العشر الأعلى على سلم توزيع الدخل).
استفحال البطالة وارتفاع التضخم
تفيد إحصائيات منظمة العمل الدولية لسنة 2018 بأنّ معدل البطالة بين الشباب (15-24 سنة) بلغ 21.88 بالمائة وسيصل إلى 21.9 سنة 2019، والبطالة ما هي إلاّ فيروس يلتهم كل الجهود التي بُذلت في سبيل التخفيف من حدّة الفقر، ويساهم في انكماش الطبقة الوسطى وانزلاق شريحة كبيرة منها نحو براثن الفقر.
وبكل تأكيد سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما استمرّت الأوضاع على حالها، خاصّة مع موجة التضخم التي ستجتاح البلاد خلال السنوات القادمة، إذ سيقفز معدل التضخم من 0.75 بالمائة سنة 2017 ليصل إلى 2 بالمائة سنة 2020، الأمر الذي سيزيد من تآكل القدرة الشرائية ويقوّضها، كما سيفاقم من سوء المستوى المعيشي للمواطن المغربي البسيط أكثر مما هو عليه، وهذا بحدّ ذاته سيؤدي إلى اشتداد الغليان الاجتماعي والاحتقان الطبقي.
وهناك ضرورة جدّ ملحّة لتحديث ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺠﺒﺎئي المغربي الذي يتَّسم بعدم الإنصاف، لذلك فهو يقتضي المراجعة وإعادة النظر في أسرع وقت ممكن، فليس من المجدي نفعاً الاعتماد على الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة.
ويجب بدلاً من ذلك الاعتماد على الضرائب المباشرة المتصاعدة على الدخل ورأس المال والثروة، إضافة إلى التصدِّي للتهرب الضريبي.
والمشكل الأكبر أنّ الحكومة المغربية والسلطات المعنية على علم تامّ بكل هذه التوصيات الضرورية والتي يجب أن تتحرَّر من كونها مجرَّد حبر على ورق وتجد طريقها نحو التطبيق على أرض الواقع، ولكن ما الذي يمنع الحكومة المغربية من المضي قدماً نحو الحدّ من الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تنفيذ تلك التوصيات؟ والإجابة بسيطة وتتمثل في الفساد ونفوذ اللوبيات اللذين يعيقان الجهود الرامية إلى تجفيف منابع الفقر وإحلال المساواة بين مختلف طبقات المجتمع.