مناورة حكومية مع صندوق النقد: هل ينجح رهان مصر أكبر من أن تفشل؟

05 نوفمبر 2024
تسعى مصر للحصول على مزيد من القروض، القاهرة في 3 إبريل 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الحكومة المصرية تحديات كبيرة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، حيث تعتمد بشكل كبير على القروض الدولية، مما يثير مخاوف من زيادة الديون وتأثيرها السلبي على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
- يحذر الخبراء من بيع الأصول العامة كوسيلة لسداد الديون دون إصلاحات هيكلية شاملة، حيث تظل خدمة الدين الخارجي مرتفعة، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المصري.
- يشير التقرير إلى تحسن طفيف في احتياطات البنك المركزي واستقرار سعر الصرف، لكن التضخم المحلي يظل مرتفعًا، مما يتطلب إصلاحات اقتصادية جذرية لتحقيق استقرار مستدام.

في وقت تجري الحكومة مفاوضات مكثفة مع بعثة صندوق النقد الدولي التي تقوم على مدار أسبوع بالمراجعة الرابعة للموازنة العامة وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع بين الصندوق ومصر في فبراير/شباط 2022، جرى تطويره في مارس/آذار 2023، مقابل قرض قيمته 8 مليارات دولار، يبدي خبراء مخاوفهم من تعويل الحكومة على طلب المزيد من القروض من صندوق النقد والجهات الداعمة الدولية، لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مستغلة حالة الاضطراب الجيو-سياسي، التي تشهدها المنطقة، ودفع شركاء مصر في واشنطن والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، إلى دعم المزيد من الاقتراض، والتعامل مع مصر على أنها" أكبر من أن تفشل". 

يذكر الخبراء الحكومة بأن تلك المقولة التي عولت عليها خلال الأعوام الماضية ومكنت الحكومة من الحصول على قروض هائلة بلغت 57 مليار دولار لوقف انهيار الاقتصاد المصري عام 2023، من صندوق النقد والدول الداعمة للنظام، رغم ما بها من " إساءة لدولة تحتضن أكبر عدد من السكان العرب في العالم، وصفة لزعزعة الاستقرار". ودعا الخبراء الدولة أن تسمح بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، بدلاً من الاكتفاء بالمناورة مع صندوق النقد، حول زيادة القروض أو مدد تنفيذ زيادة أسعار المحروقات التي ارتفعت 3 مرات أثرت على زيادة معدلات التضخم عن 26%، بعد تراجعه لفترة وجيزة خلال الصيف الماضي مما أثار حالة من السخط الشعبي.

وقال خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده لــ"العربي الجديد" إن الحكومة التزمت أمام الصندوق بيع 35 شركة عامة خلال عامي 2023-2024، ولم تستطع الوفاء بتعهدها مع صندوق النقد، مع تذبذب سعر الصرف عام 2023، ولجوئها إلى بيع حصتها في الشركات العامة إلى مستثمر رئيسي بما أفقدها تحصيل أكثر من 2.2 مليار دولار، وتخلت عن ملكية أصول تاريخية وشركات تحقق عوائد كبيرة بالدولار لصالح الموازنة العامة. أضاف عبده أن الحكومة أصبحت عالقة بين عدم قدرتها على الوفاء بشروط الصندوق، وصعوبة البيع السريع للأصول بما يدفعها إلى تحميل الضغوط المالية على المواطنين، مع توسعها في بيع الأصول العامة، لضمان سداد العجز المتوقع في الموازنة ودفع قيمة الواردات من السلع الأجنبية. 

في سياق متصل دعا المركز المصري للدراسات الاقتصادية، خبراء الاقتصاد لمناقشة نتائج تقريره الشهري حول الأسواق الدولية والمحلية، صباح غد الأربعاء، بحضور شريف سامي رئيس هيئة الرقابة المالية السابق ومساعد وزير التموين السابق مدحت نافع ورئيس مؤسسة المصريون الدوليون هاني توفيق، لبحث مدى تأثر الأسواق الناشئة بانخفاض الفائدة على الدولار، بما دفع إلى ارتفاع قيمة عملاتها مقابل الدولار، مع تعرضها لضغوط مخاطر تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، وحالة عدم اليقين، أدت إلى ارتفاع عائدات السندات وعقود مقايضة مخاطر الائتمان.

تحذير من بيع الأصول لسداد ديون مصر

وحذر المركز في تقريره، من تعويل الحكومة على مواجهة أزمة الديون الخارجية، على بيع الأصول عبر صفقات مالية ضخمة، كمدينة رأس الحكمة التي بيعت للصندوق السيادي بدولة الامارات، في مواجهة أزمة الديون الخارجية، من دون الالتزام بإصلاح هيكلي شامل للاقتصاد، مشيراً في دراسة تحليلية لسوق المال المحلي والدولي، إلى أن الصفقات الضخمة، كبيع رأس الحكمة مقابل 35 مليار دولار، وأخرى أجريت مع صندوق النقد مقابل 8 مليارات دولار، أدت إلى انخفاض الديون المستحقة، وفي المقابل ما زالت خدمة الدين الخارجي مرتفعة للغاية لعام 2025، حيث يقدر الخبراء قيمة خدمات الدين العام وأقساطه بنحو 31 مليار دولار للعام المقبل.

أشار التقرير، إلى أن اتجاه عائد السندات آخذ في الارتفاع، مع خروج بعض الأموال الساخنة من الأسواق المالية، بما أثر على مقايضات مخاطر الائتمان، التي تذبذبت خلال الشهرين الماضيين، وانتهت عند مستوى أدنى بما يضمن محافظة الدولة على علاقات جيدة مع شركائها الاستراتيجيين إقليمياً ودولياً. بلغ العائد على السندات المصرية لأجل 10 سنوات نحو 30%، في بداية الربع الأول والرابع من العام الجاري وبمتوسط 28% لعام 2024. 

رصد التقرير سريان التضخم المحلي في اتجاه معاكس للمستويات المسجلة في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، وارتفاعه في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024، جراء تطبيق الزيادة التي أقرتها الحكومة برفع أسعار السلع والخدمات، ما أدى إلى تراجع في نمو المعروض النقدي من جديد، مع محافظة البنك المركزي على نهجه المتشدد بالسياسة النقدية، مستهدفاً امتصاص السيولة. 

بيّن التقرير أنه على الرغم من الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية العالمية، والحرب في المنطقة، لكن احتياطات البنك المركزي آخذة في الارتفاع مع استقرار صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي، رغم خروج بعض الأموال الساخنة من السوق، متأثراً بتدفقات العملات الأجنبية وتحويلات المصريين في الخارج، ساهمت في استقرار سعر الصرف، ومواجهة السوق السوداء. وأشار التقرير إلى انخفاض معدلات التضخم في الأسواق الناشئة متأثرة باستقرار أسعار السلع الأساسية، ومع انخفاض معدلات التضخم في حين ما زالت أسعار الفائدة مرتفعة للغاية في أسواق أخرى، مع توقع ببدء تراجعها قريباً.

ونوه التقرير إلى تراجع المخاوف من التضخم عالمياً جراء توجيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض أسعار الفائدة، والتوجه نحو التيسير النقدي السريع في المستقبل، بعد خفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عامين بمقدار 50 نقطة. 

من ناحية أخرى أوضح الخبير الاقتصادي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بين فيشمان في تحليله حول الإصلاحات الاقتصادية في مصر، أنه رغم التحديات التي تواجهها الأمنية مصر على جميع حدودها الإقليمية، يكمن التهديد الوجودي الفعلي الذي تواجهه في أزمتها الاقتصادية الراهنة، محذراً من أن تعول الحكومة على أنه سيتم إنقاذ مصر مجدداً من أزمة مالية خانقة كما حدث عام 2023، عندما اتفق صندوق النقد مع الداعمين الدوليين على تقديم قروض واستثمارات عاجلة بقيمة 57 مليار دولار.

وذكر فيشمان أن معاناة الاقتصاد من الإنفاق المفرط والاقتراض الزائد، أدت إلى بلوغه أدنى مستوياته عام 2023، إلى أن قامت الإمارات بشراء منطقة "رأس الحكمة" على ساحل البحر المتوسط مقابل 35 مليار دولار، بما ساعد على تخفيف أزمة العملة، وتعويم الجنيه وتوحيد سعر الصرف، منوهاً إلى أنه رغم التحسن الملموس في الاقتصاد ما زال الطريق طويلاً أمام الحكومة إذا كانت تطمح حقاً في تحقيق استقرار اقتصادي مستدام، والاستفادة المثلى من التدفقات المالية الجديدة.

المساهمون