البطاقة التموينية في العراق... حجب استنسابي عن الأسر وشبهات فساد

16 فبراير 2019
تناقص عدد الموادّ المشمولة بالبطاقة التموينية(أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
اضطر العراق من أجل معالجة جانب من تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي فُرض عليه، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي (661) لعام 1990 والحروب المتعاقبة، إلى تطبيق نظام البطاقة التموينية منذ عام 1991 التي أصبحت بمرور الزمن السلّة الغذائية للشعب العراقي.

وتتكفل الدولة من خلال هذه البطاقة بتوزيع الموادّ الغذائية الأساسية على المواطنين شهرياً، بما يسد جزءاً من حاجتهم.

إلا أن مفردات البطاقة (الموادّ الغذائية المشمولة) تناقصت من عشر موادّ على الأقل شهرياً قبل عام 2003، إلى مادّتين أو ثلاث في السنوات الأخيرة، على الرغم من ازدياد حدّة المشكلات المعيشية التي تزامنت مع أزمة اقتصادية ضربت البلاد.

وانتقد عدد من المسؤولين في حديث مع "العربي الجديد" التراخي والإهمال، الذي يطاول أحد أبرز مكتسبات المواطنين.

إذ حمّل عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي الحكومات المتتالية منذ عام 2003 مسؤولية تراجع مفردات البطاقة التموينية، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن البطاقة التموينية أصبحت تحتل مراتب متأخرة جداً في اهتمامات المسؤولين غير المكترثين بقوت الشعب العراقي.

وانتقد غياب المؤسسات الرقابية عن الإشراف على مفردات البطاقة، التي أصبحت مخجلة بأعدادها وإجراءاتها، مضيفاً: "أصبحت كأنها صدقة تعطى من الحكومة إلى الشعب".

وتابع أن "البطاقة التموينية تمثل استحقاقاً للمواطنين، الذي لطالما قصّرت فيه الحكومات المنشغلة بالصراعات والمكاسب السياسية".

بدوره، أرجع عضو البرلمان عن تيار الحكمة علي البديري تدني مفردات البطاقة التموينية إلى سببين، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن السبب الأول يعود للتخصيصات المالية.

أما السبب الثاني فيعود إلى الفساد الذي ضرب وزارة التجارة المسؤولة عن استيراد وتوزيع مفردات البطاقة التموينية، موضحاً أن ذكر تخصيصات البطاقة التموينية يكاد يكون معدوماً في موازنات السنوات الأخيرة، وحتى في خطابات رئيس الوزراء الحالي، ورؤساء الحكومات السابقة.

وأضاف: "لا نجد أي سبب مقنع من الحكومة للتقصير في قضية البطاقة التموينية، التي تزداد مشكلاتها عاماً بعد عام"، مضيفاً: "لو أعطيت الأموال التي تصرف على البطاقة التموينية للمواطن لكان أفضل، لأن عقود تأمين مفردات البطاقة التموينية في السنوات الأخيرة كانت مليئة بشبهات الفساد".

وأشار عضو مجلس النواب رامي السكيني، إلى وعود من وزير التجارة محمد العاني بتحسين مفردات البطاقة التموينية، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن الحكومة هي التي تتحمل التقصير في هذا الملف.

وأضاف أنه "يوجد تخصيص مالي من وزارة التجارة يمكن أن يضمن تحقيق وعود وزير التجارة لزيادة مفردات البطاقة التموينية"، واصفاً وضع البطاقة التموينية الحالي بـ "البائس".

وأرجع الناشط المهتم بالشؤون الاقتصادية فؤاد محمد، إقدام الحكومة العراقية على خفض دعمها لمفردات البطاقة التموينية إلى ضغوط مورست من صندوق النقد الدولي، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن تخصيصات البطاقة التموينية في الموازنة بدأت بالتراجع منذ عام 2005، وأشار إلى وجود توجهات نحو إلغاء البطاقة التموينية بشكل تدريجي.

وهذا ما أكده وكلاء لتوزيع مفردات البطاقة التموينية، وأشخاص يعانون من حجب البطاقة عن أسرهم. وقال سمير صبيح، وهو وكيل لتوزيع الموادّ الغذائية في بغداد، إن البطاقة التموينية حُجبت عن عدد كبير من الأسر التي يوجد فيها شخص يتقاضى مرتباً يفوق المليون ونصف المليون دينار عراقي (ما يعادل 1200 دولار)، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن مفردات البطاقة التموينية تراجعت وأصبحت مقتصرة على الأرزّ والسكّر وزيت الطعام.

وانتقد سلام إبراهيم، وهو أستاذ في جامعة بغداد ما وصفه بـ "بدعة" حجب البطاقة التموينية عمّن يتجاوز مرتّبه مليوناً ونصف المليون دينار، لافتاً لـ "العربي الجديد" إلى أن هذا الأمر ينطوي على ظلم كبير.

وشرح: "أتقاضى مرتّب مليون وستمئة ألف دينار، وفي الوقت ذاته أدفع إيجاراً شهرياً قدره مليون ومائة ألف دينار لمنزلي في حي المنصور ببغداد"، مبيناً أن "الباقي من المرتب لا يكفيني لتأمين مستلزمات عائلتي لبقية الشهر".

وتابع: "أعرف الكثير من الأشخاص الذين يجنون مداخيل عالية، ولم تحجب عنهم البطاقة التموينية على الرغم من كونهم أغنياء ويمتلكون قصوراً وشركات"، مشيراً إلى أن حجب البطاقة التموينية عن فئة من المواطنين يتعارض مع الدستور الذي يساوي بين جميع العراقيين.
دلالات
المساهمون