تواجه الصيرفة الإسلامية في الجزائر صعوبات عديدة في ربح المزيد من المساحات في الساحة المصرفية، رغم مراهنة الحكومة عليها في السنوات الأخيرة، لامتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية والمقدرة بأكثر من 40 مليار دولار، حسب تقديرات غير رسمية.
ورغم إلزام الحكومة في موازنة 2019، بإطلاق خدمة الصيرفة الإسلامية، لاتزال هذه الخدمة حبيسة القوانين والتصريحات الحكومية.
ولم يعلن أي بنك عمومي إطلاقة نوافذ للصيرفة الإسلامية، رغم سماح الحكومة في نهاية السنة الماضية للمصارف العمومية بفتح نوافذ إسلامية بدءاً من يناير/كانون الثاني الماضي، لتنضم بذلك إلى ثلاثة مصارف تعتمد الصيرفة الإسلامية في الجزائر كلها خليجية، على غرار فروع الجزائر لمجموعة "البركة" البحرينية، و"الخليج الجزائر" الكويتي، والسلام الإماراتي، إلا أن الإطلاق لايزال متعثرا.
وحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من الجمعية الجزائرية للبنوك، فإن البنك المركزي الجزائري قد تلقى 6 طلبات من مصارف عمومية لفتح نوافذ تتعامل بالصيرفة الإسلامية، إلا أن المشكلة تبقى في عدم امتلاك المركزي لهيئة مؤهلة لإعطاء رأي شرعي في المنتجات المصرفية التي قُدّمت، رغم وجود الضوء الأخضر من الحكومة.
وهو نفس السيناريو الذي وقع في السابق مع المصارف الإسلامية المعتمدة، والتي لم يفصل المركزي الجزائري في تطابق تعاملاتها مع "الشريعة الإسلامية" حتى الآن، رغم نشاطها لأكثر من 30 سنة كما هو حال مصرف "البركة".
وتمثلت خدمات الصيرفة الإسلامية المعتمدة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثات وتجهيزات)، فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.
وتبقى العقبة الأولى التي تواجه انتشار الصيرفة الاسلامية في الجزائر، غياب الإطار القانوني المنظم لها، فقانون "القرض والنقد" المنظم لعمل ونشاط المصارف لا يحمل أي مواد تتحدث عن الصيرفة الإسلامية بشكل صريح، رغم وجود مصارف إسلامية جلها طرح منتجات إسلامية لم تفصل فيها هيئة دينية رسمية سواء داخل البنك المركزي الجزائري أو خارجه.
ووفق الخبير في الاقتصاد الإسلامي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، فارس مسدور، فإن "الحكومة الحالية ورغم تبنيها للصيرفة الإسلامية في موازنة 2019، إلا أنها لم تبد أي نية صريحة لتنظيمها والدليل وفق نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" هو "عدم تعديل قانون القرض والنقد حتى يتماشى مع ما جاء به قانون موازنة العام الجاري".
وقال مسدور إن "الصيرفة الإسلامية فرضتها الظروف المالية ولم تأت عن قناعة سياسية، وإلا ما يمنع بنك الجزائر المركزي من تشكيل هيئة علمية دينية مكونة من رجال دين وإطارات مصرفية تفصل في مثل هذه النوافذ".
من جانبه قال أستاذ العلوم الإسلامية، جمال حضري، إن "الإشكال كان في الأسباب، لأن الحكومة لجأت إلى الصيرفة الإسلامية لجلب الأموال النائمة خارج القطاع الرسمي وليس عن قناعة تامة بهذا النوع من الصيرفة، وبالتالي نحن نجعل من الدين ترقيعا لأخطاء وقعت بسبب سوء تسيير للبلاد، وهذا يكفي ليجعل من هذا النوع من الصيرفة حلا مؤقتا قد يزول بزوال أسبابه، أي حل الأزمة المالية وارتفاع أسعار النفط".
وتابع حضري في حديثه لـ "العربي الجديد" إن الصيرفة الإسلامية في الجزائر تحتاج إلى هيئة شرعية موحدة تكون المرجع في ظل وجود تنوع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى أخر ومن دولة إلى أخرى.
وحسب العاملين في المجال المصرفي، فإن تباطؤ انتشار الصيرفة الإسلامية في البلاد لا يعود فقط إلى الجانب القانوني والفقهي، بل يتعداهما إلى أسباب أخرى تقنية ومتعلقة بواقع الساحة المالية التي تتميز بهيمنة المصارف العمومية.
ويقول مسؤول بأحد الفروع البنكية لأحد المصارف الإسلامية الخليجية، معمر قبراجي، إن "المصارف العمومية تحوز على 87 في المائة من السوق المصرفية فيما تتقاسم الـ13في بالمائة المتبقية أكثر من 13 بنكا خاصا كلها أجنبية، وبالتالي فإن المصارف العمومية لديها الأولية والأفضلية".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد أن "هذه الهيمنة أثرت على انتشار المصارف الإسلامية في الجزائر".
وذكر أن حجم الأموال المتداولة في المصارف الإسلامية لا يتعدى 200 مليار دينار أي أقل من ملياري دولار، وهو رقم ضئيل للغاية بالنظر للإمكانيات المالية المتوفرة في الجزائر، ويجب أن تُوضع استراتيجية واضحة لتسويق الصيرفة الإسلامية".
وتحت ضغط الأزمة النفطية وتراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، لجأت الجزائر في موازنة 2020، إلى فتح باب الاستدانة الخارجية أمام الشركات العمومية الكبرى من أجل تمويل مشاريعها، وذلك في ظل شح الموارد المالية للخزينة العمومية.
وقبل هذه الخطوة، لجأت نهاية 2017 إلى اعتماد التمويل غير التقليدي الذي سمح للبنك المركزي بطبع ما يعادل 60 مليار دولار من العملة المحلية، وإقراضها للخزينة العمومية بقروض دون فوائد.
لكن سرعان ما جمدت الحكومة المؤقتة برئاسة نور الدين بدوي، هذه الآلية بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مطلع إبريل/ نيسان الماضي، عقب اندلاع حراك شعبي مناهض لنظامه.