يمثل طرح حصة من أسهم شركة أرامكو النفطية العملاقة حجر زاوية في "رؤية 2030 " التي يتبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إطار خطة المملكة تنويع مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر يمثل أكثر من ثلثي الإيرادات العامة للدولة.
أهمية صفقة أرامكو تنبع من أسباب كثيرة، منها حجم السيولة التي يمكن أن تدرها عملية البيع على المملكة والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية، وهو مبلغ ضخم ومطلوب في ظل عجز الموازنة العامة وتراجع أسعار النفط المصدر الرئيسي للإيرادات العامة.
إضافة إلى محاولة الحكومة جذب استثمارات أجنبية ضخمة للسوق المحلي، والترويج لصورة المملكة في الخارج والتي تضررت كثيراً بسبب زيادة المخاطر الناجمة عن حرب اليمن واغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية.
وقد أعلنت حكومة المملكة عدة مرات عن موعد طرح حصة 5% من أسهم شركة أرامكو في الأسواق العالمية بداية من عام 2016، عقب إطلاق رؤية 2030.
إلا أنه تقرر تأجيل عملية الطرح عدة مرات لأسباب عدة منها الظروف الصعبة التي مرت بها السعودية عقب اغتيال خاشقجي وتهاوي أسعار النفط في العام 2016، والشعور بالقلق من مخاطر قانونية عقب إقرار السلطات الأميركية تشريعات تسمح للمواطنين الأميركيين بمقاضاة الحكومة السعودية، وبالتالي مصادرة مليارات الدولارات من أموال المملكة المودعة في البنوك الأميركية
لكن منذ شهور أعلنت المملكة مرة أخرى عزمها إتمام عملية الطرح قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم 2020، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تلقت شركة أرامكو ضربات قاسية، آخرها العملية الإرهابية الكبيرة التي وقعت منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الماضي واستهدفت قلب صناعة المملكة النفطية، منشأتي أبقيق وخريص، وأدت إلى تعطل أكثر من 50% من الإنتاج النفطي وبما يعادل 5.7 ملايين برميل يومياً، وقبلها استهداف مواقع إنتاج وشاحنات نفطية تابعة للشركة النفطية.
وعقب هجوم سبتمبر 2019 الأخير ارتبك المشهد أمام صانع القرار السعودي وتعقد قرار الطرح، فقد تكبدت أرامكو خسائر مالية فادحة.
وحسب التقديرات فإن السعودية خسرت الشركة نحو ملياري دولار من إنتاج النفط الخام في أعقاب الهجمات التي استهدفت منشآتها النفطية، إذ انخفض الإنتاج بنحو 660 ألف برميل يوميا، في حين رفعت مصادر أخرى الرقم إلى 1.3 مليون برميل. كذلك خفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية تصنيف أرامكو درجة واحدة إلى A، بعد أيام من خفض تصنيفها للمملكة.
جديد خسائر أرامكو ممارسة بنوك الاستثمار العالمية ضغوطاً على السعودية لخفض القيمة السوقية للشركة من تريليوني دولار، إلى 1.5 تريليون دولار فقط، أي أقل بنسبة 25% من التقييم الذي توقعه ولي العهد، وهو ما يفقدها 500 مليار دولار مرة واحدة بسبب الحادث الأخير الذي لم يعرف أحد مرتكبيه حتى الآن.
وبعد أن كانت السعودية تتحدث عن بيع 5% من أسهم أرامكو يجرى الحديث حاليا عن نسبة تتراوح ما بين 1 و2% يجرى طرحها في البورصة السعودية، كما يجرى الحديث عن ضغوط تمارسها السلطات على أعضاء الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال، الذين تم اعتقالهم بتهم الرشى في العام 2017، واحتُجزوا في فندق ريتز كارلتون لتغطية الطرح المحلي للأسهم، على أن يتبع ذلك طرح دولي، قد يكون في طوكيو، بحلول عام 2020 أو 2021.
وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإن هذا يعني أن فرص طرح أرامكو في الأسواق الدولية تتراجع، حيث كانت المملكة تأمل في أن يتم الطرح عبر البورصات العالمية وفي مقدمتها نيويورك أو لندن، بالإضافة إلى بورصة الرياض.
أرامكو في مأزق، فالتراجع عن عملية الطرح مرة أخرى يهزّ الثقة بمصداقية القرار السعودي، والاستمرار في الطرح يعني تكبد خسائر ضخمة تضاف إلى الخسائر التي تتكبدها المملكة بسبب استهداف منشآتها النفطية من وقت لآخر.
والخاسر النهائي هنا هو الاقتصاد السعودي، خاصة إذا علمنا أن أرامكو تعد أكبر شركة في العالم في مجال النفط والغاز، وأن أرباحها الصافية بلغت 111 مليار دولار في العام الماضي 2018، وبذلك تكون الشركة الأولى في العالم من حيث الربحية، كما تحقق إيراداً يوميا يبلغ حوالي مليار دولار حسب تقديرات مجلة فوربس الأميركية.