مع تعاظم الحرب في سورية، التي اندلعت وما زالت مستمرّة، على خلفية الاحتجاجات المناهضة لنظام بشار الأسد، اختفت من المشهد الاقتصادي طبقات تقليدية تقبض عادةً على التجارة وسوق المال في البلاد، لصالح صعود أمراء الحرب وما عُرف بـ "تجّار الأزمة" الذين صنعهم النظام. من بين الأسماء التي ذهب بريقها أحمد راتب الشلاح، المعروف بـ"شهبندر تجار سورية". ورغم أن الموت أخفى الشلاح عن المشهد، لكن اسمه وتاريخه مع عائلته لا يزالان يحتملان الكثير من القول.
ولد أحمد راتب الشلاح في دمشق عام 1932، وهو نجل شهبندر تجّار دمشق بدر الدين الشلاح، أحد أهم تجار دمشق، لعائلة لها باعها في التجارة والأسواق. وتلقى الشلاح تعليمه بمدرسة برمانا الداخلية في لبنان، ثم سافر إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية ليكمل تعليمه العالي ويحصل على شهادة الدكتوراه في المالية وإدارة الأعمال، واستطاع فيما بعد الحصول على ماجستير في الفلسفة والاقتصاد والسياسة من جامعة أوكسفورد، ليعود بعدها إلى سورية، حيث تولى منصب رئيس غرفة التجارة بدمشق في ثمانينيات القرن الماضي. كذلك، شغل راتب الشلاح منصب رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، واستطاع خلال توليه هذا المنصب تطوير أساليب الإدارة، وتحديث المفاهيم الاقتصادية في سورية.
ولعب الشلاح دوراً بارزاً على الصعيد الاقتصادي المحلي والإقليمي والدولي، إذ تدرّج في مناصب عديدة، منها توليه رئاسة سوق دمشق للأوراق المالية، ثم أصبح نائب رئيس اللجنة السورية الوطنية، ورئيس مجلس إدارة مركز الأعمال السوري الأوروبي، ونائب رئيس غرفة التجارة الدولية في سورية، ورئيس مجلس إدارة بنك سورية والمهجر، ورئيس مجلس رجال الأعمال السوري اللبناني، وكان عضواً مؤسساً في شركة الرخاء التجارية، وعضواً مؤسساً في الشركة السورية الدولية للتأمينات "أروب سوريا". كما كان للشلاح دور بارز في تطوير وتمكين مفاهيم التجارة في القطاع الخاص بسورية، لمواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية.
ولم يكن الشلاح رجل أعمال وتاجراً فحسب، بل كان من البارزين في سورية والمنطقة على الصعيد الأكاديمي والفلسفي المختصّ بالاقتصاد، فكان محاضراً في قسم الاقتصاد بجامعة دمشق، وكذلك في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في بيروت، كما شغل عضوية مجلس المحافظين في معهد الدراسات العليا في دمشق، وجامعة النيل الإسلامية في السودان.
ونال أحمد راتب الشلاح في مسيرته العديد من الجوائز والأوسمة التكريمية، كوسام النيل من جامعة السودان من الدرجة الأولى، ووسام جوقة الشرف برتبة فارس من إيطاليا، ووسام الشرف السامي من النمسا، بالإضافة لحصوله على ميدالية ذهبية من تشيكوسلوفاكيا.
أما على الصعيد العملي فقد لُقّب الشلاح بمهندس أو خبير الاكتفاء الذاتي، لدعمه مشاريع الاكتفاء الذاتي وتنظيره لها، كما كرّس جزءاً من أمواله لدعم المشاريع الصغيرة عبر منظمات المجتمع المدني في سورية، فكان يدعم العشرات منها التي تساهم في التمكين الاقتصادي للمواطنين على مستوى سورية.
وفي السياسة لم يكن للشلاح موقف معلن من الحرب في سورية على عكس تجار كبار آخرين فيها، والذين اتخذوا موقفاً إلى جانب النظام ودعموه، كما يشاع عن الشلاح انتماؤه للماسونية العالمية وبالتحديد لمحفل الشرق الأوسط، و"محفل شرق كنعان" في لبنان، والذي نعاه كأخ ماسوني يوم وفاته.