جريمة المرأة التي هزت بنوك بريطانيا

15 مارس 2017
هوغ تتمتع بالكفاءة المهنية ولكنها خالفت قواعد البنك (فيسبوك)
+ الخط -


في بلادنا يلقي بعض محافظي البنوك المركزية "النكات" ويدلون بتصريحات مثيرة وحماسية تؤثر سلباً على تحركات الأسواق والاسعار، خاصة سوق الصرف والعملات، ولا أحد يحاسبهم أو حتى يلفت نظرهم لخطر هذه "المزحة" غير المقصودة.

وفي المقابل تستقيل نائبة محافظ أعرق بنك مركزي في العالم لسبب تافه من وجهة نظر الكثير، ولا أحد يرحم الشخصية المستقيلة من منصبها أو يثنيها عن قرارها حتى ولو كان خطأها غير متعمد وليس بالجسيم ولا يؤثر على دائرة صنع القرار في الموقع الذي تشغله.

أمس الأول دوت قنبلة داخل القطاع المصرفي البريطاني العريق حيث استقالت "شارلوت هوغ" نائبة محافظ بنك انكلترا (البنك المركزي البريطاني) للشؤون المصرفية والأسواق والرئيسة التنفيذية للعمليات، من منصبها لعدم إفصاحها عن أمر غير مؤثر وهو أن شقيقها كان يعمل في بنك باركليز عندما انضمت للعمل في البنك المركزي، وأنها لم تبلغ الجهات الرقابية أن شقيقها هو مدير المشروعات بالوحدة الاستراتيجية لبنك باركليز في استمارة تعيينها.

استقالة شارلوت هوغ جاءت على خلفية انتهاكها قواعد السلوك بالبنك المركزي البريطاني وعدم كشفها عن تضارب محتمل في المصالح، ويتعلق بوظيفة شقيقها في بنك تجاري يخضع لرقابتها عبر موقعها الحساس.

قد يعتبر البعض "جريمة" نائبة المحافظ المستقيلة سطحية ولا تؤثر مطلقا على موقعها، خاصة وأن السيدة أكدت في خطاب الاستقالة المقدم لمحافظ البنك أنه "ليس لدي أي علاقة مالية مع أخي، وأنا ملتزمة تماماً بحماية المعلومات السرية والفصل بين الحياة المنزلية والعمل".

ولم يشفع لها الخطأ البريء وعدم الإفصاح عن طبيعة عمل أخيها في الاستمارات الصحيحة، أو اعتذارها في استقالتها حينما قالت " أكرر اعتذاري وتحملي وحدي المسؤولية بالكامل عن هذا الخطأ".

كما قد يشفع للسيدة تقرير لجنة اختيار الخزانة الصادر أول أمس الثلاثاء والذي يؤكد، أن شارلوت هوغ تتمتع "بالكفاءة المهنية التي ترقى إلى مستوى المعايير العالية جداً اللازمة لتنفيذ مسؤوليات إضافية من نائب المحافظ للأسواق المصرفية".

ولم يشفع لها تاريخها الأسري العريق والعملي الطويل، فـ"شارلوت هوغ"، تنتمي لواحدة من العائلات السياسية المؤثرة في بريطانيا، وكانت مسؤولة عن شراء الأصول للبنك المركزي.

ولم يشفع لها اسف محافظ بنك إنجلترا، مارك كارني، الشديد عن اختيار السيدة قرار الاستقالة من البنك، وتأكيده أن "بنك انجلترا اليوم هو أقوى وأكثر تنوعا وآمنا وفعالية في جزء كبير منه بسبب شارلوت هوغ"، و"اننا سوف نفعل كل ما بوسعنا لتكريم عملها لشعب المملكة المتحدة".

وأخيراً لم يشفع لنائب محافظ البنك المركزي البريطاني التوقيت، حيث تأتي استقالتها في توقيت حرج حيث تستعد البلاد للخروج من الاتحاد الأوروبي.

لكن البنوك المركزية العريقة لا تتسامح مع أخطاء القيادات المصرفية حتى إن كانت طفيفة ولا ترقى لجريمة الفساد المالي والإداري، فالقطاع المصرفي حساس ومسؤول عن حماية أموال المودعين، وتحديد تحركات أسعار الصرف والفائدة وإدارة السياسة النقدية والدين العام الحكومي، وطباعة البكنوت، والرقابة على البنوك وشركات الصرافة والمؤسسات المالية.

وبالتالي فإن إثارة اللغط حول شخصية مهمة داخل هذه البنوك قد تشكك في مصداقية القرارات التي تتخذها السلطات النقدية خاصة المتعلقة برفع أو خفض أسعار الفائدة أو تحركات العملة، والرقابة على القطاع المصرفي.

البنوك المركزية العريقة لديها قواعد صارمة، وتعتبر أن تضارب المصالح جريمة كبيرة، ومن هنا عندما يتولى شخص منصباً بها فإنه يسارع بالكشف عن أي معلومة تتعلق بأمواله وثروته ووظائف أسرته وأقاربه، ولا تنطبق هذه القواعد على البنك المركزي بل تنسحب على القطاع المصرفي، فهناك رؤساء يستقيلون عندما تحوم حولهم شائعات أو يخلطون بين الحياة العامة والخاصة، أو تؤثر علاقاتهم الشخصية على قراراتهم.

وهناك مدراء بنوك قد يتم اقتيادهم للسجن في حال مخالفة تعليمات البنوك المركزية، أو التلاعب في أسواق الصرف والفائدة، أو خداع العملاء والتلاعب بأموالهم.


المساهمون