خرج بدافع من اليأس، بحثا عن الفردوس المفقود، بعد أن تكسرت أحلامه على صخور البطالة، وظل ينتظر دوره سنوات في طابور العاطلين. رهن بلال عيادي (28 سنة)، مستقبله برحلة على متن قارب أبحر خلسة من شاطئ الشابة بمحافظة المهدية التونسية، هربا من أوضاعه المعيشية الصعبة بعد أن تمكّن من توفير وتأمين 1200 دولار (معلوم" الرحلة) التي ينظمها دوريا صاحب مركب يفترض أن يكون نشاطه الطبيعي الصيد البحري.
يقول عيادي لـ"العربي الجديد"، إن فكرة الهجرة السرية (غير الشرعية) عبر البحر كانت تراوده منذ أكثر من عشر سنوات، حيث تمكّن بعض من شباب حيه بمنطقة حي هلال (من أكثر الأحياء فقرا في العاصمة تونس)، من الوصول إلى الشواطئ الإيطالية بسلام وحصلوا على وثائق إقامة وعقود عمل مكنتهم من تحسين أوضاعهم الاجتماعية، مؤكدا على أن سماسرة تنظيم هذا النوع من الرحلات أقنعوه بأن المركب الذي سيقله إلى "لامبيدوزا" الإيطالية يملك كل مقومات السلامة ولن يتجاوز عدد المسافرين على متن رحلته 50 شخصاً.
ويضيف عيادي، العائد من رحلة الموت بعد أن غرق أغلب من كان معه بسبب عطل طارئ على قارب غير شرعي، أن "قارب صيد إيطالي التقطه وهو يصارع في الرمق الأخير من أجل البقاء"، معتبرا أن منظمي هذه الرحلات لا يهمهم إلا الكسب ولو كان الأمر على حساب حياة شباب أمله الوحيد هو كسب الرزق، ما جعل من المتوسط مقبرة مفتوحة بين الضفتين الأوروبية والأفريقية، حسب وصفه.
يشير عيادي إلى أن وسطاء رحلات الهجرة السرية في حيه وبقية الأحياء الشعبية يتقنون الترويج لرحلاتهم داخل الأوساط الشبابية الفاقدة لفرص العمل، مشبها إياهم بأكبر وكالات الأسفار، معولين في ذلك على منسوب الإحباط والتهميش والبطالة التي يعاني منها شباب هذه الأحياء.
ويحتجّ عيادي مثل العديد من شباب الأحياء الشعبية في تونس، على غياب حلول تنموية تنتشل الشباب من خريجي المعاهد والكليات من براثن البطالة، مشيرا إلى أن جمعيات تعنى بالمهاجرين في إيطاليا فتحت له أبواب الأمل بعد نجاته من موت محقق بتمكينه من 3000 دولار لمساعدته على بعث مشروع خاص، وهو ما مكنه من فتح محل للحلاقة يوفر له يوميا عائدات بنحو 20 دولارا.
وحسب إحصائيات رسمية، صعدت نسبة البطالة في تونس إلى 15.5% حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وبلغ عدد المتعطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية 267.7 ألف فرد، بنسبة 31.9% من إجمالي العاطلين خلال الفترة نفسها.
وبات تنظيم رحلات الهجرة السرية أو ما يصطلح عليه في تونس بـ"الحَرقة" أشبه ببزنس تنظيم الرحلات الترفيهية، حيث تنشط في هذا المجال شبكات تشرف على جميع المراحل، بداية من اختيار العملاء وصولا إلى نقلهم نحو الشواطئ بعد التعاقد مع السفن التي ستقلهم إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
وحسب سماسرة، يبلغ معدّل كلفة الرحلة للفرد الواحد ما بين 1500 و3000 دينار، أي تقريبا ما بين 650 و1300 دولار، تنطلق في قوارب صيد متوسطة الأحجام، حيث يعمد بعض من أصحاب مراكب الصيد البحري إلى تأجير مراكبهم إلى منظمي رحلات الهجرة السرية نظرا للمردود السهل والسريع لهذه الرحلات.
وتوضح دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود الخارجية، أن مردود مركب يحمل 450 شخصاً يصل إلى حوالي مليون يورو، معتبرة أن عددا كبيرا من بحارة المتوسط منخرطون في تنظيم رحلات الهجرة السرية التي تنطلق على الأغلب من السواحل التونسية والليبية في غفلة من السلطات البحرية.
كما يؤكد التقرير أن مافيا تهريب المهاجرين صارت تنشط بشكل مكشوف وفي وضح النهار خصوصاً في المناطق التي تقل فيها المراقبة، بل إنها تشتغل بحرية كأنها وكالات أسفار عادية·
وأظهرت نتائج دراسة حول "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أن 45% من الشباب التونسي لديه استعداد للهجرة حتى ولو كانت غير شرعية.
وكشفت الدراسة التي أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة "روزا لكسمبورغ"، أن 81% من الشباب المستجوبين لديهم استعداد لتمويل الهجرة غير النظامية.
ويعتبر المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن فشل سياسة التنمية في تونس قبل الثورة وبعدها من الأسباب الرئيسية لانتشار الهجرة السرية، معتبرا أن إقبال الشباب على هذا النوع من الرحلات أنتج شبكات سفر مختصة في رحلات الموت.
ويؤكد الرمضاني أن غياب أجهزة رقابة عصرية لمتابعة نشاط مراكب الصيد البحري يسهل بشكل كبير تنظيم رحلات "الحَرقة"، ولا سيما أن منظميها يدرسون جيدا المسالك الآمنة لعبور قواربهم، ما أدى إلى بروز تجارة مربحة أشبه ما يكون بتجارة الرقيق، حسب تعبيره.
وينتقد الرمضاني عقم الاتفاقات التي تم إبرامها مع الاتحاد الأوروبي أو الاتفاقيات الثنائية، خاصة مع إيطاليا وفرنسا، حول الهجرة السرية.
وحسب بيانات نشرها موقع "الاكسبرس" البريطاني، شهد البحر المتوسط مرور 153.946 شخصاً في 2015، وأغلب المهاجرين من إثيوبيا وإريتريا ونيجيريا وتونس، في حين أكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنه منذ 2014 قضى أو فقد أكثر من 10 آلاف مهاجر أثناء محاولتهم الوصول بحراً إلى أوروبا معظمهم في البحر المتوسط.
اقــرأ أيضاً
ويضيف عيادي، العائد من رحلة الموت بعد أن غرق أغلب من كان معه بسبب عطل طارئ على قارب غير شرعي، أن "قارب صيد إيطالي التقطه وهو يصارع في الرمق الأخير من أجل البقاء"، معتبرا أن منظمي هذه الرحلات لا يهمهم إلا الكسب ولو كان الأمر على حساب حياة شباب أمله الوحيد هو كسب الرزق، ما جعل من المتوسط مقبرة مفتوحة بين الضفتين الأوروبية والأفريقية، حسب وصفه.
يشير عيادي إلى أن وسطاء رحلات الهجرة السرية في حيه وبقية الأحياء الشعبية يتقنون الترويج لرحلاتهم داخل الأوساط الشبابية الفاقدة لفرص العمل، مشبها إياهم بأكبر وكالات الأسفار، معولين في ذلك على منسوب الإحباط والتهميش والبطالة التي يعاني منها شباب هذه الأحياء.
ويحتجّ عيادي مثل العديد من شباب الأحياء الشعبية في تونس، على غياب حلول تنموية تنتشل الشباب من خريجي المعاهد والكليات من براثن البطالة، مشيرا إلى أن جمعيات تعنى بالمهاجرين في إيطاليا فتحت له أبواب الأمل بعد نجاته من موت محقق بتمكينه من 3000 دولار لمساعدته على بعث مشروع خاص، وهو ما مكنه من فتح محل للحلاقة يوفر له يوميا عائدات بنحو 20 دولارا.
وحسب إحصائيات رسمية، صعدت نسبة البطالة في تونس إلى 15.5% حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وبلغ عدد المتعطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية 267.7 ألف فرد، بنسبة 31.9% من إجمالي العاطلين خلال الفترة نفسها.
وبات تنظيم رحلات الهجرة السرية أو ما يصطلح عليه في تونس بـ"الحَرقة" أشبه ببزنس تنظيم الرحلات الترفيهية، حيث تنشط في هذا المجال شبكات تشرف على جميع المراحل، بداية من اختيار العملاء وصولا إلى نقلهم نحو الشواطئ بعد التعاقد مع السفن التي ستقلهم إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
وحسب سماسرة، يبلغ معدّل كلفة الرحلة للفرد الواحد ما بين 1500 و3000 دينار، أي تقريبا ما بين 650 و1300 دولار، تنطلق في قوارب صيد متوسطة الأحجام، حيث يعمد بعض من أصحاب مراكب الصيد البحري إلى تأجير مراكبهم إلى منظمي رحلات الهجرة السرية نظرا للمردود السهل والسريع لهذه الرحلات.
وتوضح دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود الخارجية، أن مردود مركب يحمل 450 شخصاً يصل إلى حوالي مليون يورو، معتبرة أن عددا كبيرا من بحارة المتوسط منخرطون في تنظيم رحلات الهجرة السرية التي تنطلق على الأغلب من السواحل التونسية والليبية في غفلة من السلطات البحرية.
كما يؤكد التقرير أن مافيا تهريب المهاجرين صارت تنشط بشكل مكشوف وفي وضح النهار خصوصاً في المناطق التي تقل فيها المراقبة، بل إنها تشتغل بحرية كأنها وكالات أسفار عادية·
وأظهرت نتائج دراسة حول "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أن 45% من الشباب التونسي لديه استعداد للهجرة حتى ولو كانت غير شرعية.
وكشفت الدراسة التي أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة "روزا لكسمبورغ"، أن 81% من الشباب المستجوبين لديهم استعداد لتمويل الهجرة غير النظامية.
ويعتبر المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن فشل سياسة التنمية في تونس قبل الثورة وبعدها من الأسباب الرئيسية لانتشار الهجرة السرية، معتبرا أن إقبال الشباب على هذا النوع من الرحلات أنتج شبكات سفر مختصة في رحلات الموت.
ويؤكد الرمضاني أن غياب أجهزة رقابة عصرية لمتابعة نشاط مراكب الصيد البحري يسهل بشكل كبير تنظيم رحلات "الحَرقة"، ولا سيما أن منظميها يدرسون جيدا المسالك الآمنة لعبور قواربهم، ما أدى إلى بروز تجارة مربحة أشبه ما يكون بتجارة الرقيق، حسب تعبيره.
وينتقد الرمضاني عقم الاتفاقات التي تم إبرامها مع الاتحاد الأوروبي أو الاتفاقيات الثنائية، خاصة مع إيطاليا وفرنسا، حول الهجرة السرية.
وحسب بيانات نشرها موقع "الاكسبرس" البريطاني، شهد البحر المتوسط مرور 153.946 شخصاً في 2015، وأغلب المهاجرين من إثيوبيا وإريتريا ونيجيريا وتونس، في حين أكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنه منذ 2014 قضى أو فقد أكثر من 10 آلاف مهاجر أثناء محاولتهم الوصول بحراً إلى أوروبا معظمهم في البحر المتوسط.