عام تفاقم الأزمات ... 2017 الأسوأ اقتصاديا على غزة

27 ديسمبر 2017
موظفو غزة يطلبون المساعدة (عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -



يعد العام الجاري 2017  الذي شارف على نهايته، عاماً صعباً على سكان قطاع غزة وتجارها واقتصادها، حيث شهد تكاثر الازمات، أزمةٌ تلو الأخرى أنهكت الاقتصاد المتعثر، وكبدته خسائر طالت أرزاق الفلسطينيين المُرتكزة على أحلام لا تنتهي من مليوني مواطن يعيشون في القطاع المحاصر، كانوا يأملون بتحسن الأوضاع المعيشية، مُودعين عام "الجُيوب الفارغة"، بانتظار عامٍ آخر قد يشهد تحسناً أو يبقى الوضع على حاله.

وشهد الربع الثاني من العام الجاري، انتكاسةً صادمة لسكان قطاع غزة بعد إقدام الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على فرض إجراءات وصفت بالعقابية، مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، تمثلت في خصم 30% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع، فضلاً عن توقف الحكومة الفلسطينية في رام الله عن دفع فاتورة الكهرباء ما نتج عنه خصم 50 ميغاوات من الخطوط الإسرائيلية المغذية للقطاع، عدا عن وقف التحويلات الطبية.

تلك الإجراءات العقابية والمفاجئة ضد القطاع، لم يتوقع أشد المتشائمين فيها إبقاءها إلى الآن مفروضة، في وقت تسببت به في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان، لتكتب مزيدًا من فصول المعاناة وتعميق حالة العوز للغزّيين، في ظل حصارٍ آخر يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع للعام الحادي عشر على التوالي، وغلق شبه دائم من قبل السلطات المصرية لمعبر رفح، الطريق الوحيد للغزييين إلى العالم.

وعلى الرغم من الوصول أخيراً، إلى أملٍ لدى الفلسطينيين بتحقيق المصالحة الفلسطينية، على خلفية الاتفاق المعلن بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تواجه عقبات عدة، وفي طياته وعود سابقة من حكومة الوفاق الوطني برفع العقوبات عن غزة وتحسين الأوضاع، لم يَلمس المواطن الغزّي شيئًا من ذلك بعد.

وخفّضت تلك العقوبات طوال الشهور الماضية من القدرة الشرائية للمواطنين في القطاع، ومعها تكبد التجار خسائر كبيرة، وصلت إلى إغلاق بعضهم محالهم التجارية، وبعضهم الآخر ركنوا كراسيّهم على أبواب رزقهم يناظرون مرور الفلسطينيين العابر من أمام تلك البضائع التي كساها الغُبار.

ذلك المشهد يفسر تقديرات مختصين والذين أكدوا أن الإجراءات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة حرمت القطاع من نحو 20 مليون دولار أميركي شهرياً، كانت تمثل سيولةً نقدية للقطاعات التجارية المختلفة داخل القطاع المنهك اقتصاديًا من الأساس جراء تبعات الحصار الإسرائيلي وشنها الحروب الثلاث العدوانية المدمرة على القطاع أعوام 2008 و2012 و2014.



كما انعكست أزمة الكهرباء سلباً على سكان غزة جميعًا، وعمّقت من حالة الظلام على الحياة في المدينة، ودفعت عدداً من تجارها إلى إغلاق محالهم التجارية بعدما وصل بهم الحال إلى أشده، كان أبرزَها مشهد محل تجاري في قطاع غزة علّق على واجهة بابه المغلق لافتة كُتب عليها: "المحل مغلق بسبب الكهرباء، حسبي الله ونعم الوكيل".

نتج ذلك المشهد الذي تكرر مع عدد من المحال التجارية خلال السنة، جراء الانخفاض الحاد في ساعات وصل التيار الكهربائي لمناطق القطاع، تدرجت تنازلياً من ثماني ساعات وصل مقابل مثلها قطع، إلى 4 ساعات وصل في أحسن الأحوال، وفصل لنحو 20 ساعة متتالية، أحدثت موجة من الغضب الحاضر بين الفلسطينيين.

حتى أن التجار حاولوا التغلب على تلك الأزمات بخنق أنفسهم في دائرة التنزيلات والعروض، التي حاولوا بها على مدار العام الخروج من الحركة الشرائية الضعيفة، عبر تخفيض أسعار منتجاتهم، أملاً في تحريك جيوب بعضٍ من الغزّيين الذين عزفوا أيضًا عن تلك الإغراءات، ما يُفسر الوضع المعيشي السيء لهم.

أما من أبقوا على محال أرزاقهم التي يعتاشون عليها، فذهبوا إلى واقع بائس بتسريح عدد من العاملين لديهم، جراء انخفاض القدرة الشرائية ومعها الركود في عائداتهم المالية، التي لم تقوَ على سد مصاريفهم الشهرية، ليرفع من حجم البطالة التي تضرب القطاع في أعلى نسبةٍ لها في السنوات الأخيرة.

ووصلت البطالة في غزة إلى نحو 46.6%، معظمها بين صفوف الشباب المتعلمين، الذين باتوا يبحثون عن منفذ للخروج من ذلك المستنقع دون حلول في الأفق، ومعها ارتفاع معدلات الفقر في القطاع، في ظل عدم تجاوز متوسط دخل الفرد فيه دولاراً واحداً.
هذا العام المزدحم بالأزمات خنق مرافق الحياة في القطاع، وأضعف بنية الاقتصاد الهش، وعمّق البطالة وأعدم فرص العمل، مخلفًا أزمات اقتصادية، تزيد من دعوات البؤساء في غزة بإيجاد حلول جذرية لتلك الأزمات التي لا تنتهي عند عامٍ فقط لتبدأ مع آخر، كما جرى الحال في السنوات الأخيرة.

ويقول مدير العلاقات العامة والإعلام بالغرفة التجارية في غزة، ماهر الطباع، إن عام 2017 هو الأسوأ اقتصادياً على القطاع، بسبب معاناته من سياسة الحصار الإسرائيلي والهجمات الإسرائيلية المتكررة عليه، وتأخر عملية إعادة الإعمار على الرغم من تحذيرات المؤسسات الدولية من تداعيات ما سبق.

ويضيف الطباع لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال استمر بإجراءاته العقابية بحق غزة، والتي تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون، أقصى شمال القطاع، وتجاوز عدد التجار ورجال الأعمال الممنوعين والمسحوبة تصاريحهم ثلاثة آلاف شخص، عدا عن اعتقال العشرات منهم.

ويشير إلى أن سلطات الاحتلال أضافت العديد من السلع والبضائع إلى قوائم الممنوعات، وكل هذا يأتي في إطار سياسة إسرائيل بتشديد الحصار وخنق قطاع غزة، منوهًا إلى أن معدلات البطالة وصلت إلى أعلى نسبها التي اعتبرت الأعلى عالميًا وفقًا للبنك الدولي.

ويُرجع الطباع حالة الركود التجاري في 2017 والتي لم يسبق لها مثيل، إلى خصم حوالي 30% إلى 50% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) فقط، حيث تسبب ذلك في "خلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق والتي أدت لتداعيات خطيرة وكارثية على مناحي الحياة بغزة".

ويقول إن "الجزء الأكبر من هؤلاء الموظفين مَدينون للبنوك ومجمل ما يتقاضونه شهريًا لا يتجاوز 40% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال، وبعد خصم قيمة 30% من الراتب لن يتبقى للموظف شيء ليعتاش منه ويسدد التزاماته وديونه بدءًا من البقالة حتى إيجار السكن
وفواتير الخدمات الخاصة بالكهرباء والمياه والاتصالات".


ويؤكد رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في غزة، النائب جمال الخضري، أن 2017 هو الأسوأ اقتصادياً وإنسانياً على القطاع، حيث تجلّت فيها كل تداعيات الحصار الإسرائيلي على مدار عشر سنوات سابقة، والانقسام الفلسطيني الذي ألقى بظلاله على خلق أزمات ضده.
ويلفت الخضري في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن أزمتي الرواتب والكهرباء انعكست سلبًا على العمال والشركات المختلفة في غزة، وأوجدت ربع مليون عامل في غزة معطلين عن العمل، كما سبقها تقليل المساعدات الواردة للقطاع ومنع دخول العديد منها والبضائع والتي حجّمت من الأيدي العاملة.

ويعتمد أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في غزة على المساعدات، التي تقدمها المؤسسات الإغاثية والأممية، والتي من ضمنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في الوقت الذي سجلت فيه معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي معدلات مرتفعة نتيجة للحصار وتلاحق الحروب الإسرائيلية.

ويشير الخضري إلى أنه في "حال استمرت هذه الظروف مع العام المقبل، ستكون غزة مقبلة على مأساة أخرى، المطلوب قبلها رفع الحصار الإسرائيلي وفتح المعابر وإنهاء العقوبات المفروضة على القطاع من قبل السلطة الفلسطينية، والتخلص من آثار الانقسام الفلسطيني، والبدء بالتفكير بآلية تحويل غزة لمكان عمل".

ويأمل الغزّيون أن لا تتكرر حالة الملل في تطلعاتهم بتحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والخروج من خانة الأزمات المتلاحقة، في المساحة السكانية المزدحمة بمليوني مواطن كما يعبرون عنها مع نهاية كل عام على مدار السنوات الماضية دون تحقيقها، ويأملون بواقع مغاير يُنعش حياتهم وجيوبهم على حد سواء.

المساهمون