ساحل اليمن الغربي: الحرب تفاقم أزمات "إقليم الفقراء"

17 ديسمبر 2017
الأمم المتحدة تحذر من انتشار المجاعة (الأناضول)
+ الخط -
في مناطق تهامة بالساحل الغربي لليمن والمطلة على البحر الأحمر، حيث يعيش آلاف من أفقر فقراء البلاد، بدأت معارك شرسة بين قوات الحكومة المدعومة من التحالف العربي وجماعة المتمردين الحوثيين، ما أدى إلى تعطل حركة التجارة وأعمال الإغاثة وتوقف مظاهر الحياة.
وتهدد المعارك نحو مليوني نسمة في هذه المناطق بمزيد من الجوع والفقر والتشرد، وبتدمير سبل العيش وما تبقى من مصادر الرزق. وقد ظلت هذه المناطق بعيدة عن الحرب التي تدور منذ أكثر من عامين ونصف العام، لكن تأثيراتها وصلتهم منذ منتصف العام الماضي، حيث بدأت بوادر مجاعة حقيقية تظهر في مديريات محافظة الحديدة بإقليم تهامة (غرب اليمن)، وبات السكان عاجزين عن توفير الطعام والماء والاحتياجات الأساسية.
ويعتمد السكان في "إقليم الفقراء" على المساعدات وحصص غذائية مقدمة من منظمات إغاثة، ويعيشون على الخبز والماء للبقاء على قيد الحياة، ويعرقل القتال قدرة المنظمات العاملة في المجال الإنساني على الوصول إلى الأشخاص الذين هم في أشد الحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
وأعلنت القوات الحكومية المدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية، في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن تحرير بلدة الخوخة الساحلية بمحافظة الحديدة (غرب البلاد)، من قبضة المتمردين الحوثيين، وبدأت الزحف نحو بلدة "حيس" المجاورة، في انطلاق لمعركة الساحل الغربي التي تهدف إلى تحرير ميناء الحديدة وهو الميناء الرئيس لليمن.
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، توقف مشاريع إغاثة الفقراء والجياع في بلدتي "الخوخة" و"حيس" مع اندلاع المعارك، وهي المشاريع التي يعتمد عليها السكان بشكل أساسي بعد توقف مصادر دخلهم، وأبرزها صيد السمك والزراعة.
وقال نصر عبيد، وهو أحد سكان بلدة الخوخة: "منذ أكثر من عام يعتمد السكان على المعونات ومساعدات الإغاثة التي تقدمها منظمات محلية ودولية، حيث يحصلون على كميات من القمح والدقيق والأرز والسكر والزيوت شهرياً، وتوقف هذه المساعدات يهدد المنطقة بكارثة إنسانية ويهدد السكان بالموت جوعاً".
وتقع "الخوخة" في محافظة الحديدة، غرب اليمن. وهي مدينة ساحلية تمتاز بجمال طبيعي، وكانت في الماضي مقصداً للسياحة، ويقطنها حوالي 35 ألف نسمة، حسب آخر إحصاء في عام 2004.
واعتبرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن القتال على طول ساحل البحر الأحمر سيؤدي إلى عرقلة الواردات التي تشكل 90% من الغذاء الرئيسي في اليمن، فضلا عن القضاء على مهنة صيد الأسماك التي تشكل مصدراً هاماً من مصادر الدخل والغذاء.
ومن المرجح أن يؤثر انعدام الأمن على طول خط الساحل على الزراعة، بحسب المنظمات الدولية، كما سيعيق التجارة ويجبر المزيد من الناس على ترك منازلهم ويحد من توافر الغذاء ويعطل سبل العيش.
وحذرت منظمات تابعة للأمم المتحدة، هي منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي (فاو) ويونيسف، من أن يؤدي انعدام الأمن إلى الحد من وصول المساعدات الإنسانية بحيث تقتصر على بضعة كيلومترات فقط حول المدن الرئيسية، ما يترك المجتمعات المحلية الريفية في حاجة ماسة للحصول على المعونات.
وأعلنت الحكومة الشرعية اليمنية، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، محافظة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر (غرب اليمن)، منطقة منكوبة بعد تفاقم أزمة الغذاء وانتشار المجاعة، وقال محافظها عبد الله باغيث، إن المجاعة تفتك بنحو 82% من سكانها.
وأكد أبو الغيث، في بيان، وجود أكثر من 3 ملايين شخص بالمنطقة بحاجة للغذاء والدواء، وأوضح أنه لا توجد طبقة متوسطة في المدينة، بل كلهم فقراء.

ويشكل سكان محافظة الحديدة 11% من إجمالي سكان اليمن، يعيشون حياة بدائية ويفتقدون للخدمات، ويصنف غالبية سكانها ضمن الفقراء وهم من صغار المزارعين، والأشخاص المعدمين، والرعاة البدو، والصيادين الحرفيين، وفقا لتقرير عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
وتعاني مديريات المحافظة من نقص حاد في الغذاء، وسوء تغذية عند الأطفال والأمهات، إضافة إلى ارتفاع عدد المرضى وانتشار الأوبئة والأمراض، مثل حمى الضنك والتيفوئيد والكوليرا، وانعدام أبسط الخدمات العامة.
وحولت المعارك مناطق "حيس" التي كانت تعج بالحركة والأسواق إلى مدينة أشباح، وبدت منذ التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مهجورة من سكانها الذين نزحوا إلى الأرياف المجاورة خوفاً على حياتهم. وأكد سكان محليون أن الآلاف من سكان المدينة البالغ عددهم 50 ألف نسمة نزحوا منها، وبينهم عشرات من صغار التجار وأصحاب المهن.
وكانت بلدة حيس قبل الحرب قد شهدت نهضة تجارية حولتها من قرية إلى مدينة متوسطة، بفضل خصوبة أراضيها وتحولها إلى سوق شهير للمنتجات الزراعية فضلا عن كونها مركزاً مهماً لصناعة الخزف والفخار.
وقال عبد الله حبيب، وهو تاجر مواد غذائية لـ"العربي الجديد": "مع بدء المعارك توقفت حركة الأسواق في المدينة بشكل كامل وأغلقت المحال التجارية، وينتشر المسلحون في الشوارع والقناصة يتمركزون في المباني، وقد فضلت إغلاق المحل الذي يمثل مصدر رزقي والعودة إلى قريتي في مديرية شرعب بمحافظة تعز المجاورة".


وأعلنت قوات الجيش اليمني، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وصولها إلى حدود مديرية التحيتا، ثالث مديريات محافظة الحديدة، غرب البلاد، التي تعاني من الجوع وظهور مؤشرات المجاعة منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، ويعاني سكانها من الفقر المدقع، وأطفالها من الهزال وسوء التغذية والعشرات منهم أصبحوا مجرد هياكل عظمية.
وقال الناشط المحلي عبد الله الدروبي، لـ"العربي الجديد": "في التحيتا أطفال لا يعرفون ما هي الشكولاتة، كانت وجبتهم الخبز، لكن حتى ذلك لم يعد ممكناً. كل طفل هنا تحول جسمه إلى جلد وعظم. الناس هنا يموتون".
وأوضح الدروبي أن مديرية التحيتا تعتبر زراعية، حيث تقع في أسفل وادي زبيد الشهير، ويوجد فيها شريط ساحلي طويل، ولذا تمثل الزراعة وصيد الأسماك مصادر دخل للسكان، ولكن بسبب الحرب انعدمت هذه المصادر.
وأكد أن الفقر المدقع ينتشر في المنطقة بشكل كبير، فلا يعرف السكان حرفة أخرى غير صيد الأسماك، قائلاً: "جل أكل السكان اليوم هو الخبز مع الشاي، الذي غالبا ما يكون بدون سكر".
ودعت منظمة أوكسفام الخيرية الدول المانحة، قبل نحو أسبوعين، إلى زيادة المساعدات الإنسانية لليمن لإنقاذ حياة ملايين المدنيين الذين يواجهون الجوع والمرض بدلا من تقديم الأسلحة التي تؤجج الصراع المتأزم، وأضافت أوكسفام، في بيان، أن الأزمة الغذائية قد تزداد سوءا إن لم يبعث المجتمع الدولي برسالة واضحة بأن هجوم التحالف على الحديدة، “سيقابل برفض تام”.
ويعتبر ميناء الحديدة أكبر المنافذ لدخول الشحنات التجارية والإنسانية إلى اليمن، حيث تصل نسبة 70% من الواردات إلى اليمن من خلال هذا الميناء والذي يقع حالياً في قلب الصراع.
وقال مصدر ملاحي في ميناء الحديدة، الذي تسيطر عليه جماعة أنصار الله (الحوثيين)، غربي اليمن، إن الأمم المتحدة أعادت إصدار التصاريح للسفن التجارية والإغاثية بدخول الميناء، بعد ستة أيام من إغلاقه من قبل التحالف العربي.
وذكر المصدر، أخيرا، أن فريق آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة (أونفيم) في مكتب جيبوتي، أصدر تصاريح للسفن، ومن المتوقع أن تدخل أولى السفن إلى الغاطس التابع للميناء خلال الساعات القادمة.
وقال يحيى شرف الدين، نائب مدير مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية (يسيطر عليها الحوثيون)، المشغّلة للميناء، في تصريحات صحافية، إن المؤسسة تلقت تأكيدات من الأمم المتحدة بفتح الميناء مجدداً وعودة السفن.
واليمن هو ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث التغذية، وتحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى بين محافظات اليمن في معدلات سوء التغذية بين الأطفال ما دون سن الخامسة، وسجلت أعلى معدلات سوء التغذية الحاد في البلاد، حيث بلغت 25%، وتبلغ عتبة حالة الطوارئ التي حددتها منظمة الصحة العالمية نسبة 15%.

وبحسب آخر مسح ميداني لمنظمة يونيسيف، يعاني 32% من أطفال المحافظة سوء تغذية، منهم 10% يعانون سوء التغذية الشديد الذي يؤدي إلى كثير من المضاعفات ومنها الوفاة.
ويشهد اليمن حربا منذ نحو ثلاثة أعوام، بين جماعة الحوثيين المتحالفين مع إيران ويسيطرون على العاصمة صنعاء، وبين قوات حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي التي يدعمها تحالف عربي بقيادة السعودية.
وأدى القتال على مدى عامين ونصف العام، إلى ضرب مقومات الاقتصاد اليمني الهزيل أصلا وبنيته التحتية، وتوقف صرف منح الرعاية الاجتماعية ثم الرواتب (منذ أغسطس/ آب 2016)، وأغلقت معظم مؤسسات القطاع الخاص والمصانع والشركات، ما أدى إلى تفاقم البطالة وبالتالي ضعف القدرة على تحصيل المستلزمات اليومية.
وترك النزاع آثاراً مدمرة على الأمن الغذائي وسبل كسب العيش، وتسبب في ندرة المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع الأساسية، وتعطيل سبل كسب العيش، والأسواق، والزراعة، وصيد الأسماك، وأنشطة الاستيراد والتصدير والأنشطة التجارية، وقد أدى هذا إلى انخفاض خطير في دخول السكان فضلاً عن صعوبة الحصول على المواد الغذائية الأساسية.
وبحسب دراسة تقييم الاحتياجات الإنسانية لليمن لهذا العام، يعجز 10.6 ملايين يمني عن تلبية احتياجاتهم من الغذاء، من ضمنهم خمسة ملايين يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وحذرت الأمم المتحدة، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن وانتشار المجاعة بعدما أصبح أكثر من 10 ملايين نسمة يعانون من الجوع، بينهم نصف مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية.
وطالبت الأمم المتحدة برفع كامل للحصار الذي يفرض على كامل مناطق اليمن، بينما دعت الرياض إلى تشديد الرقابة على الشحنات البحرية لمنع تهريب أسلحة إلى المتمردين الحوثيين.
وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، من أنه إذا لم يرفع التحالف الحصار عن اليمن حيث يعيش "سبعة ملايين شخص على حافة المجاعة"، فإن هذا البلد سيواجه "المجاعة الأضخم" منذ عقود، ما قد يؤدي لسقوط "ملايين الضحايا".