تونس تخسر رهان التقاعد المبكر لخفض عدد الموظفين

11 أكتوبر 2017
الضغوط المعيشية تعرقل التقاعد المبكر (فرانس برس)
+ الخط -
جاءت نتائج المساعي الحكومية في تونس لتقليص عدد الموظفين مخيبة للآمال، بسبب العزوف عن تقديم طلبات التقاعد المبكر، بالرغم من كل الضمانات التي قدمها القانون لهذا الغرض.
واستهدفت الحكومة إحالة عشرة آلاف موظف إلى التقاعد المبكر خلال العام الجاري 2017، غير أن عدد الطلبات التي تلقتها مختلف الوزارات لم تتجاوز الثلاثة آلاف طلب، وفق بيانات رسمية تم الكشف عنها في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد انقضاء الآجال القانونية لتقديم الطلبات.
وتبنت الحكومة تحت ضغط من مؤسسات الإقراض الدولية، إجراءات لخفض كتلة الأجور، من أجل تقليص عجز الموازنة، تتضمن تقليص عدد موظفي القطاع الحكومي عبر ما يُعرف بالتسريح الطوعي.
ويجيز قانون التقاعد المبكر الذي صادق عليه البرلمان، في فبراير/شباط الماضي، للموظفين العموميين، التقاعد قبل بلوغهم السن القانونية بثلاث سنوات، وذلك في إطار خطة حكومية لتقليص عدد موظفي الدولة من 650 ألف موظف حالياً إلى ما دون 500 ألف، في السنوات الخمس المقبلة.
وتحدّد تلقي طلبات التقاعد لمن يبلغون السن القانونية، خلال الفترة من الأول من يناير/كانون الثاني 2018 إلى نفس التاريخ من 2021.
وأرجع أشرف العيادي، الخبير الاقتصادي التونسي، عدم تحقيق الخطة الحكومية لخفض عدد موظفي الدولة أهدافها وضعف عدد المقبلين على التقاعد المبكر، إلى خوف الموظفين من فقدان مكاسبهم نتيجة الصعوبات المالية التي تعاني منها صناديق المعاشات، فضلا عن القلق من الضغوط المعيشية.
وقال العيادي لـ "العربي الجديد" إنه كان الأجدر المراهنة على تحسين الوضع الاقتصادي بدلا من تقليص عدد الموظفين، مشيرا إلى أن الدولة في كل الحالات ستتحمل ضغوطا مالية جديدة، إما بدفع الرواتب أو ضخ الأموال للصناديق الاجتماعية للمحافظة على توازناتها المالية وضمان استمرار مهامها في صرف معاشات المتقاعدين.
وكانت فضيلة الدريدي، المديرة العامة للوظيفة العمومية، قالت، في تصريحات صحفية مؤخرا، إن كل موظف سيغادر وظيفته اختياريا سيحصل على أجر سنتين، علاوة على التدخل لفائدته لدى البنوك لتسيير حصوله على قروض تأسيس مشاريع خاصة.
وتشكو الصناديق الاجتماعية (صناديق المعاشات) من صعوبات مالية كبرى، أدت إلى اختلال هيكلي في توازناتها المالية تقع معالجتها سنويا بضخ الحكومة أموالا من ميزانية الدولة.
وبلغت قيمة عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (الصندوق المخصص للموظفين الحكوميين والعمال العموميين)، نحو 426 مليون دينار (177 مليون دولار) في 2015، في حين بلغ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (صندوق موظفي القطاع الخاص والحرفيين والتجار) 310 ملايين دينار، وسط توقعات بارتفاع العجز بشكل كبير خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتواجه الحكومة صعوبة كبيرة في التصرف في الموارد البشرية في القطاع العمومي، بسبب التزامها مع صندوق النقد الدولي بخفض كتلة الأجور ووقف التعيينات.
وبين عامي 2010 و2016، زاد عدد موظفي القطاع العام بنسبة 50% وتضاعفت كتلة الأجور بنسبة 100%، وفق بيانات رسمية.
وخلال السنوات الست الماضية، قفزت كتلة أجور موظفي القطاع الحكومي من 6.78 مليارات دينار (2.95 مليار دولار) عام 2010 إلى 13.38 مليار دينار (5.9 مليارات دولار) عام 2016.
ومن المتوقع أن تصل كتلة الأجور إلى 13.7 مليار دينار (6 مليارات دولار) خلال العام الجاري 2017، وهو ما يعادل 45 % من ميزانية الدولة و14% من الناتج الداخلي الخام.
ومقابل تضخم كتلة الأجور لا تجني الحكومة المردود المرجو من العدد الكبير لموظفيها، وأظهرت دراسة رسمية حول مكافحة الفساد في الإدارة التونسية، أن معدل الوقت الذي يخصصه الموظف للعمل الفعلي لا يتجاوز 8 دقائق في اليوم، وأن نسبة الغيابات بلغت 90%، مشيرة إلى أن أيام العمل الفعلية للموظف التونسي لا تتجاوز 105 أيام من أصل 365 يوما.
وبحسب وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، فإن الإقبال على تقديم طلبات التقاعد المبكر، كان دون المنتظر، مشيرا، في تصريحات صحافية قبل أيام، إلى أنه تم تقديم ثلاثة آلاف طلب فقط، لافتاً إلى أن ذلك يعد مؤشراً سلبياً، لأن الحكومة ترغب في تقليص كتلة الأجور والحد من الضغط على الميزانية.
وتجد الحكومة، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نفسها في مواجهة طلبات صندوق النقد الدولي، الذي يربط صرف القسط الثالث من القرض المقدر بنحو 370 مليون دولار، بتنفيذ تعهدات بخفض كتلة الأجور من 14% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12.5% في غضون 2020، وهو ما يدفع الحكومة إلى بحث حلول جديدة لإقناع صندوق النقد الدولي، بعد فشل خطتها في إقناع الموظفين بالتسريح الطوعي، وفق الخبير المالي مراد الحطاب.
وقال الحطاب لـ "العربي الجديد"، إن أجور موظفي القطاع العام تلتهم أكثر من 40% من إجمالي الموازنة العامة للدولة البالغة نحو 14 مليار دولار، مشيرا إلى أن التخلص من هذا العبء يحتاج أولا إلى إصلاح وضع الصناديق الاجتماعية وضمان استقلاليتها المالية، إلى جانب تقليص عدد الموظفين وتوجيههم إلى أماكن عمل أخرى، حتى لا يكونوا عبئاً على الدولة والمالية العمومية.
المساهمون