سورية تواجه العجز المائي..تراجع منسوب السدود وانخفاض الأمطار

02 ابريل 2016
نقص المياه يهدّد الزراعة في سورية (فرانس برس)
+ الخط -


باتت سورية التي تعتبر بلد الأنهار مقبلة على أزمة مائية حادة الصيف المقبل، بسبب التراجع الحاد للتساقطات المطرية، حسب تقارير رسمية، ويأتي ذلك رغم تمتع سورية بعدد كبير من مصادر المياه أبرزها أنهار الفرات ودجلة والعاصي، فضلاً عن الأنهار الجبلية القصيرة والبحيرات والآبار الجوفية.

وحذر اقتصاديون ومتخصصون في المياه من عطش سورية خلال الفترة المقبلة، نتيجة عدم تجاوز هطول الأمطار، حتى نهاية آذار/مارس الجاري، نسبة 50% من المعدل السنوي في أغلب المناطق السورية وتراجع منسوب المياه في السدود السورية، مقدرين كميات العجز السنوي المائي بنحو 6 مليارات متر مكعب، في واقع انحباس الأمطار نتيجة تحركات الدورة المناخية.

ويقول المتخصص في شؤون المياه، مروان رزوق، لـ "العربي الجديد": "تفاوتت نسبة الهطول المطري هذا العام، لكنها لم تزد عن نصف تساقطات العام الماضي عدا محافظة الحسكة التي شهدت موسماً مطرياً مقبولاً، لكن ذلك لا يلغي الأزمة المائية التي ستعانيها سورية خلال الصيف المقبل ولا مدى تأثيرها على تأمين مياه الشرب والمحاصيل الزراعية.


وأوضح المتخصص بالشأن المائي أن سورية تحتاج إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000متر مكعب للفرد في السنة لكل الأغراض، لكن انحباس الأمطار خلال الأعوام الخمس الأخيرة، قلص من حصة الفرد إلى أقل من 700 متر مكعب في السنة، شارحاً أن متوسط هطول الأمطار السنوي محسوباً لعشرات السنين، بلغ حوالي 48 مليار متر مكعب، وبعد تبخر حوالي 80% من التساقطات تتحول البقية إلى واردات مائية سنوية سطحية وجوفية، وتراجع المتوسط السنوي لكميات المياه المستخدمة خلال آخر 10 سنوات، حسب تقارير متخصصة.

وحول كيفية تغطية العجز المائي، أضاف رزوق، أنه يتم عبر ضخ كميات من المياه الجوفية تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار، مشيراً إلى أن العجز المائي في سورية بلغ خلال السنتين الماضيتين 3.5 مليارات متر مكعب ومن المتوقع أن يزيد العجز هذا العام، ليصل إلى 6 مليارات متر مكعب.

وتعاني سورية التي تعتبر بلد الأنهار من شح المياه، حيث يمر نهر الفرات الذي ينبع من تركيا على أراضيها لمسافة 675 كيلومتراً، ونهر دجلة على مسافة 50 كيلومتراً ونهر العاصي بطول 325 كلم، فضلاً عن الأنهار الجبلية الساحلية القصيرة، كنهر السن والكبير الشمالي.



وتحوي سورية عددًا من البحيرات الطبيعية والاصطناعية المتشكلة خلف السدود أكبرها بحيرة الأسد، والبحيرات السبع قرب اللاذقية، وبحيرتا 17 نيسان على نهر عفرين والرستن على نهر العاصي، إضافة للبحيرات الطبيعية، وأهمها قطينة قرب حمص وزرزر قرب الزبداني، ومسعدة في الجولان التي تتميز بمياهها الكبريتية.

لكن الحرب وعدم التخطيط وعدم حسن استخدام الموارد في حكومة الأسد، بعد تراجع نسبة الأمطار، هي العوامل الأهم في فقر سورية المائي وعدم تجاوز حصة الفرد من الواردات المائية المتجددة، 650 متراً مكعباً سنوياً، وهي كمية متدنية مقارنة مع حد الفقر المائي المتعارف عليه عالمياً والبالغ 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب مختصين.

ويشير مختصون إلى أن نسبة التخزين التصميمي الوسطية لجميع السدود في سورية والبالغ عددها 163 سدا في جميع المحافظات بلغت 31%.
وتؤكد تقارير سورية رسمية حدوث انخفاضات حادة في منسوب المياه الجوفية، سببها، ضخ كميات كبيرة خلال السنوات الماضية بهدف إنتاج المحاصيل الزراعية.

وتقول التقارير، إن مناسيب المياه الجوفية انخفضت في عموم المناطق السورية، ما زاد من تكاليف الضخ وتدني تصريف بعض الينابيع وجفاف بعضها، ففي حوض اليرموك انخفض إجمالي تصريف الينابيع من 3.5 متر مكعب كل ثانية عام 2010 إلى 2.5 العام الماضي، وفي حوض العاصي انخفض من 14.5 إلى 11.8، وفي نبع المزيريب في درعا انخفض من 900 إلى 310 ليترات.

كما انخفضت في نبع السمك في حمص ونبع عين الزرقا في إدلب في حين توقفت ينابيع الخابور تماماً.
وساهمت الآبار غير المرخصة في تدني المناسيب الجوفية أيضاً، وحسب بيانات وزارة الموارد المائية فإن عدد الآبار غير المرخصة 112047 من أصل 229195 بئراً.

وتعاني مناطق ريفي حماة وحلب بشكل خاص، من شح مياه الشرب، ووصول سعر صهريج المياه لنحو 1500 ليرة سورية بحسب مراقبين، بعد تراجع الأمطار وتخريب شبكات المياه، خلال الحرب المندلعة بسورية منذ خمس سنوات.

ويقول وزير الموارد المائية، بحكومة بشار الأسد، كمال الشيخة إن البلاد كانت تملك قبل الحرب من خطوط وشبكات مياه الشرب حوالى 65 ألف كم وهذه المنظومة كانت قادرة على خدمة 92% من سكان سورية ولدينا عدد من محطات ووحدات التنقية 165 محطة ووحدة.
وكان متوسط حصة الفرد 110 لترات يومياً وعدد المشتركين في شبكة مياه الشرب 3.7 ملايين مشترك ومتوسط حجم الاستثمارات في قطاع مياه الشرب 12 مليار ليرة سورية، حسب الشيخة.

ولكن، الوزير السوري يضيف خلال تصريحات صحافية مؤخراً، أن منظومة مياه الشرب والري الزراعي تعرضت إلى النهب والتخريب وكذلك تراجعت نسبة تحصيل الفواتير لمياه الشرب ومياه الري ما أضعف قدرة المؤسسات على تلبية طلبات التأهيل والصيانة لمنظومة المياه، ما أدى لارتفاع العجز المائي نتيجة الطلب المتزايد على المياه بسبب قدوم الوافدين والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وعدم توافر مادة المازوت لتشغيل مجموعات التوليد الاحتياطية، مشيراً إلى أن الخسائر الكاملة في قطاع الموارد المائية، بلغت 74 مليار ليرة سورية منذ بدء الثورة عام 2011 .

وأثر تراجع الهطول المطري على المواسم الزراعية في سورية، بحسب ما يؤكد المهندس الزراعي أكرم برغل، لـ"العربي الجديد"، من محافظة إدلب شمالي سورية.

ويقول برغل، تراجعت نسبة مساحات الأراضي الزراعية إلى النصف عموماً، وزراعة الحبوب على وجه الخصوص لهذا العام عما كانت عليه خلال موسم العام الماضي، نظراً لانخفاض معدل سقوط الأمطار هذا العام عن العام الماضي، حيث بلغ معدل التساقطات في المنطقة السنة الماضية 500 ملم، فيما سجل العام الحالي 181 ملم حتى الآن، مشيراً إلى أن نسبة الأراضي المزروعة بالحبوب العام الماضي بلغت 30% من مجمل المساحة الزراعية في إدلب، بينما تراجعت هذا العام إلى نحو 15%.

ومن المتوقع أن يتراجع الإنتاج الزراعي لعدد من المحاصيل الاستراتيجية في سورية ومنها القطن والقمح خلال العام الجاري، إلى أدنى مستوياته في نحو ربع قرن، بفعل العجز المائي والحرب وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على مساحات واسعة من البلاد، فضلا عن ارتفاع تكاليف الزراعة في المناطق المحررة، ما يهدد السوريين بأزمة أخرى تتعلق بالغذاء، وفق تقارير دولية.

وعلى سبيل المثال تقلص إنتاج القمح من 4 ملايين طن قبل الثورة التي اندلعت في الربع الأول من عام 2011، إلى أقل من 415 ألف طن الموسم الماضي، وفق بيانات وزارة الزراعة في حكومة النظام السوري الذي فشل في تنفيذ المخططات الزراعية للحفاظ على إنتاج العديد من المحاصيل الرئيسية.


المساهمون