نقمة فائض الإنتاج!

30 أكتوبر 2016
فائض إنتاج بعض المزروعات دون استغلال(فيليب ديسماسيز/فرانس برس)
+ الخط -

يحكى على سبيل النكتة في سورية، أن حفرة كبيرة وسط شارع رئيس بدمشق، غدت مصيدة للمارة ليلاً، بواقع انقطاع التيار الكهربائي، للحد الذي ضجت خلاله المشافي لكثرة نقل المصابين الساقطين بتلك الحفرة، ورفعت من صوتها للحكومة لمعالجة مشكلة تلك الحفرة... فلبت الحكومة الرشيدة النداء، وبنت مشفى إلى جانب الحفرة ...

الأرجح، أن نكات المصريين والسوريين، لم تأت من فراغ، بل كانت إسقاطات ذكية ومختزلة، وتعبيراً مضحكاً عن واقعهم السياسي والاقتصادي المبكي، فقصة الحفرة ترجمتها حكومة الأسد الأب اقتصادياً مرات ومرات، وأخذ الابن الوريث، طريقة المعالجة ذاتها، لحل مشاكل اقتصادية على طريقة بناء مشفى وليس ردم الحفرة.

ففي عهد حافظ الأسد الذي حكم السوريين، إثر انقلاب عام 1970 لنحو ثلاثين عاماً، سرت حلول بناء المشافي إلى جانب الحفر.

فإنتاج القطن على سبيل الذكر ليس إلا، لما وصل في تسعينيات القرن الفائت لنيف ومليون طن، وشكت مصر والاتحاد الأوروبي من إغراق أسواقها بالغزول السورية، اتخذ الأسد قراراً حكيماً بتخفيض المساحات المزروعة بالقطن.

طبعاً وجد الأسد في شراهة هذه النبتة للماء، سبباً وجيهاً لتقليص الإنتاج، بدلاً من الايعاز لتصنيعه وتصديره ألبسة أو أقمشة كحد أدنى، رغم أن القيم المضافة للقطن تتأتى من الحلقات النهائية لتصنيعه، وليس من تحويله لغزول وإغراق أسواق الجوار به.

والمثال ذاته ينسحب على سلع ومنتجات كثيرة، ربما النفط السوري في مقدمتها، فسورية التي وصل إنتاجها إلى نحو 620 ألف برميل نفط، قبل أن يستقر قبل الثورة على نحو 380 ألف برميل نفط يومياً، كانت تصدر أكثر من نصفه خاماً، لتستورد في الآن نفسه، بعض المشتقات النفطية كالبنزين والكيروسين وحتى المازوت من الخارج، رغم أن فارق الأسعار بين الخام والمكرر، ولبضعة أعوام فقط، كفيل ببناء مصفاة نفط ثالثة في سورية، تجعل من نفطها ثروة يمكن أن تعود على البلاد والعباد، بالمال وفرص العمل، وربما بتعزيز المواقف الاقتصادية وحتى السياسية.

قصارى القول: تاريخ حل بناء المشفى قرب الحفرة، يعيد نفسه الآن، بل وجدت العبقرية الاقتصادية بحكومة بشار الأسد حلولاً مبتكرة لأكثر من مليون طن حمضيات لهذا الموسم، فخفضت رسوم بدلات المناولة بمرفأي طرطوس واللاذقية 50%، وأسست شركتين جديدتين للتصدير، فضلاً عن وعدها المزارعين برفع أسعار الحمضيات لتتوازى مع التكاليف وكي لا يقعوا في حفرة الخسائر المتكررة سنوياً، والتي دفعت بعضهم لعدم جني المحصول أو لاقتلاع أشجار الحمضيات جراء الخسائر المتكررة.

ربما مليون طن حمضيات، في بلد لا يزيد سكانه عن عشرين مليوناً، تعتبر، كما القطن والزيتون، ثروات زراعية فيما لو أُحسن استثمارها، سواء بمعامل ( مصانع) عصائر أو حتى بتسويقها لباقي المحافظات، إذ من المفارقة أن مدن الساحل تعاني من عرض زائد ورخص أسعار الحمضيات، ومدن الشمال، الشرقي والغربي، تعاني القلة، بل وتستهلك بأسعار مرتفعة، الحمضيات المستوردة، من تركيا وغيرها.

نهاية القول: تعاني البلدان المتخلفة عادة، نتيجة الفساد وسوء التخطيط، من أزمة فائض الإنتاج، تماما كما من ندرته، وربما يكون في زيادة إنتاج سلعة أو ثروة باطنية، وبال على تلك الدول، يوقعها بأزمات اقتصادية وأحياناً سياسية.

ولعل في حسن استثمار وتصنيع العنب الفرنسي وزيادة صادرات باريس من النبيذ عما تصدره دولة نفطية عربية، دليل ومثال لا يحتاج عناء التفنيد والشرح.


دلالات
المساهمون