مخاوف خفض الفائدة على الاقتصاد المغربي

30 سبتمبر 2014
نمو الاقتصاد المغربي يرتهن بحجم المحصول الزراعي للبلاد(أرشيف/Getty)
+ الخط -

اتخذ بنك المغرب (البنك المركزي) منذ أيام قليلة قرارًا بخفض سعر الفائدة ليكون 2.75%، بدلًا من 3%، ويستهدف البنك حسب بيانه الصادر بهذا الشأن أن يؤدي ذلك إلى تيسير منح الائتمان من قبل البنوك.

وعلى الرغم من أن الدور المهم لخفض سعر الفائدة على النشاط الاقتصادي، إلا أنه ليس العامل الوحيد الذي يمكنه أن يغير معادلة أداء النمو الاقتصادي، أو تحريك معدلات الاستثمار بشكل إيجابي، فالعائد على الاستثمار أهم من خفض سعر الفائدة، فقد يكون سعر الفائدة مرتفع والعائد على الاستثمار أعلى منه، وحينئذ يقبل المستثمرون على الاقتراض من البنوك، وقد يكون سعر الفائدة منخفض، ولا يقبل المستثمرون على الاقتراض من البنوك، بسبب انخفاض العائد على الاستثمار عن سعر الفائدة السائد.

وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013، فإن المغرب يعاني من فجوة موارد تقدر بنحو 13.6 مليار دولار، كما أن نصيب المغرب من الاستثمارات الأجنبية يعد ضئيلا، مقارنة بهذه الفجوة الكبيرة في الموارد، فبيانات البنك الدولي تشير إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في أحسن حالاته بلغ 3.3 مليار دولار في عام 2013، بعد أن كان لا يتجاوز 1.9 مليار دولار في عام 2009.

وتبقي مشكلة الاقتصاد المغربي، في هذا التذبذب في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة لأداء القطاع الزراعي الذي يعتمد على المطر بشكل كبير، فتقديرات النمو الاقتصادي في عام 2014 حسب بيانات البنك المركزي المغربي أن يكون بحدود 2.7%، بعد أن كان 4.4% في عام 2013.

وإذا أراد البنك المركزي المغربي أن يكون لخطوته بتخفيض سعر الفائدة مردودًا إيجابيًا على النشاط الاقتصادي، فعليه أن يغير من تركيبة مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، فكل من القطاع الزراعي وقطاع الصناعات التحويلية، يساهم بنسب شديدة التقارب في الناتج المحلي الإجمالي، بـ 14% و14.2% على التوالي. وتنتج المشكلة في تراجع مساهمة القطاع الزراعي حسب موسم المطر كل عام، مما يؤدي إلى تذبذب أداء النمو الاقتصادي إيجابًا وسلبًا.

ومن شأن تمويل البنوك لمشروعات قطاع الصناعات التحويلية، أن يساعد ذلك على خلق وظائف مستقرة، وذات قيمة مضافة عالية، وبخاصة أن المغرب يعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، شأنه شأن بقية الدول العربية غير النفطية.

فمعدلات البطالة بالمغرب بحدود 9% على مدار الفترة من 2009 – 2013، على الرغم من ارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة من 90.9 مليار دولار إلي 104.3 مليار دولار، بزيادة 13 مليار دولار، ولم تؤدي هذه الزيادة إلا إلى خفض البطالة بنحو 0.1%.

كما لم يؤثر في معدلات الفقر المرتفعة في المجتمع المغربي، حيث تشير بيانات البنك الدولي عن الفقر إلى وجود نحو 5 مليون فرد يعانون من الفقر بأنواعه (الفقر متعدد الأبعاد) ونحو 8 مليون فرد يعانون من فقر الدخل، بينما تتسع دائرة الفقر إذا ما حوت مؤشرات أخرى مثل نقص المرافق والخدمات لتصل لنحو 50% من تعداد السكان بالمجتمع المغربي البالغ نحو 33 مليون نسمه في عام 2013.

دوافع ومخاوف خفض الفائدة

ذكرنا فيما سبق أن الهدف المعلن لقرار خفض سعر الفائدة تيسير منح القروض من قبل البنوك للأنشطة الاقتصادية، ولكن يمكن قراءة دوافع أخرى يهدف إليها صانع السياسة الاقتصادية، ففي ظل انخفاض سعر الفائدة، وارتفاع معدل التضخم، الذي يقدر بنحو 1.9% في عام 2013، بعد أن كان بحدود 1% في عام 2009، تصبح الفجوة بين المؤشرين قليلة، مما يدفع الأفراد إلى زيادة معدلات الاستهلاك، وبذلك تتحرك عجلة الإنتاج لتلبية هذه الزيادة في معدلات الاستهلاك.

ولكن العقبة هنا، ألا يكون لدى الجهاز الإنتاجي في المغرب المرونة الكافية لتلبية هذه الزيادة في الاستهلاك من خلال السلع والخدمات المحلية، فيكون في هذه الحالة المردود لخفض سعر الفائدة سلبيًا، لأن تلبية الحاجات الناتجة عن زيادة الاستهلاك ستكون من خلال الاستيراد، الذي قد يصحبه تضخم مستورد، يزيد من معدلات التضخم في الداخل، كما يشكل عبء على احتياطي النقد الأجنبي لتلبية الواردات، حيث يعاني احتياطي النقد بالمغرب من مشكل كبيرة، لأنه يبلغ 19.2 مليار دولار في نهاية عام 2013، وهو ما يكفي فقط لواردات 5 أشهر في أحسن تقدير، في حين أن التقديرات الاقتصادية تذهب إلى ألا يقل الاحتياطي عن احتياجات 6 اشهر من الواردات.

ومما لا تحمد عقابه في ظل سياسة تشجيع الاستهلاك، أن تتراجع معدلات الادخار المحلية، وهو أمر متحقق بالفعل في الحالة المغربية، فالبيانات تظهر تراجع المدخرات المحلية من نسبة 30% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 إلى 25% في عام 2012.

وقد يكون الدافع غير المعلن عنه من قبل الحكومة المغربية، تخفيض تكلفة اقتراضها المحلي، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن دين الحكومة المركزية هناك بلغ 59.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أنه على شفى تجاوز حد الخطر وهو نسبة 60% من الناتج.

وفي ظل الإجراءات المتبعة من قبل الحكومة المغربية بالدخول في دوامة تسهيلات صندوق النقد الدولي الائتمانية، والتي انتهت بقرض قيمته 5 مليار دولار مؤخرًا، بعد قرض انتهت مدته في أغسطس الماضي بنحو 6.2 مليار دولار، لأن تتجه المديونية المركزية للحكومة للارتفاع وتجاوز سقف الـ 60% من الناتج بسهولة شديدة.

وهو ما يدلل عليه الواقع فالدين الخارجي للمغرب قفز من 24.6 مليار دولار في عام 2009 إلى 33.8 مليار دولار في عام 2013، أي بزيادة نحو 10 مليار دولار خلال أربع سنوات، وبنسبة تصل إلى 37.3%.

ويخشى في هذا الإطار أن يكون سعى الحكومة لتخفيض تكلفة التمويل لقروضها، ألا يتحقق الجانب الإيجابي للقرار بتنشيط القطاعات الإنتاجية وزيادة معدلات الاقتراض للاستثمار، فتكون النتيجة، مزيدا من تراجع العوائد الضريبية، وبالتالي زيادة عجز الموازنة الذي اقترب من معدل 5 % من الناتج المحلي الإجمالي.

والجدير بالذكر ان قطاعات اقتصادية عدة تطالب الحكومة المغربية بمراجعة سقف الضريبة من أجل تنشيط أعمالها، ومن بين هذه القطاعات نشاط التشيد والمقاولات.

مسلك معيب

تبقي إدارة السياسة الاقتصادية للمغرب رهن نظرة المؤسسات الدولية، شأنها شأن العديد من الدول النامية، ومن ضمنها كل الدول العربية، إذ يركز صندوق النقد وباقي المؤسسات الدولية على تحسن بعض المؤشرات النقدية والمالية، مهما كانت التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لذلك.

فالمغرب على مدار السنوات الماضية، لم يكف عن الزيادات المتوالية في أسعار الوقود استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، ولكن في ظل اطمئنان الصندوق للإجرءات المغربية على صعيد المالية العامة وغيرها من المؤشرات المعتبرة لدى الصندوق، نجد أن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي لا زالت بطيئة، ولا تلبي احتياجات المجتمع من فرص عمل، أو وجود تحسن ملموس في جوهر الأداء الاقتصادي للمغرب.

ولا يعني ذلك أن تصرف الحكومة المغربية النظر عن الإصلاح في جانب السياسة المالية والنقدية، ولكن لابد من أن يصاحب هذا اصلاحات على الجانب الهيكلي المتعلق بالإنتاج، وأن تكون مساهمة القطاعات الإنتاجية هي الأعلى في تحقيق الناتج المحلي للبلاد.

فإذا نظرنا إلى مساهمة القطاعات الإنتاجية السعلية نجدها لا تتجاوز 42% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي المتحقق في عام 2012، وهي نسبة تكاد تكون ثابتة على مدار السنوات الماضية، مما يؤكد على أن برنامج صندوق النقد لاصلاح الاقتصاد المغربي، كان له مردود ضعيف على هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي لم يظهر له أثرًا ملموسًا في تحسين المؤشرات الخاصة بالفقر والبطالة.

يبقى أن نشير في نهاية هذه السطور، إلى أن الاقتصاد المغربي سيظل رهين المحبسين، الأول خلل هيكل ناتجه المحلي، والثاني تركز علاقته الاقتصادية والتجارية مع بعض دول الاتحاد الأوروبي. وكما هو معلوم فإن الاتحاد الأوروبي يمر بأزمة مالية واقتصادية كان لها أثرها السلبي على شركاءه التجاريين.

المساهمون