في سهل صحراوي على بعد 40 ميلاً شرق وسط القاهرة، تتشكل عاصمة جديدة مترامية الأطراف، فيها ناطحات سحاب ومساكن فاخرة ومراكز للمشاة تمثل رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي لمصر الحديثة، تغذيها مليارات الدولارات، أغلبها من الديون، وفق تقرير لـ"وول ستريت جورنال".
وتشرح الصحيفة الأميركية أن مصر تهدف إلى جذب أكثر من ستة ملايين شخص إلى منطقة تبلغ مساحتها 270 ميلاً مربعاً، من المفترض أن تكون العاصمة الجديدة. وتخطط الحكومة للبدء بنقل 40 ألف موظف مدني إلى منطقة حكومية مكتملة داخل هذه العاصمة في يناير/ كانون الثاني.
وتقدر تكلفة المدينة الجديدة، المعروفة باسم العاصمة الإدارية الجديدة، بعشرات المليارات من الدولارات، وهي محور خطة السيسي لتحويل مصر إلى دولة حديثة، إلى جانب مشاريع البنية التحتية، مثل توسعة قناة السويس، وشبكة وطنية من الطرق السريعة والجسور والأنفاق الجديدة ومنتجع على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويضيف التقرير أن السيسي يتابع هذه المشاريع باهظة الثمن، على الرغم من الأزمة الاقتصادية المستمرة في مصر، حيث تواجه البلاد أكثر من تريليون دولار من الديون المحلية والأجنبية في السنوات المقبلة، وفقاً لشركة الأبحاث البريطانية أكسفورد إيكونوميكس.
بعيدة عن حاجات البلد
بدأ المشروع بجدية في عام 2015، عندما اتصلت السلطات المصرية بالمسؤولين في الإمارات العربية المتحدة للحصول على المشورة بشأن بناء وتمويل مدينة جديدة. وكشف السيسي عن النموذج الأول للعاصمة الجديدة إلى جانب محمد العبار، المطور لبرج خليفة في دبي. انهارت تلك الشراكة بسرعة وسط الخلاف على الشروط المالية لمشروع مشترك، وفقاً لأيمن إسماعيل، الرئيس المؤسس لكيان بناء العاصمة الجديدة، الذي استقال منذ ذلك الحين، لكنه لا يزال يعمل مستشاراً.
ثم تولى الجيش المصري المسؤولية عن المشروع، ووُضع تصميم جديد من قبل مطورين محليين، كان أقل ملاءمة للمشاة ومناطق حكومية وتجارية وسكنية منفصلة.
ومن المفترض أيضاً أن تشتمل العاصمة الجديدة على متنزه يمتد طوله أكثر من 20 ميلاً، ومطاراً خاصاً بها وجامعات. وسيضم الحيّ التجاري الرئيسي العديد من ناطحات السحاب، بما في ذلك ناطحات سحاب مكونة من 78 طابقاً ستكون الأطول في القارة الأفريقية.
في جولة قادتها الحكومة في سبتمبر/ أيلول في الحيّ الحكومي، كان عدد قليل من الناس يسيرون في الشوارع. زُرع بعض الشجيرات وأشجار النخيل، ولكن لم يكن هناك ظل تقريباً حول ساحة الشعب.
يقول سامح العليلي، أستاذ التخطيط العمراني في جامعة القاهرة: "شيدت الحكومة العاصمة الجديدة لتقول إن لدينا دولة حديثة ونبدو مثل دبي". ويضيف: "في الواقع، إنه مشروع لعرض ناطحات السحاب، بدلاً من تلبية الاحتياجات الحقيقية للبلد".
مدينة غالية
تحاول السلطات إقناع السفارات الأجنبية بشراء أرض في منطقة دبلوماسية جديدة. وتنقل الصحيفة عن دبلوماسيين أجانب، قولهم إن سفاراتهم ستحتاج إلى رؤية وزارات الحكومة المصرية هناك أولاً. كذلك فإنهم يريدون أن يروا أن رأس المال الجديد يكتسب زخماً قبل أن يفكروا فيما إذا كان من الممكن مالياً ولوجستياً فتح مكاتب هناك.
ويشكك ديفيد سيمز، وهو مخطط حضري مقيم في القاهرة، في مدى جاذبية المدينة بالنسبة إلى المصريين العاديين. المدارس والمستشفيات والمطاعم في المدينة الجديدة لم تكتمل بعد، ومن المحتمل أن تكون باهظة الثمن بالنسبة إلى معظم المصريين الفقراء.
وتنقل "وول ستريت جورنال" عن أحمد صلاح (36 عاماً)، المسؤول بوزارة الشباب والرياضة المصرية، الذي زار العاصمة الجديدة عدة مرات، لكن مكتبه لم ينقل إلى هناك بشكل دائم بعد، قوله: "أُلقي بي في المجهول". استغرق الأمر ساعتين ونصف للوصول إلى المدينة الجديدة من منزله في وسط القاهرة. صلاح وزوجته، موظفة حكومية أيضاً، لا يتوقعان أن يكونا قادرين على شراء شقة في المدينة الجديدة.
وكانت وسائل الإعلام الحكومية المصرية، قد أفادت في عام 2015 بأن العاصمة الجديدة ستكلف ما مجموعه 45 مليار دولار. وفي مقابلة، قال خالد عباس، رئيس الوكالة التي يسيطر عليها الجيش والتي تدير العاصمة الجديدة، إنه يتوقع أن يتجاوز المبلغ النهائي هذا التقدير. ويقدر أن مصر أنفقت أكثر من 20 مليار دولار على العاصمة الجديدة حتى الآن، مع استمرار الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار البناء بنحو 10 إلى 15%.