استمع إلى الملخص
- يشير الخبراء إلى أن الحلول الاقتصادية تتطلب كسر الاحتكار وزيادة الإنتاجية، حيث تعاني الموازنة من عجز كبير. تحسين الاقتصاد يتطلب أكثر من تغيير حكومي أو بيان وزاري.
- يطالب اتحاد العمال بزيادة الرواتب وضبط العمل، مع تطوير القطاعات الإنتاجية ووضع خطة طوارئ لضمان الغذاء والطاقة، مع محاسبة الحكومة على تنفيذ برامج العمل.
بعد تعدي نسبة الفقراء 80%، يستحوذ تحسين الوضع المعيشي على اهتمامات السوريين ووصايا الاقتصاديين والباحثين لحكومة بشار الأسد المشكّلة الشهر الماضي، قبل إعلان بيانها الوزاري.
ذلك أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي أهم ما يعانيه السوريون، بحسب رشا سيروب الأستاذة في كلية الاقتصاد بالقنيطرة جنوبي سورية، التي قالت إن أكثر من 80% من السوريين يعانون الوقوع في براثن الفقر، فيما يعاني 90% انعدام الأمن الغذائي، علماً أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي هما التحدي الأعظم الذي يواجه الحكومة الجديدة ومتطلب لا غنى عنه للتنمية المستدامة.
وتقول سيروب خلال محاضرة لها أقامتها جمعية أصدقاء دمشق قبل يومين بعنوان "ماذا يجب أن يتضمن البيان الوزاري للحكومة" فضلاً عن الفقر، يعاني الاقتصاد من هجرة الكفاءات والشباب حيث يوجد شخص واحد من كل خمسة لاجئين في العالم هو سوري، فالهجرة المستمرة عادة ما تكون بمنزلة أعراض لمشكلة وليست سبباً، لأنها تسلط الضوء على رغبة ملايين السوريين في الحصول على نوعية حياة أعلى ــ سعياً وراء تعليم أفضل، وفرص عمل تلائم مؤهلاتهم، ورعاية صحية، أو مكان أكثر أماناً للمستقبل ببساطة.
ولم يغب ملف إسكان السوريين بعد غلاء العقارات وتهديم بيوتهم عن وصايا سيروب التي أكدت أن ملف الإسكان في سورية يعاني مشكلات عدة، فمع وجود الملايين من السوريين النازحين داخلياً، ومع الحرب الحالية على لبنان التي أدت إلى دخول أكثر من 400 ألف سوري عائد ووافد لبناني، مضيفة أن الظروف قد تجبر ما يقارب نصف مليون سوري على العودة، كل هذا سيزيد من فجوة السكن الناتجة عن الفرق بين العرض والطلب، لذا فإن توفير السكن بأسعار معقولة وإعادة الإعمار يشكل أولوية، خاصة أن تكلفة الحصول على سكن تشكل 60- 70 ضعف دخل الفرد السنوي.
ويقول الأكاديمي، عماد الدين المصبح إن حلول الاقتصاد السوري "شبه المنهار" لا تكمن بتغيير حكومة أو بإعلان بيان وزاري، لأن صلاحيات الحكومة محدودة وضمن الخطة التي تأتي من القصر الرئاسي، للأمن والقيادة التي تمليها على الحكومة.
ويشير المصبح لـ"العربي الجديد" إلى أن تراجع الموارد وزيادة الديون الخارجية، لإيران وروسيا خصوصاً، تكبل أي فريق حكومي ولو بصلاحيات استثنائية واستقلالية مطلقة، لأن الموازنة العامة تعاني عجزاً كبيراً وموارد الدولة محدودة وبتراجع، الأمر الذي يدفع نظام الأسد للتمويل بالعجز ورهن وبيع مقدرات سورية. لافتاً إلى أن الموازنة العامة للدولة، التي حددها المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، قبل يومين، والبالغة 52600 مليار ليرة سورية، لم تتطرق صراحة في الشق الجاري منها البالغ 37000 مليار لزيادة الأجور، رغم أن الوضع المعيشي وزيادة الأجور أهم، حتى من المشروعات الاستثمارية التي تطرقت لها الموازنة.
وكان اتحاد العمال في سورية قد حدّد مطالبه من الحكومة الجديدة واضعاً بالمقدمة، الاهتمام بالاقتصاد الواقع المعيشي "أولاً وثانياً وثالثاً" وتشكيل فريق اقتصادي متجانس والانتقال من سياسة الوزير إلى سياسة الوزارة، لأن نهج الوزير العودة إلى سياسة التصفير والبدء من جديد، لها تداعيات كارثية على العمل المؤسساتي.
ورأى الاتحاد خلال تقرير قدمه بالتوازي مع تشكيل الحكومة، أن كسب ثقة المواطن بالحكومة المنتظرة، يأتي من تحسين الواقع الاقتصادي وتوجيه قراراتها لأفقر مواطن سوري، والعمل على تحسين واقع الطبقة الفقيرة، كما يجب أن تعمل الحكومة الجديدة على كسر حلقات الاحتكار في التجارة الخارجية، معتبراً إصدار فئات نقدية جديدة تبدأ بـ50 ألفاً أو 100 ألف ليرة، الخطوة الأولى، بواقع التضخم النقدي الذي حل بالاقتصاد السوري وتراجع سعر صرف الليرة، من 50 مقابل الدولار عام 2011 إلى نحو 14750 ليرة بحسب موقع "الليرة اليوم".
وطالب اتحاد العمال الحكومة بأن تكون مختلفة في عملها وإدارتها وأدائها عن سابقاتها من الحكومات، داعياً إلى تحسين معيشة المواطن، ليس من خلال زيادة الرواتب والأجور فقط، بل عبر ضبط العمل وزيادته وزيادة إنتاجيته في منشآت القطاع الاقتصادي والخدمي من جهة، واستصدار تشريعات جديدة وتعديل التشريعات النافذة بما يساعد القطاع الخاص على مزيد من الإنتاج والاستثمارات، بحيث تزداد فرص العمل، أي خلق مصادر دخل جديدة وفرص مجدية لزيادة الدخل، الأمر الذي يؤدي إلى تحريك الطلب الفعّال في السوق، وبالتالي تحريك عجلة الإنتاج التي ستحتاج إلى المزيد من قوة العمل.
وخلال دعوته لتطوير القطاعات الإنتاجية، طلب اتحاد العمال الاهتمام بالقطاع الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني الذي عانى تقصير الجهات الحكومية، منطلقاً ومن ثم بالتوازي، الاهتمام بقطاع الصناعة التحويلية، لا سيما منها ذات الأنشطة التي تنتج بدائل ما يتمّ استيراده، وتلك التي تعتمد في إنتاجها على مستلزمات ومدخلات الإنتاج المحلية قدر الإمكان، مع توفير ما يلزم لها من بنى تحتية وأساسية وتسهيل وتشجيع جميع الأنشطة ذات الصلة مثل مشاريع الري والشحن والتمويل.
في المقابل، يقول الاقتصادي والمفتش السابق إبراهيم محمد لـ"العربي الجديد" إن الظروف التي تعصف بالمنطقة ومنها سورية، هي من سيتحكم بأداء حكومة بشار الأسد وأولوياتها، ما يعني، برأيه، ضرورة وضع خطة طوارئ والتحسب لأي حدث من شأنه أن يوسع دائرة الحرب، بما في ذلك توفير الغذاء والطاقة ومراكز الإيواء. لكنه يستدرك قائلاً إن هذا لا يعني أن تتخبط الحكومة من دون خطة وبرامج عمل، وفي مقدمتها التعامل بجدية مع زيادة الأجور، لأن دخل السوري بالكاد يكفيه ثلاثة أيام.
ويضيف محمد لـ"العربي الجديد" أن العادة سابقاً كانت أن تعلن الحكومة برنامج وخطة عمل، ويتم محاسبتها من البرلمان على مدى تنفيذها بعد مئة يوم، ولكن، خلال الحكومات التي عينها بشار الأسد خلال الثورة، لم نعد نرى برامج أو بياناً للحكومة كما لم نعد نرى محاسبة أو إقالات.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر منتصف الشهر الماضي مرسوماً يقضي بتكليف محمد غازي الجلالي بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لحسين عرنوس، ليتم تسمية الوزراء في 23 سبتمبر الماضي.
ويذكر أن تكاليف المعيشة في سورية، تشهد قفزات متتالية زادت بعد القصف الإسرائيلي على لبنان وعود لاجئين سوريين ولبنانيين، ليرتفع متوسط تكاليف معيشة الأسرة المكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من 13.6 مليون ليرة سورية، في وقتٍ بقي الحد الأدنى للأجور ثابتاً عند 278910 ليرات شهرياً.